انعتق الكتاب في تونس بعد الانتفاضة التي شهدتها البلاد من نهاية ديسمبر 2010 إلى منتصف شهر جانفي 2011، وطفت إلى السطح أراء وقراءات تتّسم بحرية أكثر، بيد أنّه بين الكتب المعرفية الجيدة والكتب ذات المستوى المتدني إلى حد السّب والتهكم، شعرة، تخطاها العديد من الكُتّاب، لذلك وجد التونسيون أنفسهم يقاطعون المطالعة لمحدودية المضمون الذي يشبههم ويعكس انشغالاتهم الحقيقية، وفي المقابل شكّلت الثورة التونسية فرصة للعديد من المؤلفين لنشر كتبهم التي كانت جاثمة في أدراج مكاتبهم، أرّخت لتاريخ تونس منذ فترة الرئيس الحبيب بورقيبة. تنقلت ”المساء” إلى العاصمة تونس وبالتحديد إلى ”شارع الحبيب بورقيبة”، حيث تقع مكتبة ”الكتاب” وشاءت الصدف أن يكون دخولنا إلى المكتبة متزامنا مع حفل توقيع كتاب للكاتبة ألفة يوسف الموسوم ”وليس الذكر كالأنثى”، في البداية كان الغرض النيل من شغف القراءة والبحث عن كتب جزائرية بالمكتبات التونسية، لتتحوّل رحلة الفضول إلى استطلاع عن وضع الكتاب التونسي بعد أحداث جانفي 2011، والمضمون واهتمامات القارئ، إذ أجابت عيّنات من المشهد الثقافي والأدبي وحتى الجهة الوصية على أسئلتنا المتعلّقة بالكتاب في تونس. كانت الصدفة كذلك متقاطعة مع معرفتنا بإقامة أول معرض دولي للكتاب في سوسة، يضطلع بفتح آفاق أوسع لمستقبل ”خير جليس” بتونس، إلا أن مكتبة الكتاب كانت كفيلة لتشكل لنا التصور العام حول وضع المنتوج الثقافي الموجود بين دفتي كتاب.
سلمى جباس صاحبة مكتبة الكتاب تقول صاحبة مكتبة الكتاب، سلمى جباس؛ أصبح التونسيون يميلون أكثر إلى الكتب السياسية والتاريخية التي تتطرق إلى حضارة تونس، وأوضحت أن الكتب الفكرية والعلمية زاد الاهتمام بها لدى الكتاب والقراء معا، لكن نجد تراجعا ملفتا مسجلا على كتب الإبداع، كالرواية والقصص، وقالت: ”في الفترة الأولى من الثورة كانت هناك العديد من الكتب لكنها لم تصدر وصدرت بعد الثورة مباشرة، حتى في فترة بورقيبة كان الكثير من الكتاب يخشون نشر كتبهم ومكنتهم تلك الأحداث من إصدارها مباشرة بعد نهايتها”. وتابعت تؤكد؛ ”الآن كل الأنواع مباحة وكل أنواع الكتب موجودة، وهي أكثر حاجة نحن سعداء بها، فالآراء لم تعد عليها أية مراقبة أو عرقلة، وهذا أكبر مكسب للحرية”. ونبهت المتحدثة إلى وجود كتب متطرفة تستوردها بعض الجمعيات ويتم بيعها أمام المساجد، تدعو إلى الإرهاب والتطرف، وشددت بهذا الصدد ”على السلطات أن تلتفت إليها وتقدر الأمر”. أما بخصوص الكتاب الجزائري، فأجابت سلمى جباس أنها لا تصدر ولا يمكن استيرادها وأعربت؛ ”بودنا أن نحظى بكتب جزائرية، وهي كتب تهمنا، نجدها في معرض الكتاب الدولي في الجزائر العاصمة، نشتري منها القليل، أما الكتب التي ترونها في مكتبتي فهي التي تنشرها دور عربية أو أجنبية”.
هادية المقدم مديرة الآداب تكشف هادية المقدم مديرة الآداب بوزارة الثقافة التونسية، عن أن الكتاب في تونس بعد الثورة ظهر أكثر حرية ونشر والناس لم يعودوا مقيدين في حرية الكتابة، مشيرة إلى ”أن الكتب التي صدرت في هذه الفترة سياسية أكثر منها إبداعية، ونحن الآن نحنّ إلى كتب الإبداع، خاصة أننا نجد في الرواية نقصا كبيرا في الإنتاج، بينما لاقى الكتاب السياسي رواجا كبيرا”، واسترسلت في قولها؛ ”هناك ظاهرة الكتابة حول الثورة ومذكراتها، وهي ظاهرة طيبة فيها حركية كبيرة في النشر وتطورا كبيرا”. وعن الرقابة التي كانت من مهام وزارة الداخلية، نفت هادية المقدم وجود أي نوع من الرقابة بعد 2011 وأكدت أن الكتاب بات الآن حرا. وعن نية الوزارة في بعث الكتاب من جديد، كشفت أن السلطات المعنية تملك إستراتيجية يسعون من خلالها إلى وضع مركز وطني للكتاب شبيه بالموجود في الجزائر، مشيدا بالتجربة الجزائرية الفعالة، من أجل حل مشاكل الكتاب المتعلقة بالتصدير والترويج ومشاكل التوزيع داخل الجمهورية التونسية وعدد المكتبات التجارية التي تعرف تقلصا، إذ ترى أنه لابد من إعادة دورها، فالكتاب الثقافي يلقى رواجا كبيرا بين القراء.
عادل حاج عن مكتبة الكتاب يعتقد عادل حاج المشتغل بمكتبة الكتاب أن جملة من الإصدارات القيمة ظهرت وتعددت مباشرة بعد ثورة 14 جانفي 2011، وفصّل في شأن نوعية الكتابة التي كانت منصبة بصفة عامة حول الجانب المخفي من نظام زين العابدين بن علي، وأوضح بالخصوص ”أن نظام الاستبداد الذي كنا نعتقد أنه يخفي جملة من الحقائق كانت مدارا لكتابة حول ثورة تونس وغير ذلك، ثم بعدها تحولت الكتابة لتتطرق إلى طبيعة الأحداث التي رافقت هذا الحراك، الانتفاضة التي شهدتها تونس وانصبت الكتابة حول كل الأحداث التي عرفتها تونس خلال السنوات الثلاث الأخيرة”. وواصل عادل حاج الذي بدا متتبعا للحراك الثقافي والكتب، خاصة أن الاهتمام فيما بعد أصبح بالكتاب التاريخي، السياسي والفكري، بمعنى أن الكتابة ارتقت إلى المستوى النظري والمعرفة الحقيقية وقال؛ ”أصبحنا نتلمس الكتابة الحقيقية التي تنأى عن الانفعال بما هو يومي وحدثي إلى كتاب يؤسس لمعرفة حقيقية”. لكن من جهة أخرى، يؤكد المتحدث ”أن التونسيين للأسف والقارئ خاصة، خلناه في البداية سيقوم بعملية مصالحة بينه وبين الكتاب، لكن للأسف اكتشفنا أن القارئ متأخر تحت وطأة الأحداث، وللأسف بعد تراكم هذه الأحداث تقلصت علاقة القارئ بالكتاب وعاد إلى سجن والكاتب إلى الأوهام بعيدا عن المعرفة”. وأكد ”أن الكتابة في تونس بعد 14 جانفي 2011، خاصة في المسائل السياسية، اتخذت منحنين اثنين؛ إما الكتابة التي تنزل إلى مستوى السبب والتهكم والسخرية بمعنى أن الكتابة تسيء إلى العمل الإبداعي لأنها تنزل إلى مستوى الحضيض الذي نراه في شاشات الإعلام اليوم ولا يقدم معرفة حقيقية في الكتابة الانفعالية، وفي المقابل هناك كتابة تحاول أن تؤسس لمعرفة تنأى عن الإسفاف والتمييع والنقل الواقعي والتسجيلي”.
الكاتبة ألفة يوسف تشير الكاتبة والباحثة ألفة يوسف إلى وجود نوع من الإحساس بهامش الحرية والسعي إلى استغلالها، وتروي تجربتها بخصوص إصداراتها التي سبقت كتاب ”ليس الذكر كالأنثى”، على غرار ”حيرة مسلمة” وغيرها من الكتب التي تتضمن بعض الجرأة، إذ أعربت عن شعورها بهامش الحرية الذي اتسع، وتابعت؛ ”هذا أمر إيجابي وأعترف أنني ظلمت القارئ العربي عموما، حتى أنني كنت أتصور أنه لا يقرأ، والحقيقة أن الكُتاب هم الذين لا يعرفون ما يكتبون له”. وأضافت؛ ”كنت أظن أن القراءة انتهى زمانها، والحقيقة أن الأمر ليس صحيحا، طبعا هناك وسائل للاتصال، لكن عندما تعرف كيف تلامس نفس القارئ وقلبه قبل عقله عندما تستطيع أن تشعر أن الكتاب مرآة لذاته، فعندها سيقرأ الكتاب ولن يتركه”.