عرفت السنوات ال15 الماضية، إنجازات كبيرة في قطاع الصحة، تميزت أساسا بإعادة تنظيم القطاعات الصحية، فأصبحت المؤسسات العمومية الاستشفائية، مؤسسات عمومية للصحة الجوارية، أي تم فصل الاستشفاء عن العلاج والفحص، وهو نوع من اللامركزية، هدفه تسهيل الوصول إلى العلاج وتقريب المستشفى أو المؤسسة الصحية من المواطن. وقد عرفت هذه المرحلة تطور العديد من الهياكل القاعدية وكذا عدد المستخدمين، حيث أصبحت الجزائر تتوفر، اليوم، على 14 مستشفى جامعيا، 68 مؤسسة استشفائية متخصصة، 200 مؤسسة استشفائية عمومية، 778 مؤسسة استشفائية تابعة للقطاع الخاص بقدرة استيعاب ما بين القطاعين العمومي والخاص تصل إلى أكثر من 71 ألف سرير. كما اعتمدت الدولة، في السنوات الأخيرة، سياسة صحية جديدة، تدعمت بإمكانيات ضخمة مادية وبشرية تسمح بالتكفل الأفضل بالمرضى لاسيما المصابين بالأمراض المزمنة، وعلى رأسها مرض السرطان، الذي بادر رئيس الجمهورية باستراتيجية خاصة به، فيما أمر الرئيس بإنجاز 10 مستشفيات جامعية عبر الوطن لتحسين الخدمة الصحية لاسيما بمنطقة الجنوب والهضاب العليا. يجمع المتتبعون للقطاع الصحي على أنه شهد قفزة متميزة من حيث الكم والنوع، بفضل الاهتمام الذي أولته الدولة لهذا القطاع، غير أن هناك اختلالات مازالت تعتري مجال الصحة، التي يرتكز عليها برنامج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لفترته المقبلة، كما شهدت هذه الفترة التي كانت غنية بالانجازات، ميلاد عدة مؤسسات دعمت القطاع، على غرار المخبر الوطني لمراقبة المواد الصيدلانية ومعهد باستور (الجزائر) الذي أصبح مخبرا مرجعيا لمنظمة الصحة العالمية في مجال المراقبة والتكوين حول مقاومة الجراثيم للضمادات الحيوية. وتضاف إلى هذه المؤسسات الصيدلية المركزية للمستشفيات، الوكالة الوطنية للدم، المركز الوطني لليقظة الصيدلانية والمركز الوطني لمكافحة التسمم، والوكالة الوطنية للتوثيق الصحي. كما عرفت هذه المرحلة إعادة النظر في النصوص القانونية المسيرة للمؤسسات الصحية، بما فيها المستشفيات الجامعية والمؤسسات المتخصصة والمراكز الصحية، بالإضافة إلى تطبيق النظام المسير للنشاطات الإضافية بين القطاعين العمومي والخاص، فضلا عن إعادة بعث البرامج الوطنية، تحديد سياسة للأدوية في مجال الاستيراد والتسجيل، المراقبة والتوزيع، وتخلي الدولة عن احتكارها للمواد الصيدلانية في المجال. وعرفت المرحلة الأخيرة (من 2002 إلى غاية اليوم) التي أثبتت محدودية الخدمة بسبب معاناة المؤسسات من عدة اختلالات هيكلية وتنظيمية، تدخل السلطات العمومية لاتخاذ مبادرة سياسة إصلاح المستشفيات، التي تهدف إلى تخطيط وتنظيم العلاج بها. كما تهدف السياسة الجديدة إلى أنسنة وتأمين الخدمات وعصرنة النشاطات تماشيا مع الطلبات الجديدة، مما يسمح بتوفير خدمة ذات نوعية، مع المحافظة على مبدأي العدالة والتضامن المكرسين من طرف الدولة.
تدعيم العلاج الجواري لتقريب الصحة من المواطن عرف القطاع، من جانب آخر، انتقالا للوضعية الديموغرافية والوبائية للسكان، إلى تعزيز العلاج الجواري من أجل تقريب الصحة من المواطن، حيث باشرت السلطات العمومية في تطبيق تنظيم جديد للمؤسسات الصحية سنة 2007، يهدف إلى فصل مهام المستشفيات الجامعية عن تلك التي تضمن علاجا قاعديا، أسفر عن تأسيس الطب الجواري الذي قرب العلاج من المواطن. كما برز تقسيم جديد للمؤسسات الصحية، على غرار المؤسسات العمومية الاستشفائية والمؤسسات العمومية للصحة الجوارية التي تشمل أيضا قاعات للعلاج والعيادات متعددة الخدمات. واستفاد القطاع من سنة 2005 إلى 2009 من غلاف مالي بقيمة 244 مليار دينار، تم استثماره في إنجاز 800 مؤسسة استشسفائية وجوارية. وبخصوص التغطية باللقاحات، حقق القطاع خلال العشرية الأخيرة، عدة مكاسب، تمثلت في تعميم التغطية اللقاحية بنسبة 90 بالمائة، مما ساهم في القضاء على عدة أمراض خطيرة أدت خلال السنوات الأولى للاستقلال إلى الوفيات والإعاقات إلى جانب القضاء على الأمراض المتنقلة وتراجع الوفيات لدى الأطفال إلى معدل حددته المنظمة العالمية للصحة، بالإضافة إلى انخفاض وفيات الحوامل بنسبة 5 بالمائة كل سنة. فيما تعزز القطاع بتجهيزات طبية عصرية لعبت دورا هاما في الكشف المبكر والتشخيص الدقيق للأمراض المزمنة التي سجلت ظهورها خلال السنوات الأخيرة، مما يدل على مواكبة المجتمع الجزائري للتحولات التي شهدتها المجتمعات المتقدمة.
تدعيم الهياكل وتحسين الخدمة بالجنوب والهضاب يظل قطاع الصحة قطاعا حيويا في تحسين ظروف حياة المواطن. لذا تكفلت الدولة ببناء المنشآت مثلما هو محدد في الخريطة الصحية الجديدة. وفي هذا الصدد، تم تخصيص 619 مليار دج لهذا القطاع للفترة 2010-2014، وذلك لإنجاز 173 مستشفى، و45 مركزا صحيا متخصصا، و377 عيادة متعددة التخصصات، و1000 قاعة علاج، و17 مدرسة للتكوين شبه الطبي. وبلغ عدد المستشفيات 230 مستشفى في سنة 2000 ليصل إلى 291 مع نهاية 2013، أما عدد العيادات متعددة التخصصات فارتفع بشكل محسوس، حيث انتقل من 497 في 2000 إلى 1588 في 2013. ومن المتوقع سنة 2014، إنجاز 1616 عيادة متعددة التخصصات. وبهدف تدارك النقص في عدد الأطباء في بعض المناطق، تزايدت وتيرة التكوين بشكل تم من خلاله تقليص عدد السكان بالنسبة لطبيب واحد في سنة 2000، وكان هناك طبيب واحد ل1746 نسمة، في حين أنه في 2013 هناك طبيب لكل 1295 نسمة. وفيما يتعلق بالأطباء المختصين، كان المعدل سنة 2000 أخصائي واحد لكل 2834 نسمة، وبلغ، في 2013، أخصائي لكل 1806 نسمة. وفيما يتعلق بأطباء الأسنان، كان المعدل في 2000 طبيب أسنان واحد لكل 9122 نسمة، وفي 2013 بلغ هذا العدد طبيب أسنان واحد لكل 3128 نسمة. غير أن هناك بالرغم من هذه الجهود، بعض التحديات التي لا تزال قائمة والمتمثلة في مكافحة نسبة وفيات الأطفال، وهذا بالرغم من انخفاض هذه النسبة بشكل ملحوظ، حيث انتقلت من 36،9% لكل 1000 نسمة سنة 2000، إلى 26،1% في 2013، ويكمن التحدي الآخر في خفض نسبة وفيات الأمهات التي انتقلت من 96،5% بالنسبة لكل 100 ألف نسمة في 2005، إلى 70،3% في 2013. أما بخصوص معدل الوفيات الإجمالي بالنسبة لكل 1000 نسمة، فانتقل من 4،59%في 2000 إلى 4،53% في 2013. وسمح تعزيز السلك الطبي بضمان تغطية طبية قريبة من المعايير السارية في البلدان، حيث ارتفعت نسبة الأمل في الحياة من 71،5 سنة في 2000 إلى 76،4 سنة في 2013. ويعرف النمو الديمغرافي نفس التوجه في الزيادة، حيث انتقل من 1،48% في 2000 إلى 2،16% في 2013. وتجدر الإشارة إلى أن الدولة منحت القطاع في نهاية 2013 اعتمادات بلغت 263،7 مليار دج، مقابل 33 مليار دج في 2000. وحرصا على تلبية متطلبات الصحة العمومية وتدارك نقص الأدوية، تم خلال العشرية الماضية، إنشاء 55 وحدة لصناعة الأدوية محليا. ولمواجهة نقص الأطباء المتخصصين في مستشفيات الجنوب، تمت توأمة المراكز الاستشفائية الجامعية للشمال ومستشفيات الهضاب العليا مع مستشفيات الجنوب. ويرمي هذا المسعى إلى إرسال بعثات طبية وشبه طبية من المركز الاستشفائي الجامعي لبني مسوس إلى مستشفيات ولايات الجنوب (ورقلة، أدرار وإليزي) للتكفل بمختلف الاختصاصات التي تعاني من نقص الأطباء. من جهة أخرى، تقَرَّر إنجاز ثلاثة مراكز استشفائية جامعية في بشار، الأغواطوورقلة، بغية تعزيز التغطية الطبية في هذه المناطق.
الضمان الاجتماعي: عصرنة وبطاقة شفاء للجميع وفي إطار تحسين نوعية الخدمات، تم إنشاء هياكل جوارية لصندوق الضمان الاجتماعي، انتقل عددها من 1100 في 2009 إلى 1500 في 2013، كما تم منذ 2011، تعميم نظام الدفع من قبل الغير فيما يتعلق بالعلاج الصحي بالنسبة لاقتناء الأدوية لدى 198 10 صيدلية متعاقدة. في 2013، بلغ عدد المستفيدين (المؤمّنون الاجتماعيون وذوو الحقوق) حوالي 30 مليون مستفيد. وتم التعاقد مع عدة هياكل صحية لضمان تغطية صحية أفضل. ويتعلق الأمر ب130 مركزا خاصا لتصفية الدم متعاقد لصالح 7360 مريضا، و13 عيادة لجراحة القلب للتكفل ب7200 مريض، و320 طبيب عيون. وفيما يتعلق بالنقل في قطاع الصحة، تم التعاقد مع 264 مؤسسة. ويبلغ عدد الأطباء المعالجين 2760 طبيبا. وبغرض تحسين الاستفادة من العلاج من طرف المؤَمَّنين الاجتماعيين والمساهمة في الكشف المسبق عن لأمراض الثقيلة مثل مرض سرطان الثدي، استفاد 526 32 مصابا به من الفحوصات مجانا على مستوى المراكز الجهوية للصور الطبية. في إطار تحديث هذا القطاع، تم منذ 2009، تطوير نظام بطاقة "الشفاء" الإلكترونية للمؤمَّن الاجتماعي. وارتفع عدد المستفيدين من هذه البطاقات من 7.583.468 إلى 9.018.951 مستفيدا، مما أدى إلى رفع عدد المستفيدين الإجمالي إلى حوالي 30 مليونا من المؤمنين اجتماعيا وذوي الحقوق.