أكد رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة أول أمس على ضرورة الاهتمام بالبحث العلمي وتطويره وجعله في خدمة الصحة للتخلص من التبعية التي تعاني منها الدول الإفريقية ودعا هذه الأخيرة إلى تنظيم نفسها وتعزيز منظومتها الصحية وتخصيص الموارد المالية الكافية للقطاع الصحي. وأوضح رئيس الجمهورية في رسالة وجهها إلى وزراء الصحة الأفارقة المشاركين في ندوة الجزائر المجموعة الدولية قرأها نيابة عنه السيد محمد علي بوغازي مستشار لدى رئاسة الجمهورية أن "الأمر لايتعلق بمساعدة رمزية يراد بها تحسين التمكن من الأدوية الأساسية بما يبرئ ويريح الضمير بل إنه يتعلق بوضع آليات تضامنية من أجل بحث متعدد الاختصاصات أساسي تطبيقي ينصب على مشاكلنا الصحية وتكون نتائجه في متناول شعوبنا كافة"، ودعا في هذا الإطار إلى "التجنيد من أجل تصحيح الاختلال الذي يعتري البحث العلمي لفائدة الصحة". وأرجع السيد بوتفليقة اللامساواة الصحية إلى تجاهل المجهود العالمي في مجال البحث لفائدة الصحة واعتبر ذلك جوهر المشاكل الصحية للبلدان النامية خاصة فيما يتعلق بالعلاجات الأولية ودعا البلدان الإفريقية إلى إعطاء المثل وتنظيم نفسها كما بينت ذلك إعلانات أبوجا وأكرا وواغادوغو فضلا عن تعزيز منظوماتها الصحية وتطويرها لاستراتيجيات وطنية وجوهرية "من أجل بحث ينصب على مشاكلنا الصحية وتخصيص الموارد المالية الكافية لقطاع الصحة". وفي هذا السياق أكد بأن المشاكل الحالية تستمر ما دامت دول المنطقة لم تتخل عن منطق التبعية ولم تع بعد بأن قوة ودوام إشراك السلطات العمومية تتمثل في تطوير بحث يتكفل بمشاكل المنطقة مذكرا بأن السلطات العمومية في البلدان المتقدمة التي تدافع عن رأسمالية المؤسسات تدعم المؤسسات والمعاهد التي تقوم بمهمة البحث عن طريق التمويل والمساعدات. وأكد فيما يتعلق بالشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا (نيباد) في المجال الصحي على تطبيق بوجه خاص استراتيجيات مدمجة، الغاية منها تمكين مئات الملايين من الأفارقة من تحسين صحتهم لضمان تنميتهم الاجتماعية والاقتصادية ملحا على رفع حصة الصحة في الميزانية الوطنية إلى 15 بالمائة على الأقل لبلوغ هذه الغاية وكذا وضع برامج للتربية الصحية وتوفير العلاجات الأولية والأدوية الأساسية لمحاربة وفيات الأمهات والرضع ومكافحة الآفات الكبرى التي يشكلها داء فقدان المناعة المكتسب والملاريا والسل. واعتبر أن "إعلان الجزائر" الذي توج أشغال الندوة الوزارية "سيترجم عزمنا الأكيد على قطع الصلة مع الخطابات الظرفية وعلى الانخراط بحزم في استراتيجية مدبرة تدريجية تروم وضع الآليات التي تسير التطور المحلي لبحث ينصب على المشاكل الصحية لمنطقتنا". وفي سياق متصل أوضح الرئيس بوتفليقة أن وتيرة التقدم في المنطقة الإفريقية ما تزال بطيئة على الرغم من بعض الخطوات الملحوظة التي تم قطعها، مشيرا إلى أنه وما عدا بعض الاستثناءات فإن الفجوة بين البلدان في المجال الصحي ما فتئت تزداد اتساعا ولا سيما في المناطق الأشد فقرا وفي البلدان الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء حيث المشاكل الصحية الخطيرة التي تبعث على القلق أكثر من ذي قبل ومنها داء فقدان المناعة المكتسب الذي يمثل السبب الأول للوفيات الناجمة عن الأمراض المعدية ومنها كذلك داء الملاريا الذي ما يزال مدعاة للانشغال خاصة في إفريقيا" رغم ما تم تسجيله من نتائج تحمل على التفاؤل". ولدى تطرقه إلى وضعية البحث العلمي والتطور التكنولوجي بالجزائر أكد رئيس الجمهورية أن الدولة رصدت في إطار القانون الخماسي (2008 - 2012) دعما ماليا إجماليا قدره 100 مليار دج (3،1 مليار دولار) وأن مجهودات البحث بالجزائر ستنصب حول عدد من كبريات المحاور منها الوقاية والتشخيص المبكر والتكفل بالأمراض الواسعة الانتشار وصحة الإنجاب والتجارب السريرية والبحث التطبيقي السريري والعلاجي والبحث الأساسي النهائي فضلا عن الهندسة الطبية الصحية والمنتجات الصيدلانية. وذكر السيد بوتفليقة أن "هذا القانون سيعزز بإصدار نصوص قانونية تتضمن القانون الأساسي للباحثين والباحثين الدائمين ( بمن فيهم الباحثين الاستشفائين الجامعيين) ويرتكز تطبيقه على العديد من الهيئات والمؤسسات منها الوكالة الوطنية لتطوير البحث في المجال الصحي والوكالة الوطنية لتطوير البحث الجامعي والوكالة الوطنية لتثمين نتائج البحث والتطوير التكنولوجي". وكانت الندوة الوزارية حول البحث في مجال الصحة في إفريقيا قد توجت ب"إعلان الجزائر" الذي سمح حسب المدير الجهوي للمنظمة العالمية للصحة لمنطقة إفريقيا الدكتور لويس غوميس صامبو ووزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات السيد السعيد بركات لأول مرة في التاريخ للقارة الإفريقية بالخروج بصوت موحد كما انه تناول مسألة تحفيز الباحثين الأفارقة من اجل البقاء ببلدانهم ومحاولة بقدر الإمكان المحافظة عليهم وتشجيعهم خدمة لبلدانهم وسكان القارة. من جهته اعتبر سعيد بركات أن الباحثين هم المحركين للتنمية بالمنطقة مؤكدا بأن دول القارة لا تستطيع أن تقدم نفس التحفيزات التي تقدمها الدول الغنية ولكن "نعمل على المحافظة على هؤلاء الباحثين وعدم قطع الصلة مع الباحثين الذين غادروا بلدانهم في السنوات الماضية لأنه "حتى تواجدهم بالبلدان الغربية يخدم بلدانهم الأصلية" على حد قوله. وعن كيفية الحصول على موارد للبحث يرى الدكتور صامبو أن إعلان الجزائر ألزم الدول الإفريقية بتخصيص نسبة 2 بالمائة من ميزانية الصحة إلى البحث فيها بالإضافة إلى المساعدات التي ينتظر أن يحصل عليها البحث من خلال الشراكة والدعم الخارجي. وصادق على الإعلان الذي سيمثل إفريقيا بصوت واحد في المنتدى العالمي للصحة المزمع عقده ببماكو (مالي) في نوفمبر القادم ممثلي ما يقارب 40 دولة إفريقية من بينهم 13 وزيرا ونائب وزير للصحة. والتزمت الدول الإفريقية بموجب إعلان الجزائر بالعمل المشترك من اجل إعطاء دفع جديد لتعزيز الأنظمة الوطنية للبحث في الصحة وفي الإعلام وتسيير المعارف بترشيد الاستثمار وتنسيقه من اجل تحسين صحة سكان القارة. ونص إعلان الجزائر كذلك على التزام القادة الأفارقة بتطبيق التوصيات مع نهاية 2009 ووضع أو تعزيز السياسات الوطنية في البحث في الصحة وتبني إستراتيجية مناسبة ترتكز على التقييم وتوحيد الأنظمة الوطنية للبحث والمعارف في المجال الصحي. ودعا الأفارقة في إعلان الجزائر إلى تعزيز التعاون جنوب-جنوب وشمال-جنوب بما فيه تحويل التكنولوجيا وربط شراكة بين الحكومات والجامعات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، كما دعا الوزراء الأفارقة الباحثين ومعاهد وشبكات البحث والإعلام إلى التعاون بشكل نشط مع مختلف الفاعلين في الميدان من اجل وضع الأولويات في مجال البحث حسب احتياجات البلد والقطاع الصحي. ورافع الأفارقة من اجل تدعيم أنظمة البحث وتشجيع التعاون الجهوي وطالبوا من المنظمة العالمية للصحة بالمرافعة من اجل الزيادة في الصندوق المخصص للبحث والإعلام وتسيير المعارف في المجال الصحي والتوزيع العادل لأموال هذا الصندوق على جميع الفاعلين في البحث كما دعوا إلى وضع مرصد إفريقي لأنظمة الإعلام وتسيير المعارف في مجال البحث في الصحة ومواصلة منظمة الصحة العالمية لدعمها لإعلان الجزائر وتقديمه بالدورة أل 59 للجنة الجهوية للقارة . وقد حضر الندوة الأستاذ إلياس زرهوني مدير معاهد الصحة الأمريكية الذي أكد على وجود إرادة بالجزائر لاستعادة مكانة البلاد في مجال البحث مشيرا إلى المساعدات التي قدمتها الولاياتالمتحدة إلى الجزائر لإعداد برامج مشتركة بين البلدين خلال السنتين الأخيرتين في مجال التشخيص الجيني للمواليد الجدد.