اقتنعت أطراف المعادلة السياسية والأمنية في ليبيا، أن حل الأزمة المتعددة الأوجه التي تكاد تعصف بهذا البلد تمر حتما عبر انتخابات عامة مسبقة وحددت لأجل ذلك تاريخ الخامس والعشرين من الشهر القادم لتنظيمها. ويكون المؤتمر الوطني العام (البرلمان)، الذي يعد أعلى هيئة سياسية في ليبيا قد أذعن للأمر الواقع الذي فرضته تطورات الأسبوع الجاري، وحتمت عليه قبول فكرة تنظيم الانتخابات النيابية وانتخاب برلمان جديد وهو الذي رفضها مرارا رغم المواقف الرافضة. ويأتي هذا الاتفاق الجديد ليلغي العمل باتفاق شهر فيفري الماضي، الذي صادق من خلاله نواب الهيئة التشريعية على قرار يقضي بتمديد عهدة المؤتمر الوطني العام الى غاية نهاية العام الجاري، ولكن بمهمة استتباب الأمن وتنظيم المواعيد الانتخابية للخروج من المرحلة الانتقالية. وكان نوري أبو سهمين رئيس البرلمان الليبي تمسك بموقفه الرافض رغم المظاهرات التي شهدتها العاصمة طرابلس، والأحداث الدامية التي عرفتها على خلفية المطالبة بإنهاء عهدته التي انتهت رسميا شهر فيفري الماضي. ولكن الهزة الأمنية التي عرفتها مدينة بنغازي، والهجوم المسلح الذي تعرض له مبنى البرلمان الأحد الماضي، كرس القناعة لدى الجميع أن الخروج من هذا المأزق يمر حتما عبر حل البرلمان الحالي الذي لم يعد يحظ بالإجماع بعد أن انقسمت الطبقة السياسية بين مؤيد ومعارض له. وإذا كان هذا الاتفاق قد نزع فتيل شرارة الحرب الأهلية التي كانت تهدد ليبيا، وحول اهتمام الليبيين من أحداث مدينة بنغازي الى الحملة الانتخابية وكيفية خوضها، ومن يترشح لموعد الخامس والعشرين جوان، إلا أن ذلك يبقى مجرد حقنة لتهدئة النفوس الى غاية إجراء هذه الانتخابات. فإذا سلمنا أن الإجراء يبقى هاما على طريق إنهاء الأزمة فإن التساؤل الذي يفرض نفسه يبقى حول امكانية تنظيم الانتخابات في موعدها في ظل بقاء شبح المواجهة العسكرية يخيم على النفوس والأجواء العامة في ليبيا؟ والأكثر من ذلك فهل تنظيم الانتخابات وتعيين برلمان جديد إجراء كفيل بوضع الأزمة السياسية والأمنية الليبية على سكة التسوية النهائية، والوصول بهذا البلد الى محطة بر الأمان التي تعطل قطارها بسبب ثلاث سنوات من حالة الشك التي طغت على مشهد ليبي رهن نتائج ثورة السابع عشر فيفري؟ ويطرح هذا التساؤل وخاصة وان المهمة الرئيسية الموضوعة لنواب البرلمان الجديد تبقى إيجاد الآليات القادرة على استعادة الأمن المفقود، ووضع حد لفوضى السلاح العاملان اللذان شكلا أهم سببين في رحيل البرلمان الحالي تحت سيل الانتقادات التي وجهت له بعدم قدرته على تحقيق المهمة التي أوكلت لنوابه. وهو الواقع الذي سيواجهه النواب القادمين حتما وخاصة وأن الجنرال خليفة خفتر، الذي صنع الحدث منذ بداية الأسبوع أصر على مواصلة عملياته العسكرية لدحر التنظيمات الإسلامية المتطرفة وتطهير ليبيا ممن أسماهم ب “الإرهابيين”. والمشكلة اليوم بالنسبة للسلطات الانتقالية الليبية، أن حراك خفتر رغم خطورته ما انفك يحظى بتأييد قادة عسكريين في الجيش النظامي ومسؤولين سياسيين بما يعزز موقعه كرقم له كلمته في أية ترتيبات سياسية وأمنية قادمة، رغم خطورة ذلك على تجانس المجتمع الليبي، اذا أخذنا بمواقف مختلف الأحزاب الإسلامية التي بدأت تنظر الى خفتر بنظرة عدائية بعد أن جهر بعدائه لها مما قد يرهن حتى حظوظ اللجنة الانتخابية، وقدرتها على تنظيم هذا الموعد الحاسم في موعده.