حذرت وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، الأطباء، من الإفراط في وصف المضادات الحيوية للمرضى، قبل إخضاعهم للتحاليل التي تحدد الضرورة القصوى للعلاج بهذه الأدوية، داعية من جهة أخرى المواطنين إلى تفادي استهلاك هذه الأخيرة قدر الإمكان، واللجوء إليها فقط في الحالات الضرورية. ووجهت الوزارة نفس التعليمات لجميع المستشفيات لاحترام البروتوكولات الطبية لتفادي الاستعمال غير المجدي للمضادات الحيوية فيما تبين بعض الأرقام أن المضادات الحيوية تشكل قرابة ال43 بالمائة من حجم الأدوية التي يشتريها المواطن. وأوضح المستشار الإعلامي لوزارة الصحة، سليم بلقاسم، في تصريح ل"المساء"، أن الإشكال الذي يطرح بالنسبة للمضادات الحيوية هو استعمال هذه الأدوية دون الضرورة إلى ذلك أو استعمالها دون احترام الوصفة الطبية كأن ينقص من الكمية أو يزيد، بالإضافة إلى استعمال الشخص الدواء وقت ما شاء والعزوف عنه متى شاء، مما يجعل من العلاج ناقصا أو غير صحيح وبالتالي يتعرض المعني للمرض مجددا مما يستوجب اللجوء إلى مضادات أخرى وهنا تزيد الجراثيم قوة وتظهر انعكاسات ومضاعفات أخرى. وتقوم وزارة الصحة، حسب المتحدث، بصفة منتظمة ودورية بالتحسيس على مستوى المصالح الاستشفائية الطبية عن طريق لجنة الأدوية المتوفرة بكل مستشفى عبر الوطن، من أجل احترام هذه البروتوكولات الطبية المعمول بها عالميا لضمان الاستعمال الأمثل للمضادات. ويأتي انشغال وزارة الصحة والمختصين، المتعلق باستعمال المضادات الحيوية بعد أن أنذرت المنظمة العالمية للصحة بدخول مرحلة ما بعد المضادات الحيوية وظهور الأمراض الخطيرة التي تم القضاء عليها منذ عقود بسبب المقاومة القوية والمستمرة للبكتيريا أمام هذه الأدوية التي أنقذت حياة الملايين من المرضى عبر العالم منذ اكتشافها. وحذرت المنظمة في تقريرها العالمي الأخير من المضادات الحيوية التي باتت تشكل تهديدا خطيرا على الصحة العمومية معتبرة في تقريرها، الذي تضمن بيانات وردت من 114 بلدا، الأول من نوعه الذي يتناول مقاومة المضادات الحيوية على الصعيد العالمي، أن تهديد المضادات الحيوية لم يعد مجرد تنبؤ للمستقبل، بل إنه واقع بالفعل الآن في كل العالم. وتحدث التقرير العالمي عن مقاومة المضادات الحيوية التي تحدث عندما تطرأ تغيرات على الجراثيم فتفقد المضادات الحيوية مفعولها لدى من يحتاجون إليها لعلاج العدوى، وتشكل الآن تهديداً كبيراً للصحة العمومية. كما أشار التقرير الذي جاء تحت عنوان "مقاومة مضادات الميكروبات: تقرير عالمي عن الترصد"، إلى أن مقاومة مضادات الميكروبات تحدث مع العديد من العوامل المعدية المختلفة، لكن التقرير ركز على مقاومة المضادات الحيوية لدى 7 جراثيم مختلفة تتسبب في أمراض شائعة وخطيرة، مثل حالات عدوى مجرى الدم (الإنتان)، والإسهال، والالتهاب الرئوي، وحالات عدوى المسالك البولية والسيلان. وتشمل الإجراءات الهامة التي يجب اتخاذها، الوقاية من حالات العدوى عن طريق ضمان نقاوة المياه ومكافحة العدوى في مرافق الرعاية الصحية والتطعيم، بهدف تقليل الاحتياج إلى المضادات الحيوية، فيما دعت المنظمة أيضا إلى الاهتمام بضرورة استحداث وسائل تشخيص ومضادات حيوية، وأدوات أخرى جديدة من أجل تمكين مهنيي الرعاية الصحية من الاستعداد لمواجهة المقاومة المستجدة للأدوية. ووفرت في تقريرها آليات تساعد الدول ومن بينها الجزائر على مقاومة المضادات الحيوية، عن طريق إبلاغ المواطنين بعدم استعمالها إلا عندما يصفها الطبيب، وإكمال العلاج وعدم القيام بتبادل المضادات الحيوية مع غيرها أو باستعمال ما تبقى من المضادات الحيوية بعد انتهاء الوصفة الطبية. أما العاملون الصحيون والصيادلة فيتصدون إلى المضادات الحيوية، من خلال تعزيز الوقاية من العدوى ومكافحتها وعدم وصف المضادات الحيوية وصرفها إلا عند الحاجة إليها.
سوء استعمال المضادات يضعف الجهاز المناعي وتنتشر في المجتمع الجزائري سلوكات غير صحية وعادات غير مقبولة في التعامل مع الأدوية، حيث لا يتردد الكثير في التوجه نحو الصيدلي واقتناء الأدوية دون وصفة طبية بالإضافة إلى عجز ملحوظ في التعامل مع الأدوية حتى الخطيرة منها كالمضادات الحيوية. وكثيرا ما يقرر البعض التوقف عن تناول الدواء ومن بينها المضادات الحيوية التي يصفها الطبيب قبل المدة المحددة للعلاج الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى إضعاف للجهاز المناعي. ويؤدي الاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية، حسب آخر الخبرات، إلى جعل الجرثومة مقاومة للأدوية المستخدمة، وبالتالي يصبح علاج الأمراض المستعصية صعبا، مما يجعلها مشكلا صحيا متفاقم الخطورة وقد يؤدي على المدى الطويل إلى إبطال مفعول المضادات الحيوية كليا. وبالنظر إلى المقاييس الدولية المعتمدة، تصبح طرق استهلاك المضادات الحيوية في الجزائر، مشكلا حقيقيا يستدعي التوقف عنده، خاصة أن نتائج دراسة سابقة للمركز الوطني ليقظة الأدوية، أجريت قبل سنوات على عيادات العاصمة وحدها، كشفت أن المضادات الحيوية تشكل نسبة 43 بالمائة من حجم الأدوية التي يقتنيها المواطن. الأخصائيون في الجزائر كانوا قد استبقوا تحذير المنظمة العالمية للصحة ودقوا ناقوس خطر الاستعمال المفرط للمضادات الحيوية، موضحين أن الاستهلاك غير العقلاني للمضادات الحيوية قلل بشكل كبير من فعاليتها وجعلها أحيانا غير ذات جدوى، مستندين إلى الدراسات والتحقيقات الميدانية التي أثبتت أن ما بين 50 و80 بالمائة من الجراثيم أصبحت حاليا لديها مقاومة عنيفة للمضادات الحيوية، وهو ما يعني، إذا استمر الحال على ما هو عليه، اختفاء هذه المضادات الحيوية من السوق في غضون 10 إلى 15 سنة.