هل انفلتت الأوضاع الأمنية في العراق، الى الحد الذي جعل مسلحين متطرفين يستولون على محافظة بحجم نينوى، وترغم سلطات هذا البلد على فرض حالة الطوارئ وتدعو السكان إلى حمل السلاح ضد المتطرفين؟ هي تطورات لم يسبق للحكومات العراقية السابقة، أن لجأت إليها حتى في قمة الحرب الأهلية التي كادت تعصف بتجانس المجتمع العراقي سنة 2006، دون أن يمنع ذلك القوات النظامية من التحكم في الوضع واستعادة روح المبادرة. وفاجأ الوزير الأول العراقي نوري المالكي، الجميع في قرار اتخذه أمس، يقضي بتسليح العراقيين الراغبين في قتال عناصر التنظيمات الإرهابية في مختلف مناطق البلاد. وأكد بيان الوزير الأول العراقي، أن حكومته استحدثت لأجل ذلك خلية أزمة من أجل السهر على عملية تطوع وتسلح المواطنين العراقيين، في نفس الوقت الذي رحب فيه بإرادة العراقيين والعشائر في حمل السلاح "للدفاع عن الوطن والتغلّب على الإرهاب". وبغض النظر عن الدوافع التي جعلت الوزير الأول العراقي، يلجأ الى مثل هذا القرار الاستثنائي فإن ذلك لا يمنع من القول أن القرار كشف عن مستجدات أمنية خطيرة، أولها أن القوات النظامية عجزت عن مواجهة عناصر التنظيمات الإرهابية الناشطة في البلاد، وفرضت نفسها فرضا كرقم في المعادلة الأمنية العراقية. كما أن إقحام المدنيين العراقيين في عملية بمثل هذه الخطورة يؤشر على أن الحكومة العراقية، لم تتمكن من احتواء وضع أمني ما انفك يسير باتجاه الهاوية، من ذلك أن تسليح شرائح واسعة من أبناء الشعب العراقي يعطي الاعتقاد أن البلد سائر باتجاه فتنة الحرب الأهلية، على اعتبار أن تسليح المدنيين سيؤدي بهم حتما إلى التحوّل إلى ميليشيات تتحرك خارج الأطر القانونية التي عادة ما تحكم عمل القوات النظامية في أي بلد. وبالعودة الى تجارب الحكومة العراقية فقد عمدت بعد تدهور الوضع الأمني سنة 2006، الى تشكيلها لمليشيات "الصحوة" المكونة من عناصر العشائر، إلا أنها تجربة فشلت في مهدها بعد فشل عناصر هذه المليشيات المدنية ليس في مواجهة عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد الرافدين التابع لتنظيم القاعدة، ولكنها عجزت حتى في الدفاع عن عناصرها الذين أصبحوا أهدافا مفضّلة لهذا التنظيم في الحفلات والجنائز والتأبينيات. وإذا كانت مليشيات (الصحوة) تأسست في أوساط السكان السنّة الرافضين لمنطق وسلطة التنظيمات الإسلامية المتطرفة، فإن دعوة المالكي، هذه المرة كانت موجهة الى كل العراقيين لحمل السلاح، مما يؤكد أن الانفلات هذه المرة شامل ولم يعد مقتصرا فقط على محافظات دون غيرها. وهو الواقع الذي جعل المالكي، يدعو البرلمان الجديد إلى عقد أولى جلساته الطارئة من أجل إقرار حالة الطوارئ في البلاد، وهو إجراء لا يتم اللجوء إليه إلا في حالات الكوارث أو الأوضاع الاستثنائية الطارئة. وكان لبسط تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، سيطرته لأول مرة منذ انزلاق الوضع الأمني في البلاد على محافظة نينوى ثاني أكبر المدن العراقية في شمال العراق، بمثابة ناقوس الخطر الذي وضع الوزير الأول نوري المالكي، أمام مأزق حقيقي لم يسبق أن واجهه طيلة سنوات حكمه. والمتتبع لتطورات الوضع الأمني في هذا البلد خلال الأسابيع الأخيرة، وتوالي التفجيرات الإرهابية التي تحصد كل يوم أرواح ما لا يقل عن 30 قتيلا يتأكد أن الأمور الأمنية ليست على ما يرام. ويمكن القول أن ما يحدث في العراق الآن، يبقى محصّلة طبيعية لتبعات تفكيك الجيش العراقي من طرف الحاكم الامريكي للعراق، بول بريمر، مباشرة بعد الإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين. وهو القرار الذي شكل خطأ استراتيجيا مازالت الحكومات العراقية تدفع ثمنه غاليا، والمؤكد أن ذلك سيتواصل لعدة سنوات لاحقة.