لطالما استحوذ الرجال على عدد من المهن التي كانت حكرا عليه لا تجرؤ أي امرأة على اقتحامها ولكن المرأة تثبت في كل مرة أنه لا يوجد ما يسمى بمهنة للرجل ومهنة للمرأة، بل يمكن للمرأة أن تقتحم كل الميادين وتثبت بجدارة أنها أهل ذلك وأحسن مثال اقتحام المرأة لمهنة ساعي البريد. وتعد "رناح فريدة" ذات ال37 ربيعا أول امرأة على مستوى الوطن العربي مارست مهنة "ساعية البريد" وبذلك فتحت الباب على مصراعيه أمام كل راغبة في العمل بهذا الميدان وعن بدايتها تقول ل"المساء" "لطالما أحببت العمل في ميدان البريد وحدث ذات يوم أن تم الاتصال بي من مكتب البريد ببرج البحري إذ عرض علي منصب ساعية بريد فلم أتردد ولو لحظة في قبول المنصب، وعندما اقترحت الأمر على عائلتي وجدت كل التشجيع من كل أفراد أسرتي الذين قدموا لي كل الدعم من أجل العمل كساعية بريد". تسكت قليلا ثم تواصل حديثها قائلة: "وككل مهنة جديدة على المرأة هناك العديد من المشاكل تتعرض لها عند النزول إلى الميدان، لا سيما وأن فترة التربص التي استفدت منها دامت أسبوعا فقط، حيث كنت أخرج رفقة عمي رمضان الذي علمني بعض المبادئ الأساسية التي يجب أن يتمتع بها ساعي البريد كالصبر والتأكد من العنوان وضرورة إيصال الرسالة لصاحبها ناهيك عن الأمانة والسرية عند أداء العمل، ولكن بعدها أصبح من الواجب أن أعمل بمفردي وهو ما عرضني للعديد من المضايقات خاصة أن ممارسة المرأة لمهنة ساعية البريد مرفوضة من طرف المجتمع". ومن بين التعليقات الجارحة التي كانت توجه لفريدة عبارة "قدروا عليها الرجال حتى يخدموها النساء"، وغيرها لا يعد ولا يحصى من تعليقات مزعجة تؤكد محدثتنا أنها دفعتها لحد البكاء مرارا ولكن كل هذا لم يثن عزيمتها بل زادتها إصرارا وتشبثا بهذه المهنة التي تعتبرها خدمة لنبيلة. أما عن مدة خدمتها في الميدان كساعية بريد فتقول "عمري كساعية بريد يقدر ب سبع سنوات تمكنت خلالها من تجاوز كل الصعوبات وحظيت بالاحترام والتقدير من جميع سكان برج البحري الذين تعودوا عليّ، بل وأكثر من هذا أصبح الجميع يقدم لي يد المساعدة لأداء عملي، فمثلا في بعض الحالات أجد صعوبة في الوصول إلى صناديق البريد كونها مرتفعة فأجد من يقدم لي كرسيا حتى أصل وأدخل الرسالة"، ولشدة حبّ فريدة لمهنتها تؤكد أنها لو خيرت بين أن تتزوج أو تعمل لاختارت العمل بكل بساطة، فحسب رأيها لا توجد ثقة في الرجال إذ قد يحرمها من ممارسة مهنتها. من جهة أخرى تروي محدثتنا عن مشاركتها الدورية في المنافسة التي ينظمها بريد الجزائر منذ 2004 حيث حصلت على المرتبة الأولى في العديد من المشاركات في حين كانت آخر مشاركة لها هي تلك التي تمت أمس حيث احتلت المرتبة الثانية وكانت الفرحة والسرور باديين على محياها. وتجدر الإشارة الى أن المنافسة التي نظمها بريد الجزائر أمس ضمت حوالي 300 متنافسا من سعاة البريد فئة كهول وفئة شباب وفئة نساء وضمت فئة النساء أربع متنافسات حصلت فيها يسمينة بوعثماني ذات ال23 سنة على المرتبشة الأولى، هذه الأخيرة قالت ل "لمساء" إنها المرة الأولى التي تشارك فيها وأنها سعيدة بهذا الفوز، من جهة أخرى كشفت بأنها ساعية البريد الوحيدة على مستوى ولاية بجاية وأن هذا الفوز يعد بمثابة انتصار لكل نساء الجزائر وأنه لا وجود لمهنة هي حكر على الرجال.