قرأت كتبه و أشعاره في الصالون الدولي للكتاب بالجزائر ووجدته يعبر بكل كلمة يُلقيها عن مشاعر دفينة بداخلي، فقررت قراءة دواوينه وإذا بها تأخذني إلى عالم جديد لم أتطرق إليه من قبل، عالم يجمع بين الخيال والواقع معا ، ومن الإجحاف أن أقول أنني كنت أقرأ كتب شعره بل وجدت أنني أستذكرها بشغف فكنت أتنقل بين قصائد تتحدث عن الوحدة والمسامحة والحنان والأمل والآلام والمعاناة في"كلمات وآلام", "كذب قليل، كذب", "أن تكون لديك" و"الإحساس بالوحدة" وقصيدة "الهروب إلى الحلم" وكذا قصيدة " على نفسك مزيد من الحب " وإلى مشاعر الوطنية والحماسة في"القدوم من بعيد" "السكن في السكون", ,"معاناة من الحنان" كما اكتشفت مؤلفاته الموسيقية التي تحمل عنوان "قوس قزح موسيقي" و "إستراحة موسيقية" التي تم إصدارهما كذلك على شكل أقراص مضغوطة مع غلاف بصيغة البراي ،وحرصت بعد ذلك على حضور تكريماته وتتبع أخباره، كما ندمت على كل ما فاتني منها لكنني في النهاية أشكر القدر الذي هيأ لي معرفتي به ليس على المستوى الأدبي فقط ولكن الإنساني أيضا لأنه أحب المكفوفين و كان الجزائري الوحيد الذي بادر الى طبع على حسابه الخاص كل مؤلفاته الادبية والفنية بتقنية البراي لمساعدتهم في التعليم والاندماج في المجتمع ، هنيئا لجزائرنا الحبيبة بهذا الكاتب الشاعر و الملحن الخَلاّق الخلوق أمالو عبد الرحمان. - قدم لنا شخصيتك ومن يكون أمالو عبد الرحمان ؟
شكرا على هذه المقدمة الرائعة أخي العزيز,أمالو عبد الرحمان كاتب شاعر و ملحن جزائري من مواليد 08 جويلية 1954 بمنطقة أزفون,إبن عائلة عريقة على مستوى القبائل ,عشت طفولتي تحت الاستعمار الفرنسي,وبعد الاستقلال سافرت مع والدي الى فرنسا , بدأت حبي للكتابة في مدرسة داخلية ,درست بها 5 سنوات و هناك إكتشفت موهبتي الموسيقية, أصدرت25 ألبوم موسيقي.و حوالي 30 كتاب في أنواع ومستويات أدبية عديدة نذكر منها التاريخ الدين والسياحة , السينما و حتى قصص للأطفال,وكنت السباق لترجمة كل أعمالي بطريقة البراي.شاركت في 30 صالون دولي آخرها كان في مدينة مونبليه الفرنسية نلت العديد من الجوائز والتكريمات نذكر منها جائزة"يوبا الثاني للشعر" ,وسام مطبوعات ”نونو” بمكتبة النهضة برياض الفتح. - لكل إنسَان حلم يراودهُ منذ الصِبَا ، فهل كانتْ الكتابة ضمن قوافلِ أحلامِكَ ؟ ومَا سبب تعلقك وحرصكَ الكبير على الكتابَة للمكفوفين بطريقة البراي ؟
• للإنسان عدة أحلام فمن منا لا يحلم,لقد أحببت الكتابة و أنا طفل على يد أستاذي في المدرسة الداخلية بفرنسا بين 1964 _1969 .فجو المدرسة و الفراغ و تشجيع الأساتذة ساعدني وساهم كثيرا في تطوير المستوى ,لذا كبرت و أنا أعشق الكتابة. أما عن قصتي مع الكتابة بطريقة البراي فترجع لسنة 2000 , كنت في منطقة أزفون أتجول بقريتي الصغيرة، وفجأة لمحت مكفوفا يستمع إلى الراديو، اقتربت منه وتجاذبت معه أطراف الحديث عن حياته اليومية، عندها اكتشفت بأن لديه رغبة كبيرة في الاطلاع على ما يحدث في العالم من أخبار, لاحظت أن الكفيف في الجزائر لديه رغبة كبيرة في تثقيف نفسه ,فراودتني فكرة إصدار ديواني الشعري بطريقة "براي" و بعدها ترجمة كافة أعمالي الأدبية, و لإدماج فئة المكفوفين في سياق الاحتفالات المخلدة للذكرى الخمسين للاستقلال، قدمت ببعض الأعمال الموجهة لهذه الفئة، تمثلت في النشيد الوطني بطريقة البراي ، وموجزا عن حياة الشهيدين ديدوش مراد وحسيبة بن بوعلي والمجاهد غفير محمد . فكرتي في البداية كانت تقوم على التعريف بالكثير من الشهداء والشهيدات لدى فئة المكفوفين لإقحامهم في إطار التاريخ الوطني، كما قدمت خريطة الجزائر بطول 1.80 م و1.50 م، بحجم معدل طول الإنسان من أجل التسهيل للمكفوفين تلمس الحدود الجغرافية للجزائر ومعرفة حدود وتوزيع الولايات عبر الوطن. - حين بدأت الكتابة ، لا شك ان هناكَ عقبات كبلتْ مسيركَ الأدبي وحتى تقبل وجهات نظر القراء والنقاد على وجه الخصوص ؟ كيفَ كان اثر ذلكَ في حياتك الأدبية ؟
الصعوبات موجودة لكن بالعزم و الإرادة تتغلب على العقبات,هناك أناس يشجعون و ينتقدون, لذا فيجب تشجيع المبتدئين فإذا لم يجد الكاتب المساندة اللازمة قد يضطر التوجه إلى مهنة أخرى,وقد لاحظت أن العقلية الجزائرية عقبة في حد ذاتها فالكاتب في بدايته ليس عالم فهو يتعلم,يجب منحه فرصة ليبين قدراته. و أنا في بدايتي كانت نقائص لكن وجدت التشجيع,هذا ساعدني على ما وصلت إليه, و أشكر بالمناسبة كل من ساندني و شجعني. أتقبل آراء القراء والنقاد برحابة صدر، وعليهم أن يتقبلوا ما ينز من رئتي أيضا، والقارئ الحقيقي يرفض أن يكون وصيا على الكاتب، وكذلك الناقد الحقيقي يجب أن يسير بموازاة الكاتب، ليس خلفه ولا أمامه، وهذا السير الموازي يخلق الحوار مع النص، مهمة الناقد ليست تطبيق مدارسه النقدية الجاهزة، فهناك نصوص عصية على ذلك، ولهذا، لا يشكل لي القارئ أزمة أثناء الكتابة، وكذلك الناقد، أتناساه في معظم الأوقات، وأقيم هياكلي وحدي بعيدا عن أي مؤثرات خارجية.
- الكتابة فن وذوق" أو "يبدع في الكتابة من يتألم" كما قيل ، "فإذا اجتمعَت الحرارة والمرارة في قالب الحرية وانطلاق الفكر كيف يكون للإبدَاع حُضور"؟ ومَا هو الأهم في رأيك ،الكتابة بفَنٍ ثري وإيحاء بسيط يوصل المعلومة أم الكتابَة بزخرفة الكلمات وكثرة المحسنات بغير هدف ؟
الانسان الذي ليس احساس لا يستطيع الكتابة, نحن نتألم كلما زادت معارفنا وكلما حققنا كشوفاتنا وكلما تدفقت فيوضاتنا، ولهذا، اسمح لي أن أقول المقولة بالقول (يبدع في الكتابة من يعرف) ، وهذا يقودنا إلى الشق الآخر من سؤالك الجميل، الكتابة ليست (عروس المولد) حتى نزخرفها ونشحنها بالمحسنات ومواد التجميل فقط، هذه عناصر تحملها المعرفة الجمالية معها ويجب استخدامها دون تصنع، الكتابة فن توصيل الحالة والمعلومة والحقيقة والصورة بلغة تناسب المقام، والكتابة بلا هدف مثل العيش بلا هدف، ولا أعني هنا شحن الكتابة بالأفكار والمبادئ والقيم فقط، فللكتابة دور جمالي لا يقل عن الدور الفكري والتوعوي، وأعتقد أن هذه هي الحرارة التي تتحدث عنها، لا بد من أن يكون النص حيويا وطربا ومثقفا، أي يجب أن تكون للنص (كاريزما) حتى يفرض حضوره، أي شكل وجوهر.
- هل صحيح أن أمالو عبد الرحمان أخرج ''خداوج العمياء'' إلى النور ؟
لا هذه أقوال صحف و جرائد,التي أشكرها لأن كل جريدة تكتب على هذه الفئة من المكفوفين تكون لي فرحة في قلبي ,نقول الحمد لله مقارنة بالقديم القريب عندما كانت صورة الكفيف في الجزائر محصورة بين التسول و الصناعة اليدوية للمكانس,على خلاف وقتنا الحالي عندنا حوالي مليون مكفوف, 40 /منهم درسوا نجد منهم دكاترة و محامين ,لكن أغلبهم أتم دراسته بالخارج لنقص المعاهد و المدارس المخصصة لهم,و مشكل آخر هو نقص الكتب, لذلك أناشد و أطلب من كل كتاب الجزائر ترجمة و لو القليل من كتبهم بطريقة البراي,و قد قدمنا نداء لوزارة التربية لإدراج البراي في منهاج المدارس الجزائرية لأن كل جزائري معرض للإصابة بالعمي ,فكرة لاقت إعجاب وزير التربية في انتظار التطبيق الفعلي,و أشكر الجمعية الوطنية للمكفوفين على المساعدات التي تقدمها من أجل راحة الكفيف.
- يأتينا الحديث كثيراً وخاصة في هذه الأيام حول صراع الحضارات أو التغيرات الفكرية. أين هي الجزائر من هذه التغيرات والصراعات ؟
صراع أو صدام الحضارات فكرة أطلقها الكاتب الأمريكي صموئيل هنتنغتون, وأتبعها الكاتب الأمريكي ميشيل فوكوياما بنظرية "نهاية التاريخ" التي تراجع عنها فيما بعد، وبدأ بكتابة مقاصده من ورائها، ومعظم هذه الأفكار لها علاقة بانتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، واعتقد فوكوياما أن البروستريكا التي فتتت الاتحاد السوفييتي تعني انتصار الليبرالية الغربية إلى الأبد، وهذا ضد منطق تطور المجتمعات والحراك الفكري والسياسي والاقتصادي,هذه لمحة تاريخية فقط عن صراع الحضارات.نعود إلى الوطن فالجزائر ككل بلدان العالم تشهد تغيرات و صراعات و في الآونة الأخيرة لاحظنا تفتحا على العالم لكن هناك سلبيات و إيجابيات ,الجزائر تحاول تطوير الميدان الثقافي ليصبح عالمي لما لا, أما عن النقائص فهي موجودة و نسعى لتحسينها.
- تبعاً لهاته الظروف التي نعيشها ، ما هو المطلوب من المثقف العربي أو الجزائري ان يفعل ؟ هل ينزل إلى الشارع ليمارس أفكاره وعقائده ؟أم يمضي بأحلامه ليحلق بها إلى سماءِ أخرى ليكتب ويتبع ما يفعله الآخرون ؟ أم يترك هذه وتلك ؟
المثقف الجزائري شأنه شأن اي إنسان آخر، لديه التزامات حياتية ومشروعه الخاص الذي لا ينفصل عن المشروع العام، وهو واقع بين نارين، واقع العيش بكرامة، وواقع إحساسه بدوره كمثقف يجب أن يقود عملية التغيير. هل من جديد بالنسبة لأعمالك الأدبية ؟ نعم هناك الجديد هو كتاب شعر إسمه الأبيات يحكي عن إنسان بالعامية نسميه "الانسان النية" فوقتنا الحالي هو وقت السرعة,أما فيما يخص ترجمة الكتب بطريقة البراي هناك مشروع كتب دين لتثقيف المكفوفين بالحديث النبوي يكون مرفق بقرص مضغوط لتسهيل الفهم,وأيضا قصص أطفال. هل القصيدة وليدة حدث أم أنها من خيال الكاتب ؟ القصيدة الشعرية تعتبر وهج الروح .. وحلم الذات .. لحظات حميمية نبوح بها عما تجود به أفكارنا وأحاسيس الوجدان.. لنعيد ترتيب حكاية الفكر لهذه القصيدة التي تسكننا حتى الفرح .. هذا شعور مكنون للشاعر في حالات الإبداع التلقائي للتعبير عن ملذات الفؤاد والوجدان .. بحيث القصيدة تعتبر الأقرب إلى الشاعر . .. هي التي يعبر فيها عن عمق الذات الموجوعة والحزينة والفرحة.. هكذا تكون القصيدة من خيال الشاعر .. وقد تكون القصيدة وليدة الأحداث التي تمر أمام ناظرنا من جمال وحزن وبؤس وفرح .. فتولد القصيدة بجمالها الرائع. هل هناك شعراء مظلومين لم يأخذوا في الإعلام ؟ الظالم هو الإعلام في ظهور الشاعر في وقتنا هذا, عندما تجد شاعر له 30 كتاب و الصحافة لم تكتب عنه أو تعرفه للجمهور وفي المقابل شاعر له كتاب واحد كل وسائل الإعلام تتحدث عليه, لماذا لا يعطى لكل شاعر حقه في الإعلام, ولكن نستطيع القول أن القصيدة الجيدة التي تأخذ مكانها هي جواز سفر الشاعر الى عالم الشعر. وأنت أحدهم؟ ليس تواضعا مني بل هي الحقيقة أتمنى أن يكون إعلام حر وواعي في إظهار الشاعر كي يكون في ساحة الشعر وهنا يكون التقدم لنرفع المظلومية . ماذا فعل اتحاد الأدباء والكتاب لعموم الشعراء في الجزائر؟. يعملون مابوسعهم وماتتوفر لهم ,و أشكرهم على مساعدتي بالترخيص لمنح شعارهم في كتبي, لكن فاقد الشيء لايعطيه. عند وجهة نظر الأخرين النثر هو للتأمل أنت ماذا تقول؟ النثر هو نوع من أنواع الشعر ومسؤوليته أكثر بأن تكون كل عبارة أو جملة شعرية فيها اختراق للخيال وترجمة المشاعر أكثر من الشعر الموزون لأن الأخير مقيد بوزن وقافية وموسيقى والنثر هو مدرسة للشعر لها روادها ونقادها ومستذوقيها يجب المحافظة على لوازم الشعر في كتابته وتوخي الحذر والحرص على هذه المدرسة الشعرية. بعيد عن الشعر كيف تقضي أوقات فراغك؟ أوقات فراغي في المسرح و أمارس الموسيقى لعشق الكبير لها .
كيف ترى كل من...؟ • الصديق: الملجأ والملاذ حينما نفقد الملجأ والملاذ. • العدو : عدو عاقل خير من صديق جاهل. • الأصالة: العملة النادرة في زمان فقير. • الإبداع: الملكات التي يمنحها الله ويختص بها بعض عباده، والتي تدعو للتأمل كثيرا ودوام الحمد والشكر لله على هذه النعمة. • الضحك: لا أظنه مستعملا كثيرا هذه الأيام! • الحكمة: صوت العقل والضمير معا.
وأخيرا: نصيحة من عبد الرحمان أمالو إلى الشعراء ؟ بل أتمنى أن يُقدم ليّ أنا النصيحة؛ إنما الدين النصيحة... ،الشعر لم يرتبط أبد بعمر زمني والدلائل كثيرة من بين ذلك هؤلاء الشعراء الذين غادروا الحياة دون الثلاثين تاركين لنا ثروة شعرية نادرة مثل: أبي القاسم الشابي، والهمشري، وجوته، وشيلي .... وغيرهم الكثيرون، لكن هناك نصيحة للمبدعين عامة: إياكم والغرور و تجنبوا الشعر الماجن,وأشكر جريدتكم المحترمة على هدا الحوار إلى الملتقى إنشاء الله. وما أن هممت بشكره على روعة حواره الذي أمتعني وعلّمني وأفادني الكثير، فإذا به يقول لي: الحوار دسم وأرهقتني أسئلتك أيها النابغة فسعدت جدا لسماعي هذه الكلمات القليلة التي تعني ليّ شهادة كبيرة أعطاني إياها شاعر بمثل قدره ومكانته الأدبية العظيمة، وإليه أتقدم بكل معاني الشكر والتحية على كل ما قدم لنا وللأدب العربي من كنوز شعرية ثمينة، وأتمنى من الله العلي العظيم ألا يأتي اليوم الذي يقول لنا فيه عن فيض إبداعه: أسدل الستار!