ضياع الوقت، الشعور بالملل، التعب ثم الانسحاب، هي مراحل يمر بها المواطن الجزائري بسبب الطوابير الطويلة العريضة التي تعرفها الكثير من البلديات و أكشاك استخراج شهادة السوابق العدلية من المحاكم، التي أصبحت تعتبر مسارح تنتهي في غالب الأحيان بصراعات بين الموظف و المواطن لا مراكز لاستخراج الوثائق. منذ سنوات أخيرة مضت كنا نحصر كلمة " طابور" أو "لاشان" على محلات بيع الخبز أو الحليب، إلا أننا أصبحنا نعيش هذه المعاناة اليومية في كل المراكز العمومية التي لها علاقة مع الأوراق، سواء كانت نقدية كالمراكز البريدية، أو وثائق شخصية كالبلديات و المحاكم. الأمر الذي أصبح يثير غضب و نرفزة كل المواطنين دون استثناء. حيث سنتطرق في هذا الروبورتاج بعد أن تحدثنا مع الكثير من المواطنين الذي عبروا عن معاناتهم اليومية جراء قلة المراكز البريدية من جهة، و تماطل الموظفين سواء في أكشاك البلديات أو المحاكم في أداء واجبهم بأكمل وجه، إلى جانب قلة عددهم. ساعتان للأكل..! عبر الكثير من المواطنين عن سخطهم على الموظفين الذين يتماطلون في أداء واجبهم تجاه المواطنين خصوصا المستعجلين منهم. حيث أكد لنا أحد المواطنين الذين ثاروا غضبا على الموظفين نهايتها كانت حتما ستكون صراع لولا تدخل رجال أمن العاملين بالبلدية، بطلاها أحد الموظفين الذي ترك عمله لمدة تزيد عن ساعتين بحجة الذهاب للإفطار، و المواطن الذي كان مستعجلا لقضاء حاجته. فمن القانوني أن الموظف مسموح له بساعة كاملة على الأكثر بين منتصف النهار و الواحدة زوالا، إلا أن هذا العامل بالبلدية ذاتها انتهز ساعة أخرى المر الذي دفع بجميع المواطنين الذين شكلوا طابوا أمام كشك استخراج شهادة الميلاد، ليس هذا فحسب فبعد أن احتدم الصراع اللفظي بين الطرفين الذي جاء بوابل من الانتقادات الحادة من قبل المواطن الذي لم يستطع استيعاب رد الموظف الذي قال له " إذا ما عجبكش الحال دز معاهم ولا شوف وين تخرج كواغطك". تركيا في بلدية الرغاية من جانب آخر فإن من الأسباب التي تدفع بالمواطن في غالب الأحيان إلى الانسحاب بعد انقضاء ساعات الفترة الصباحية دون فائدة، بسبب تهاون البعض من الموظفات اللواتي كانت تحت أعين ملاحظتنا و صمت المواطنين الذين يقودهم إلى الانفعال و العصبية على الموظفات اللواتي أحضرن تركيا بأكملها في بلدية الرغاية، من خلال تبادل أطراف الحديث فيما بينهن عن المسلسلات التركية التي تُبث على القنوات العربية، حيث قالت إحدى الموظفات في حديثها عن أحد المسلسلات التركية أنها تشفق على ممثلة باعتبارها الضحية، إلا أن المفاجئ في الأمر هو رد إحدى المواطنات المتقدمات في السن بعد انتظار طويل أشعرها بالملل " و أنا مانغيضكش ". هذا الروبورتاج ليس سردا للأحاديث المتبادلة بين المواطن و الموظف إلا أننا نريد من خلاله تسليط الضوء على المعاناة اليومية التي يمر بها المواطن التي تأتي نهايتها بمشادات كلامية. يوم كامل في البلدية و مواعيد لاستخراج الوثائق أصبح العديد من المواطنين يتجنبون اللجوء إلى البلدية و الانتظار لساعات طويلة على حساب ساعات عمل المواطن، الأمر الذي دفع بالبعض منهم ترك دفاترهم العائلية للموظفين بالبلدية لاستخراج المطلوب، ليتم استرجاع الأوراق الخاصة بالمواطن دون هدر وقته في المقر ذاته. و في المقابل ثارث إحدى المواطنات غضبا بعد أن قضت وقتا كاملا دون الحصول على وثائقها، لتجد نفسها عاجزة عن تبرير غيابها عن العمل بعد أن أخذت المعنية بالأمر إذنا بالخروج من المؤسسة التي تعمل بها بالحجة المذكورة سابقا، إلا أنها و حسب ما أكدته أثناء حديثها ستواجه مشاكل مع رب عملها إن لم تبرر غيابها بالأوراق الإدارية من البلدية. إن هذا المشكل و المتمثل في ضياع وقت المواطنين المترددين على البلدية لم يكن لأول مرة أو ظهر مؤخرا، أصبح ألمر ملفتا للانتباه كلما زادت معاناة المواطنين بزيادة الكثافة السكانية يقابلها انعدام الوسائل التكنولوجية في عصر السرعة التي انحصرت في بعض البلديات دون سواها
مواطنون يستخدمون بطاقاتهم الوطنية انتهت مدة صلاحيتها بأكثر من 5 سنوات دون تجديد إن حجم المواطنين المكتظ الذي يجعلهم يشكلون طوابير تخرج عن البلدية، و إلى قلة الأكشاك الخاصة بشهادة الميلاد الأصلية، فضلا عن الوقت الضائع الناتج عن الانتظار أمام مقر البلدية، كلها أسباب و عوامل أثقلت كاهل المواطن الأمر الذي دفع بالكثير من المواطنين إلى تجنب تجديد بطاقات التعريف الوطنية و جوازات السفر إلا اضطرارا. هو ما أكده لنا الكثير من الشباب الذي لا زال يحتفظ ببطاقته الوطنية التي انتهت مدة صلاحيتها لأزيد من 5 سنوات، مستعينين في غالب الأحيان برخص السياقة لإثباتها لدى الضرورة. بلديات لا تعرف النظام الآلي في عصر السرعة بلدية الحراش هي الأخرى تعاني، ككل البلديات المتواجدة بالجزائر العاصمة، من عجز في تغطية طلبات شهادة الميلاد الأصلية التي يقدم على طلبها سكان المنطقة على مستوى مصلحة الحالة المدنية المعروفة بضيق أروقتها حيث تعرف هذه الأخيرة فوضى واكتظاظا يصعب على المواطن الدخول إليها لاستخراج الأوراق الإدارية من شهادات الحالة المدنية وشهادة الإقامة وغيرها، من الوثائق الضرورية. و في حديث مع إحدى الموظفات ببلدية الحراش الذي كان مخالفا تماما و مناقضا لآراء المواطنين، أكدت لنا أنها كعاملة هناك تعاني من مشاكل الضغط اليومي من قبل المواطنين الذين يتقدمون إليهم يوميا و بشكل مستمر لاستخراج الوثائق الخاصة بهم، و المثير في الأمر حسب ما أكدته لنا الموظفة بالبلدية نفسها، أن هؤلاء المواطنين المترددين على البلدية ليسوا بحاجة إلى كل هذه الوثائق التي يستخرجونها يوميا من قبل أشخاص محددين و بأعداد تزيد عن نسختين. كما ذكرت لنا المتحدثة أن الطوابير التي تكثر في البلدية تتشكل بسبب قلة الأكشاك لاستخراج الوثائق خصوصا الحالة المدنية، فضلا عن انعدام نظام الإعلام الآلي و الذي يتوفر إلا في عدد من بلديات معدودات على غرار بلديتا المحمدية و حيدرة، علما أن هذا النظام يسهل عملية الحصول على الوثائق الأصلية للمواطنين المسجلين بالبلدية، و الاستغناء على سجل واحد للشهادات الأصلية المتداول بين كل الموظفين. مؤكدة أن هذه الحشود من المواطنين تكثر خصوصا في بداية الدخول الإجتماعي من كل سنة، ناهيك عن المناوشات و المشادات الكلامية سواء بين المواطنين فيما بينهم أو بين المواطنين والعمال التي تحدث في كل مرة مع انقطاع في وتيرة العمل مما يزيد من طول الانتظار، وما أضاف الوضع تأزما هو صغر مقر البلدية أمام العدد الهائل من المواطنين الذين يقصدونها من داخل البلدية أو خارجها ما يزيد من عدد الطلبات على استخراج الوثائق الإدارية ويخلق بالتالي الفوضى و اللاّنظام. المعريفة من أجل وثيقة من الطبيعي أن " المعريفة" تستعان في الأوقات الحرجة للحصول على العمل بعد طرق كل الأبوب دون فائدة، أو في بعض الحالات التي تواجه مشكل البيروقراطية في الإدارات الجزائرية، إلا أنه المغري للإنتباه هو الإستعانة بالمعريفة للحصول على شهادة الميلاد او شهادة الحالة المدنية او غيرها من البلدية ، و هو ما يلاحظ عند الكثير من اموظفين الذين يأتون إلى مقرات عملهم بدفاتر عائلية قبل بدأ ساعات العمل الأولى لليوم. جبت الفيرا..! مركز استخراج شهادات السوابق العدلية هي الأخرى تعاني من المشاكل نفسها المتواجدة في البلديات مثل الإكتضاض و المشادات الكلامية بين المواطنين أو بين المواطنين و العمال ليكون الأمن دائما الوسيط فيما بينهما لتهدئة الأمور بعقلانية. جبت الفيزا.. أو جبت الباك .. هي الكلمات المتداولة بين المواطنين بعدما يتم الحصول على الشهادة التي يسعوا إليها من انتظار يدوم لساعات طوال في كثر من الأوقات تصل إلى الساعات الأخيرة من نهاية عمل الموظف أي بعد 8 ساعات. الأمر الذي يجلب الفرحة و السرور باديتان على وجه المواطن الذي يتحصل على شهادة السوابق العدلية من الكشك التابع للمحكمة، ليعلن فرحته في الأخير بأنه "جاب الفيزا و لعقوبة ليكم" اي للمنتظرين، و هذه الطريقة هي ربما قد تكون إحدى سبل الترويح عن النفس أو منافذ يتم استنشاق الأكسيجين منها بعد أن يصاب الكثير منهم بالإغماء نظرا للإكتضاض المحصور في قاعة صغيرة جدا.