وقفت "المستقبل" في جولة استطلاعية عبر الحدود الجزائريةالتونسية، وبالضبط على مستوى المعبر الحدودي "الطالب العربي"، عند مختلف التعاملات التي تتم تحت جنح الظلام بين شباب جزائري وجد شراكة طبيعية مع شباب تونسي في مقايضة تجارية، تنم عن مخاطرة ومخالفة للقوانين السارية المفعول والتي تضبط النشاط التجاري بين البلدين الجارين، بخصوص التعاملات التجارية، وقد أسقط شباب الضفتين من قاموس نشاطهم كل الممنوعات، في مجازفة أساسها كسب القوت، في ظل البطالة الضاربة أطنابها على مستوى الشريط الحدودي. اكتشفنا في ترصد لم يكلفنا العناء الكثير كيفية استعداد الشباب من الضفة الجزائرية لرحلة ليلية منتظرة، فكانت السيارات من نوع " بيجو 404" سياحية من طراز قديم - مثلت تحفة حقيقية طيلة سنوات السبعينيات والثمانينات- كالطيور تغدو خماسا وتعود بطانا، فقد أدهشتنا تلك الحركة السريعة لدى الشباب فكل سيارة بها شخصان إلى ثلاثة وأحيانا واحد منفرد، وعلمنا فيما بعد أن تلك السرعة تدخل ضمن الحيطة والاحتراز من أي طارئ قد يفسد "الرحلة"، حيث من باب الصدف أن التقينا مع ثلاث سيارات على التوالي من نفس الطراز "بيجو 404"، كانت تدخل محطة البنزين بسرعة كأنها في رالي سباق، وإذا بالسائق يفتح قفل خزان الوقود ومن دون طلب كمية التعبئة فإن العامل بالمحطة اعتاد على الأمر ويملأ الخزان على الآخر، فيما يطلب صاحب السيارة بتدوين الحساب في ورقة، وفهمنا أن المحاسبة تكون لاحقا، وأخبرنا فيما بعد أن الخزان مضاعف لحمل أكبر قدر من الوقود، وتمكنا من التقاط صور للسيارات في المحطة، وبدا القلق على وجوه مهربي الوقود، وكأنهم عرفوا بأننا اكتشفنا مخططهم. برميل بنزين جزائري يقابله برميل زيت تونسي..؟ تقمصنا دور مهربي الوقود، ولكن بصفة مبتدئين يرغبون في دخول عالم التهريب على مستوى الحدود الجزائرية- التونسية، بهدف اكتشاف عالم من يسمونهم "الحلابة"، فبعد مشاهدة المقطع الأول من "المسرحية الواقعية" في تهريب الوقود بالجهة الجزائرية، قمنا بإجراءات دخول التراب التونسي عن طريق بوابة الحدود بالمركز الحدودي الطالب العربي، وبعد مدة من السير وعلى مسافة عشرات الكيلومترات، سلكنا الطريق الوحيد الموصل إلى مدينة قفصةالتونسية، وهناك ظهرت شبه محطات يتوقف عندها السيارات للتزود بالوقود، حيث كان شباب يعرض البنزين والمازوت في براميل ودلاء من أحجام مختلفة، ويظهر الدلو الشفاف اللون بوضوح مادة البنزين التي يحويها، لاستقطاب مستعملي الطريق. حاولنا معرفة مصدر تلك المادة الحيوية لسير السيارات، فرحنا نملأ خزان وقود السيارة التي أقليناها، عند هؤلاء الشباب، وفي دردشة معهم، وبمزحة منا قلنا لهم " كيف يمكننا العمل معكم، يبدو أنكم أصبحتم شركات موازية لتوزيع النفط بمختلف أنواعه"، فرد أحدهم ما عليك الا تغيير سيارتك هذه _ كانت من نوع شوفرولي- بسيارة من الطراز القديم ل " بيجو 404"، ويجب أن تكون من النوع العائلي الحجم الطويل حتى يمكنك مضاعفة الخزان، بوضع خزان ثان، لملأ أكبر قدر من الوقود. وبعدما دخلنا في صلب الحديث وأماط محدثنا اللثام عن عمليات التهريب تلك باعتبار أنها معروفة لدى الجميع، ويقابلها غض الطرف من الجانب التونسي، لكون تونس بلد بحاجة ماسة الى الوقود حيث يتضاعف سعر اللتر الواحد لديهم بحوالي أربع مرات عن السعر المعمول به في الجزائر- 10 دينار تونسي أي 700 دج جزائري- يملأ ربع الخزان المتوسط، في حين أن ذات المبلغ يملأ خزانا متوسط الحجم لدينا، بعدها سألنا الشاب عن ثمن اقتناء المازوت والبنزين بأنواعه، فأجابنا أن العملية تتم من دون نقود، بل بالمقايضة، حيث يمنح المشتغلون من الجانب التونسي في بيع الوقود، مقابل كل برميل من سعة 200 لتر من الوقود، برميلا مماثلا في السعة لكن من زيت المائدة المستعملة في الطبخ. وكشف لنا محدثونا عن صعوبة المغامرة حيث أفادوا أنهم كثيرا ما يتم إلقاء القبض على المتسللين عبر الحدود الجزائرية نحو تونس، من قبل حرس حدود التابعين للدرك الوطني الجزائري. وبهذا الصدد فإن عددا من السيارات المحجوزة والتي توجد في وضعية مهترئة، يستخدمها أصحابها للتهريب فقط، مقدرين تكلفة إلقاء القبض عليهم، من أجل تكبيد أقل خسائر ممكنة في الجانب المالي، وقد يلجأ الى وضع تلك السيارات المحجوزة بحظيرة الحدود التابعة للجمارك. وعليه، فقد شهد المعبر الحدودي، منتصف الشهر الجاري، حادثة اشتعال النيران بحظيرة الجمارك بسبب شعلة حريق، ويرجح بعض الأطراف أن تكون العملية من فعل فاعل مقصود، قد تكون له علاقة بجماعات التهريب. تحقيق أمني حول حادث حريق مخازن الجمارك بالوادي وفي الإطار ذاته، كشفت مصادر مطلعة بولاية الوادي أن مصالح الدرك الوطني قد سارعت إلى فتح تحقيق أمني معمق عقب حادث الحريق المهول الذي تعرضت له مخازن الجمارك بالمركز الحدودي الطالب العربي الملامس للحدود التونسية، مطلع الأسبوع الموالي للحادثة، وقد أولت اهتماما كبيرا للقضية على اعتبار أن وادي سوف عرفت، في الآونة الأخيرة، تحرك بعض فلول الإرهاب وإحباط مخططاتهم من طرف الوحدات الأمنية المختصة. واستبعدت المصادر نفسها، فرضية العمل الإرهابي وراء الحادث ورجحت نسبيا إمكانية تسرب مواد سريعة الالتهاب تكون من بين المحجوزات القديمة تأثرت بدرجات الحرارة التي تشهدها المنطقة هذه الأيام قبل الانفجار سيما وأن الواقعة حدثت في الفترة الصباحية ولم تسجل أي خسائر في الأرواح لحسن الحظ خاصة وان الموقع يعد مسلكا لعبور العديد من الأشخاص والمنقولات بصورة مستديمة. وقد خلف الحريق خسائر مادية معتبرة تصدرت حصيلتها 65 مركبة لأصناف مختلفة من بينها سيارة أحد الجمركيين ومعدات وبعض المحجوزات الموجهة للإتلاف، حيث شب في البداية بحظيرة السيارات من الجهة المكشوفة قبل أن يمتد إلى بقية الأجزاء، مما صعب التحكم في ألسنة النيران التي تطلبت تدخل وحدات الحماية المدينة الثلاث. واستغرقت عملية إخماد النيران أكثر من سبع ساعات للسيطرة عليها من طرف الأعوان، وإن كانت المراجع نفسها لم تستبعد فرضية الفعل العمدي التي غالبا ما يذهب إليها المحققون في مثل هذه القضايا سيما في القطاعات الحساسة كالجمارك، فإن التحريات المكثفة سوف تكشف ملابسات الحادث الأول من نوعه بالحدود الجزائرية. آلاف اللترات من الوقود تهرب أسبوعيا عبر الحدود الغربية وتشير الإحصاءات الخاصة بفرق الدرك الوطني للجهة الغربية للبلاد، إلى حصيلة مضاعفة لمختلف عمليات الحجز التي تصل إلى آلاف اللترات من الوقود المحجوز، أسبوعيا، حيث سجلت المصالح ذانها مؤخرا، 6670 لتر ضبطت في الأيام الأخيرة من شهر رمضان، وكانت عملية الحجز قد شملت 2700 لتر في الأسبوع الثاني من رمضان، وأكثر من 8 آلاف لتر في الأسبوع الأول. وتسعى مصالح الدرك لمضاعفة الحواجز ونقاط التفتيش ودوريات حرس الحدود لوقف النزيف الحاصل في الوقود الجزائري المهرب عبر الحدود، حيث تستنزف شبكات تهريب الوقود من مازوت وبنزين، الاقتصاد الوطني من خلال نقل كميات ضخمة من المادة الحيوية ذاتها.