بعد مرور ما يقارب العشر سنوات عن عشرية الدم والدمار ارتأت "المستقبل" أن تستطلع واقع الأمن والتنمية بولاية البليدة بعد مرور هذه الفترة فقامت بزيارة بعض المناطق المتضررة من جحيم الإرهاب ، أو ما كانت تعرف بالمناطق الساخنة في العشرية السوداء كبلديتي وادي جر، وعين الرمانة التي عاشت معاناة كبيرة في العشرية الماضية، واستطلعت "المستقبل" في هذا الإطار واقع المواطنين بين الأمس واليوم من حيث استتباب الأمن، وكذا مدى تطور عجلة التنمية البداية كانت صباح يوم الأربعاء الماضي من منطقة الشفة وبالضبط على مستوى الطريق الوطني رقم 01 الرابط بين البليدة والمدية الذي كان في عشرية مضت عبارة عن طريق الموت لا يمكن عبوره بعد الساعة الثالثة مساء وشهد هذا الطريق عدة انفجارات وحواجز مزيفة من طرف الجماعات الإرهابية راح ضحيتها عشرات المواطنين الأبرياء، هذا عن صورة الأمس أما اليوم فقد عادت الحياة والنشاط من جديد لهذا الطريق، بحيث ما أثار انتباهنا هو الازدحام الكبير على هذا الطريق وحركة سير السيارات غير منقطعة والعائلات التي تتوقف على حافة الطريق لاستنشاق الهواء النقي، وحتى القردة التي هاجرت في العشرية الماضية عادت إلى الشفة بأعداد كبيرة و وجدت فيها العائلات فرصة لمداعبتها ومقاسمة الطعام معها وباختصار فإن الطريق الوطني رقم 01 وبالضبط في منطقة الشفة عادت له الحيوية والنشاط وتعرف هذه الجهة انتعاشا كبيرا وإقبالا منقطع النظير للزوار وحتى في ساعات الليل حركة سير السيارات لا تنقطع ، وفي هذا الإطار اقتربنا من صاحب فندق عنصر القردة الذي يقع بقلب الشفة وتحيطه الغابة والأدغال من كل الاتجاهات للتأكد أكثر من مدى عودة الأمن والاستقرار لهذه المنطقة، و أكد لنا هذا الأخير أن الإقبال كبير على المنطقة ويصل عدد السواح أيام الخميس والجمعة إلى ما بين 400 و 500 سائح يوميا وأضاف أن بداية الإقبال على هذا المركب كان منذ سنة 2000 وحاليا أصبح يعرف أعدادا كبيرة جدا، وحتى في ساعات الليل فالإقبال على هذا الفندق لا ينقطع مضيفا أنه بفضل عودة الأمن للمنطقة أصبحت إدارة الفندق اليوم تنظم سهرات رمضانية بالاضافة إلى تنظيم الأعراس وقاعات الحفلات التابعة للفندق وفي السباق ذاته حاول صاحب هذا الفندق بكل ما يملكه من إمكانات متواضعة أن يحسّن في مستوى المركب حتى يوفر الجو المريح والمناسب للسواح، حيث عمل على إنشاء حديقة مصغرة للحيوانات والطيور المتواجدة بالمنطقة كما قام بتهيئة المسبح المجاور بالإضافة إلى تنصيب مدرجات نحو أعالي الجبل لكن انعدام الدعم من طرف السلطات المحلية حال حسب صاحب هذا المركب من الرفع الجيد لمستوى الخدمات واقترح على السلطات دعم المنطقة بمصعد هوائي نحو قمة الجبل وتهيئة المنطقة جيدا حتى تتلاءم والمناطق السياحية الراقية، مضيفا أن الإقبال على هذه المنطقة لم يعد من طرف المواطنين فقط بل حتى سفراء أجانب و وزراء زاروا المنطقة ومنهم السفير الأمريكي السابق وحتى وزراء في الحكومة. بلدية وادي جر: لا أحد كان يصدق أن الأمن والاستقرار سيعود للمنطقة رحلتنا الثانية كانت نحو بلدية وادي جر التي تقع غرب مدينة البليدة وعلى الحدود مع ولاية عين الدفلى هذه البلدية النائية عانت ويلات الارهاب كثيرا سواء على مستوى الطريق المؤدي نحو الغرب الجزائري أو وسط سكان البلدية وأثناء تواجدنا بالبلدية تحدثنا مع بعض المواطنين الذين أكدوا أنهم لم يكونوا ليصدقوا يوما أن الأمن والاستقرار سيعود إلى هذه المنطقة بعد حجم الدمار والتخريب الذي تعرضت له المنطقة ، لكن اليوم فهم ينعمون بالأمن الذي أنجب لهم التنمية، ويؤكد في هذا الإطار رئيس بلدية وادي جر بوعرعار عمر أن البلدية عرفت هجرة تامة للمداشر المجاورة ، حوالي أكثر من 350 شخص هاجروا منازلهم خوفا من حجيم الإرهاب كسكان دوار أولاد عيده والعمامرة، قويدر عياد، ومساعديه وقال أن بعض النازحين أجروا سكنات بالمدينة وآخرون لجأوا إلى البيوت الفوضوية وآخرون استقروا عند أقاربهم لكن صورة اليوم مغايرة تماما لصورة الأمس، بحيث أن البلدية رغم طابعها الجبلي إلا أنها تنعم بالأمن ويؤكد رئيس البلدية أن عودة الأمن كان بفضل مجهودات مصالح الأمن بالإضافة إلى قانون الوئام المدني وميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي بفضله عاد 04 تائبين لأحضان أهلهم واندمجوا وسط المجتمع لخدمة وطنهم، ويضيف رئيس البلدية بفضل عودة الأمن تعرف المنطقة اليوم حركة تنموية واسعة مشيرا إلى عودة 50 بالمائة من النازحين إلى قراهم ويسعون اليوم لخدمة أراضيهم الفلاحية وحتى الذين لم يعودوا إلى مداشرهم كان بسبب تعوّدهم على حياة المدن باستثناء البعض الذين تدمرت بيوتهم لكن النشاط الفلاحي بالمنطقة عاد إليه حتى المواطنين الذين يقطنون في المدن بحيث يتنقلون صباحا لخدمة أراضيهم ومساء يعودون إلى منازلهم بمزاج متفائل جدا بالمستقبل، أوضح المسؤول الأول ببلدية وادي جر عن وجود بر نامج طموح للتنمية الفلاحية للدعم والنهوض بهذا القطاع الاستراتيجي للمنطقة والوطن ككل، وبفضل عودة الأمن يضيف محدثنا أن البلدية استفادت من عدة مشاريع تنموية أخرى في ميدان السكن والتربية والشغل وغيرها بحيث استفادت وادي جر في السنوات الأخيرة من عدة مشاريع سكنية والإعانات الريفية إضافة إلى المحلات المهنية التي استفادت البلدية من 43 منها وكذا مقر للشرطة، وتنوي مصالح البلدية ترميم اكمالية قديمة لتحول إلى مركز للتكوين المهني لتعلم مختلف الحرف، خاصة الفتيات اللواتي لم تجدن سوى دار الشباب التي تعد المرفق الوحيد بالبليدة لتعلم بعض النشاطات لكن العائق الكبير الذي تعاني منه هذه البلدية مشكل العقار المخصص للبناء المفقود بهذه البلدية. لهذا دعا رئيس البلدية إلى ضرورة إعادة النظر في المخطط التوجيهي للعمران الذي يسمح بتوفير العقار للبلدية وإنجاز مختلف المرافق بالإضافة إلى مشكل انعدام مسح الأراضي مما أ عاق الحصول على عقود الملكية للمواطنين وخاصة للحصول على الإعانات الريفية لإنجاز مساكن والمقدرة حاليا ب70 مليون سنتيم وفي ميدان الشغل يقول رئيس البلدية أن أشغال الطريق السيار شرق غرب الذي يمر بوادي جر وفر للبلدية حوالي 300 منصب شغل، لكن انتهاء الاشغال بهذا الطريق أعاد هؤلاء إلى مربع البطالة، وحتى تدشين الطريق السيار كانت له آثاره على البلدية في مجال الشغل بحيث أن كل المحلات التجارية والمطاعم التي كانت على حافة الطريق أغلقت اليوم بسبب قلة الحركة على الطريق الجانبي المحاذي له. أما فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية القادمة تفاءل "المير" بالمشاركة القوية لسكان بلدية وادي جر مشيرا إلى إحصاء 4083 مسجل في القوائم الإنتخابية. وغير بعيد عن وادي جر كانت رحلتنا الثالثة نحو أعالي البليدة وبالضبط ببلدية عين الرمانة التي تعد هي الأخرى من البلديات النائية ورالمعزولة التي عانت كثيرا ويلات الارهاب، ويقول في هذا الاطار رئيس بلدية عين الرمانة أن هذه البلدية عرفت هجرة جماعية لسكانها في منتصف التسعينات لمدة 20 يوما. ثم بدأت العودة التدريجية للسكان بفضل مجهودات مصالح الأمن لكن اليوم فهي تنعم بالاستقرار التام، ويؤكد لنا في هذا الإطار أحد المواطنين بالمنطقة أن الخروج من المنازل كان ممنوعا بعد الرابعة مساء، لكن اليوم فالمواطنون ينتقلون في كل الأوقات، دون خطر يسجل، ويقول في هذا الإطار رئيس البلدية أن 35 بالمائة من سكان هذه المنطقة هجروا منازلهم في العشرية الماضية بحثا عن الأمن بموزاية والعفرون لكن اليوم 97 بالمائة من هؤلاء النازحين عادوا إلى مساكنهم ويضيف أن برنامج التنمية الريفية ساهم بشكل كبير في عودة النازحين وتحريك عجلة النشاط الفلاحي بحيث أن عشرات الفلاحين استفادوا من برامج دعم تتمثل في تربية الأبقار والأغنام وكذا غرس الأشجار المثمرة كما استفادت البلدية في الفترة ما بين 2002 و 2008 من 693 إعانة ريفية منها 593 إعانة موجهة لبناء مسكن جديد، و 111 إعانة لترميم مساكن بالإضافة إلى 10 إعانات لتوسيع المساكن وفي إطار فك العزلة فقد قامت السلطات المحلية بتعبيد 10 كلم من الطرقات النائية كما ستدعم مركز التجارة بمنشأة فنية عبارة عن جسر على مستوى الوادي، بالاضافة إلى استفادة الحي ذاته من 50 مسكنا اجتماعيا وفي السياق ذاته يفكر المسؤولون المحليون بعد عودة الأمن لهذه المنطقة الجبلية ذات الثرورة السياحية الهامة في إحياء الطابع السياحي لهذه البلدية وذلك من خلال إعادة الاعتبار لأعلى بحيرة في العالم ، التي تقع على الحدود مع منطقة تمزقيدة بالمدية وتقدر مساحتها ب 07 كيلومتر وكانت هذه البحيرة يقصدها السواح من كل النواحي قبل العشرية السوداء، وتسعى السلطات المحلية اليوم لإعادة إحيائها من جديد والتفكير جليا حاليا في انجاز مستشفى لأمراض الربو بالقرب من هذه الأخيرة أمام طبيعة المناخ المناسب، كما قدم رئيس البلدية في إطار البرنامج الخماسي القادم اقتراحا للسلطات الولائية لانجاز مركب سياحي سيدي ابراهيم يضم هذا المركب السياحي مركبا رياضيا ومستشفى كما سطرت المصالح المحلية اتصالات مع مستثمرين للاستثمار في المنطقة خاصة في الجانب السياحي وفي سياق آخر يبقى مشكل عدم تسوية عقود الملكية للأراضي قائما كما سجل ببلدية وادي جر من أكبر العوائق أمام البلدية في انجاز المشاريع التنموية المختلفة. والي البليدة: "الرئيس بوتفليقة زار بلديات نائية ليلا" بعد نهاية هذه الجولة الميدانية لأهم المناطق المتضررة من جحيم الإرهاب كانت وجهتنا نحو مقر الولاية مساء أين كان لنا لقاء مع والي الولاية للحديث عن الجانب الأمني بالولاية، وقد استهل والي الولاية السيد حسين واضح حديثه بقوله أن كل مناطق الولاية آمنة ليلا ونهارا وعاد بنا إلى سنوات الجمر حين كان واليا بمعسكر، وقال أنه لا ينتقل إلى العاصمة إلا في المهمات الرسمية، ويضيف قائلا أنه كلما مرّ على وادي جر بالبليدة في تلك الفترة إلا وتصادف بوجود أعمال تخريبية على الطريق، لكن منطقة وادي جر التي كانت تسبح في الدماء في العشرية الماضية تحولت الآن إلى ورشة للتنمية في كل المجالات مضيفا أنه لا توجد منطقة بالبليدة تخيف أو تعاني من خطر الإرهاب، كما أشار الوالي إلى زيارة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة للولاية في ماي 2007 وكانت محطات الرئيس في عدة بلديات نائية وفي ساعات متأخرة من الليل بحيث حل الرئيس ببلدية حمام ملوان على الساعة الثامنة والنصف ليلا وبالأربعاء على الساعة السابعة مساء، وانتهت زيارته على الساعة العاشرة ليلا وهذا دليل قاطع على عودة الأمن للولاية، كما تحدث الوالي عن أحد أهم معاقل الإرهاب وهي الشريعة والتي كانت بمثابة إمارة للجماعة المسلحة "الجيا" لكن اليوم أصبح الإقبال كبيرا على هذه المنطقة السياحية من كل أنحاء الوطن، وأضاف الوالي قائلا أن عودة الأمن كان بفضل المجهودات الجبارة لمصالح الأمن وتدابير ميثاق السلم والمصالحة الوطنية وقال أن عددا معتبرا من المستفيدين من هذا الميثاق تمت تسوية وضعيتهم مؤكدا أن كل الملفات درست ولا توجد حالة واحدة عالقة. وفي سياق متصل أوضح الوالي أن أهم القطاعات التي انتعشت بعد عودة الأمن هو القطاع الفلاحي بحيث أن الإنتاج الفلاحي عرف ارتفاعا وخاصة بعد توسيع حجم المساحات المغروسة وكان لذلك حسبه أثر إيجابي على منتوج الحمضيات بالبليدة يمثل اليوم 37 بالمائة من المنتوج الوطني، كما قامت مصالح الولاية بدعم منتوج الحليب من خلال إنشاء تعاونيات في هذا الإطار وفي السياق ذاته قطاع الصناعات الغذائية هو الآخر عرف تطورا حيث أصبح يدر اليوم 22 مليار دينار وتوفير ما يقارب 20 ألف منصب شغل. وفيما يتعلق بالنازحين كشف الوالي عن تسجيل 150 ألف عائلة نازحة في الشعرية الماضية من جحيم الإرهاب عاد منها اليوم حسبه ما يقارب 100 ألف عائلة أما عن العائلات التي لم تعد إلى مداشرها فقد فضّلت حياة المدن على الأرياف ويقول الوالي أن عودة النازحين كان بفضل تنشيط القطاع الفلاحي، خاصة تربية المواشي والزراعة الجبلية، وتحسين مستوى السكن الريفي من خلال دعم سكان الأرياف بالإعانات الريفية والغاز الطبيعي وفتح المسالك كما كشف الوالي عن وجود برنامج لترقية وتهيئة المناطق السياحية بالشفة، حمام ملوان والشريعة خاصة بعد عودة الأمن لهذه المناطق.