لا يزال الهوس هو المحدد لتوجهات السياسة الخارجية للمملكة المغربية، وبيّنت تصريحات الناطق الرسمي للحكومة خالد الناصري أول أمس أن المسؤولين في الرباط فقدوا صوابهم، ولم يعودوا يعون كيف تسير علاقات بلادهم مع دول الجوار. فقد صرح الناصري في ندوة صحفية نشطها أول أمس الخميس أن بلده لا يزال "يعتمد سياسية اليد الممدودة نحو الجزائر فيما يخص قضية تسوية الحدود البرية المغلقة بين البلدين منذ 1994"، متظاهرا بأن المغرب هو الضحية، ومن ثم هو من "يصفح" عن الجزائر إزاء "ذنب" اقترفته في حق الشعب المغربي. ويفهم من هذه التصريحات "نحتفظ بسياسة اليد الممدودة" أن المغرب هو صاحب الحق وأن المذنب هي الجزائر التي عليها أن تعود إلى رشدها، وأن الضلال من سمة الجزائر وأن المملكة هي صاحبة الفضل للعفو عن ذلك الذنب. وتناسى المسؤول المغربي الذي أخطأ مرة أخرى في استخدام اللغة الدبلوماسية ولم يدرك جسامة تلك العبارات، أن المغرب هو السباق الى اتخاذ تدابير لا تمت بأية صلة للصداقة والاخوة التي يتغنى بها المخزن، كون فرض التأشيرة على الجزائريين قبل 15 سنة جاء من الرباط قبل أن تقدم الجزائر على المعاملة بالمثل وإغلاق الحدود، وسبق ذلك اتهام المسؤولين الجزائريين بالتورط في الهجوم الذي استهدف فندق آسني بمراكش والذي كذبته التحقيقات بعد ذلك. كما أن خطوات "حسن النية" كما يقول المسؤولون المغربيون كانت أشبه ب"عذر أقبح من ذنب" عندما أقدمت على رفع التأشيرة عن الرعايا الجزائريين في صائفة 2004 دون العودة إلى الطرف الثاني وهو الجزائر، وجعلت من تلك الخطوة حجة لشن حملة إعلامية شرسة. وتوحي التصريحات الجديدة القديمة للمسؤول المغربي أن المشاكل الداخلية التي يعاني منها البلد أصبحت تؤرقهم، وأفقدتهم صوابهم بعدما عجزوا عن إيجاد حلول لها، وما زاد من تعقيدها الأزمة المالية العالمية التي حاصرتهم من كل جهة وجعلت الجبهة الاجتماعية على فوهة بركان، ولذلك ليس غريبا أن يستنجدوا بالسياسة الخارجية لإيجاد متنفس للوضع الداخلي. ويؤكد الناصري مرة أخرى أن المغرب يريد الذهاب نحو التصعيد بدل البحث عن حلول واقعية لهذه المسألة بعيدا عن التهويل الإعلامي، استجابة لطلب جزائري بدراسة الملف بعيدا عن الضوضاء، وفي الإطار الصحيح أي ضمن اللجان المشتركة التي تعالج جميع الملفات الثنائية بعيدا عن إقحام ملف الصحراء الغربية الذي تستخدمه المغرب كحصان طروادة للظهور في ثوب الضحية، والدفاع عن "أزمات" هي من افتعلتها مع الجزائر بل في أكثر من مرة "تلفقها" في محاولة لتسويق صورة غير واقعية للرأي العام الوطني والدولي. كما أن تصريحات الناطق الرسمي للحكومة المغربية تعكس تبني الرباط لخطاب المواجهة بدل البحث عن حلول واقعية من خلال القنوات الدبلوماسية المعهودة، ولكن تلك الجمل لم تكن سوى امتداد لخطاب دأبت على ترديده منذ مدة وعلى لسان أكثر من مسؤول دون الحديث عن الحملات الإعلامية التي تقودها صحافة المخزن، وهو الشيئ الذي يبرز أن المغرب لا يريد "تطبيع العلاقات" كما يروج لذلك بل يسعى الى إبقاء الأمور على حالها لاختلاق الأعذار وإدارة الظهر للشرعية الدولية فيما يخص تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية.