يحتفل العالم سنويا مع مطلع شهر ماي بالعيد العالمي للعمال الذي أصبح يحمل دلالات عميقة تذكر دومًا بالنضالات الكبيرة والتضحيات العظيمة التي قدمتها الطبقات العاملة في مختلف أنحاء العالم ضد الاستغلال والقهر. كما يحتفل العالم في الثالث من هذا الشهر، باليوم العالمي لحرية الصحافة التي أصبحت شرطا أساسيا ومحوريا في تحقيق التنمية السياسية والاقتصادية ومؤشرًا على مدى تقدم الدول. وإذ كان الاحتفال بعيد العمال يأتي كل سنة ليضع نصب أعيننا الأهمية الكبيرة التي تكتسبها "الحقوق الاقتصادية" للإنسان كحقّه في العمل بالدرجة الأولى وأنّ كرامة الإنسان العامل لم يعد لها معنى سوى بتجسيد هذه الحقوق في الميدان، فإن اليوم العالمي لحرية الصحافة يأتي هو الآخر ليبرز حقا آخر من حقوق كرامة الإنسان وهو حقه في الإعلام. فالطبقات العاملة في مختلف المجتمعات لا يمكنها أن تحقق شيئا في غياب حرية الصحافة التي باتت تتكثف عندها "روح الديمقراطية" وتجعلها من القيم المقدسة. فنضالات العمال تتعانق مع تضحيات الصحفيين لتدفع بالإنسانية نحو الخير والرفاهية، فمعركة الطبقات العاملة على مختلف المستويات من أجل التنمية لا تختلف عن معركة الصحافة من أجل تحقيق التقدم والازدهار. فالصحافة تقف دومًا إلى جانب الطبقات العاملة تدافع عنها بقوة وتسعى إلى التحسيس بأهمية حقوقها ودورها الكبير في تجسيد الطموحات الاقتصادية. إن من الأهمية في مثل هذه الأعياد أو الأيام العالمية ألا نتوقف عند اجترار الماضي أو ترديد الشعارات وإنما علينا أن نقارن واقع بلادنا بما يحدث على الساحة العالمية من تطورات وتفاعلات، وأن نتساءل هل استطاعت الجزائر أن تتكيف إيجابيا مع هذه التحوّلات بما يعزز مكانتها الدولية اقتصاديا وسياسيا وإعلاميا؟ وهل وظفت الجزائر كل الإمكانات والطاقة المتاحة لها لتحقيق "وثبة التقدّم والتطوّر" كما فعلت ماليزيا وكوريا الجنوبية والبرازيل التي كانت في بداية الستينيات في نفس المستوى الاقتصادي للجزائر؟! لقد جاء الاحتفال بعيد العمال العالمي هذا العام في ظل أزمة خانقة يعيشها النظام الرأسمالي العالمي ذهبت إلى حدّ المساس والتشكيك في مدى صدق وصلابة سلّم القيّم الذي ظل يحكم فكر الرأسمالية منذ ظهورها كنمط اقتصادي عالمي. فاليوم العالمي للعمال لم يعد مناسبة تجدد فيها الشعوب الدعوات إلى المساواة والعدالة في تقسيم ثورات العالم، والحد من جشع الرأسمالية، بل تحوّل إلى يوم للتأمل والتفكير في مستقبل الإنسانية إذا ما استمرت القوى الرأسمالية في الهيمنة على العالم. فكثيرا ما روّجت الأدبيات الرأسمالية فكرة أن لا دور للدولة في الحياة الاقتصادية وأن السوق هي الأداة الوحيدة والفعّالة في تحقيق معجزات مقولة "دعه يعمل"، دعه يمّر" وانجّرت الكثير من الدول النّامية وراء سراب هذه التصورات، وفتحت أبوابها أمام الشركات العالمية لتغزو أسواقها وتنهب ثرواتها وتستنزف عقولها. لكن وبمجرد أن اندلعت الأزمة المالية العالمية صائفة العام الماضي حتى سارعت أعتى القوى الرأسمالية وكبار منظّريها إلى تبني فكرة "الدور الإيجابي للدولة" في إدارة شؤون الاقتصاد وتحقيق الاستقرار وأن السوق بحاجة إلى يد "الدولة". وأمام هذه التطورات فالجزائر عليها أن تأخذ بعين الاعتبار في مسيرتها التنموية ما يلي: - عدم الانجرار وراء وصفات الرأسمالية المتوحشة التي لا يهمها سوى الربح والسوق وتدوير الأموال. - ضرورة الحفاظ على القطاع العام في المجالات الإستراتيجية ودعمه لمواجهة المنافسة العالمية. - فسح المجال أمام القطاع الخاص الوطني لاكتساح الأسواق الإقليمية والدولية. - الحفاظ على الطبقة المتوسطة من حيث الأجور والتكوين والمردودية والحق في الرفاهية لأنها تمثل قاطرة التنمية. - إعادة النظر في الأجور بما يسمح بالحفاظ على الكفاءات الوطنية وتسرّبها إلى الخارج. - الاستمرار في دعم مشاريع التنمية وإعطاء الفرصة لمبادرات الشباب في إنجاز المشاريع الصغيرة والمتوسطة. وإذا ما حققنا هذه الأهداف فإننا سنخلق اقتصادا وطنيا قائما على "المعرفة" و"المنافسة" لمواجهة تحديات الأزمة المالية العالمية التي أتت على الأخضر واليابس !! فعيد العمال العالمي من الضروري أن يدفعنا إلى التفكير في كيفية اللحاق بالرّكب الاقتصادي المتطور. إن اليوم العالمي لحرية الصحافة يلزمنا أن نكيّف الصحافة الجزائرية مع ما تشهده الساحة الإعلامية العالمية من تطورات لا نبالغ إذا قلنا أنها مذهلة، فيما تبقى الصحافة في الجزائر رهينة مشاكل وعقد مصطنعة ومتاعب تمنعها من الانطلاق نحو أداء دورها الحقيقي، كضعف الأجور ونقص التكوين والأكثر من كل ذلك المخاوف من "عقوبة السجن" !! ولنا أن نتفاءل أن هذه الدوامة قد تنتهي، لما حملته رسالة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة من مضامين قوية في النهوض بقطاع الصحافة باعتبارها الرّكن الحصين في المشروع الديمقراطي، حيث أنها "ستحظى بالاحترام التام والدعم المتواصل" من خلال "مراجعة قانون الإعلام الذي صار بحاجة إلى تكييف مع المستجدات" ووفق مقتضيات ثورة الإعلام والاتصالات الجديدة. فمراجعة قانون الإعلام الذي أكل عليه الدّهر وشرب وتجاوزته الأحداث، سيكون خطوة كبيرة نحو وضع إطار قانوني متزن وواضح ومرن يحدّد الإطار العام لنشاط ودور الصحافة والقيّم والمبادئ والقواعد التي تحكمها. إلى جانب إزاحة كل العراقيل والمصاعب أمام الصحافة لتصبح "سلطة" حقيقية تخدم المصالح الكبرى للبلاد وتكون بالمرصاد لكل الفاسدين والعابثين. فلا تنمية اقتصادية بلا حقوق للعمال، ولا ديمقراطية بلا حرّية الصحافة!!