التطير والتشاؤم من الأمور التي تؤثر على أفكار الناس وعقولهم، وهم متفاوتون في درجات التطير والتشاؤم، وقد ذكر العلماء هذه الرتب والدرجات من جهة تأثر الناس بالتشاؤم وتطيرهم، وهم على هذه الأقسام:القسم الأول: من الناس من يتطير بشيء مما ذكر أو أكثر ويستجيب لداعي التطير، فيُحجم عن أمر أو يقدم عليه بدافع من طيرته؛ فهذا قد وقع في المحرم وولج باب الشرك على النحو الذي يأتي في حكم التطير.والقسم الثاني: من الناس من إذا وقع له ما يدعو إلى الطيرة عند الناس لم يترك ما بدا له فعله، فيُقدم على عمله أو يشرع في سفره رُغم ما رآه مما يسوءه لكنه يمضي في قلق واضطراب وغم ويخشى من تأثير الطيرة، فهذا أهون من الأول حيث لم يُجِبْ داعي الطيرة، لكن بقي فيه شيء من أثرها، وحق عليه أن يمضي متوكلاً على الله سبحانه مفوضاً أموره إليه.والقسم الثالث: وهم أعلى الأقسام وهم من لا يتطيرون ولا يستجيبون لداعي الطيرة، ولا يعني ذلك أنه لا يخطر في قلوبهم شيء أصلاً، بل يخطر لاعتياد النفس لذلك ولكن متى عرض لقلوبهم شيء ردوه بالتوكل على الله وتفويض الأمور إليه. قال معاوية بن الحكم: قلت يا رسول الله؛ منا رجال يتطيرون. قال: (ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم). قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث: وَفِي رِوَايَة: (فَلَا يَصُدَّنكُمْ) قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ أَنَّ الطِّيَرَة شَيْء تَجِدُونَهُ فِي نُفُوسِكُمْ ضَرُورَة وَلَا عَتَب عَلَيْكُمْ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ غَيْر مُكْتَسَب لَكُمْ فَلَا تَكْلِيف بِهِ، وَلَكِنْ لَا تَمْتَنِعُوا بِسَبَبِهِ مِنْ التَّصَرُّف فِي أُمُوركُمْ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَقْدِرُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُكْتَسَب لَكُمْ فَيَقَع بِهِ التَّكْلِيف، فَنَهَاهُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْعَمَل بِالطِّيَرَةِ وَالِامْتِنَاع مِنْ تَصَرُّفَاتهمْ بِسَبَبِهَا.. وَالطِّيَرَة هِيَ مَحْمُولَة عَلَى الْعَمَل بِهَا لَا عَلَى مَا يُوجَد فِي النَّفْس مِنْ غَيْر عَمَل عَلَى مُقْتَضَاهُ عِنْدهمْ.وروى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الطيرة شرك، الطيرة شرك، وما منا إلاَّ، ولكن الله يُذْهِبُه بالتوكل). فقوله: (وما منا إلا) أي ما منا إنسان يَسْلم من التطير لكن الله يذهبه بالتوكل، وهذه الجملة في الحديث مُدْرَجة من كلام ابن مسعود كما ذكر العلماء. وجاء في شرح هذا الحديث أيضا: (وَمَا مِنَّا) أَيْ أَحَد (إِلَّا) أَيْ إِلَّا مَنْ يَخْطِر لَهُ مِنْ جِهَة الطِّيَرَة شَيْء مَا لِتَعَوُّدِ النُّفُوس بِهَا، فَحُذِفَ الْمُسْتَثْنَى كَرَاهَة أَنْ يُتَلَفَّظ بِهِ. قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ: أَيْ إِلَّا مَنْ يَعْرِض لَهُ الْوَهْم مِنْ قِبَل الطِّيَرَة، وَكَرِهَ أَنْ يُتِمّ كَلَامه ذَلِكَ لِمَا يَتَضَمَّنهُ مِنْ الْحَالَة الْمَكْرُوهَة، وَهَذَا نَوْع مِنْ أَدَب الْكَلَام يَكْتَفِي دُون الْمَكْرُوه مِنْهُ بِالْإِشَارَةِ فَلَا يَضْرِب لِنَفْسِهِ مَثَل السَّوْء.