صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث تميم الداري رضي الله عنه أنه قال: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة) قالو لمن يا رسول الله ؟ قال: (لله، ولكتابه، ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)رواه مسلم، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) متفق عليه. وعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم. متفق عليه. فالنصيحة ليس كما يراها البعض تدخلاً في شؤون الآخرين بغير حق، وليست إحراجاً لهم، أو انتقاصاً من شأنهم، أو إظهار لفضل الناصح على المنصوح، بل هي أسمى من ذلك وأرفع، إنها برهان محبة، ودليل مودة، وأمارة صدق، وعلامة وفاء، وسمة وداد. النصيحة أداة إصلاح وأجور وأرباح، وصدق وفلاح. النصيحة باقة خير يهديها إليك الناصح. النصيحة نور يتلألأ لينير لك الطريق. النصيحة قارب نجاة يشق عباب أمواج الفتن الهائجة لتصل إلى بر الأمان. النصيحة عبير طهر في خضم طوفان الشهوات. النصيحة شذا عفاف يدعوك إلى الله والدار الآخرة. النصيحة حق لك على الناصح وواجب على الناصح تجاهك. فأفسح للنصيحة مجالاً في صدرك. واعلم أن الناصح ما دعاه إلى نصحك إلا محبته لك وخوفه عليك. واعلم كذلك أن الناصح ما هو إلا ناقل لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا تواضعت له وقبلت نصحه، فقد تواضعت لربك جل وعلا، واتبعت نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وإذا رفضت النصيحة ورددتها، فقد رددت في الحقيقة كلام ريك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.واعلم أيضا أن بداية الإصلاح هو رؤية التقصير والاعتراف به والنظر إلى النفس بعين المقت والازدراء، فلا تجادل بالباطل، واعترف بخطئك ولا تتكبر، فإن الجنة لا يدخلها من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. وعليك بعد اعترافك بالخطأ إن كنت واقعاً فيه أن تترك هذه المعصية، وتندم على فعلها، وتعزم ألا تعود إليها في المستقبل. وإذا شكرت الناصح ودعوت له، فإن هذا من كرمك وسمو نفسك، واعترافك بالفضل لأهله، وإن لم تفعل فإنه لا يريد منك جزاءاً ولا شكورا.