تدل مادة (نَقِم) بكسر القاف وفتحها على المبالغة في الكراهية لشيء ما، ويجئ لفظ "الانتقام" مصدرا للفعل انتقم ليدل على المبالغة في العقوبة. ومدلول الكلمة شرعا: يعنى العقاب من أجل انتهاك حرمات الله. وقد وردت مادة الانتقام في القرآن الكريم صفة لله سبحانه تدل على عقابه للكافرين بآياته والمكذبين بالحق الذي أرسل مع رسله، قال تعالى: (فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين) (الأعراف: 136). ووصف سبحانه ذاته بأنه عزيز ذو انتقام فقال: (إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام) (آل عمران: 4). وفى الحديث الشريف: (ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تُنتهك حرمة الله فينتقم لله بها) رواه البخاري، والانتقام المحمود هو الذي يحدث من الإنسان غَيْرةً على دينه وحرمات ربه. أما الانتقام المذموم فهو التشفي وتجاوز حد العدل في العقوبة على ما يكره إذا وُجه إليه أو مس شخصه بشكل أو بآخر. وهو مذموم لأنه ينتج عن الغضب الهائج من أجل الذات، وهيجان الغضب يوقف العقل عن التفكير السليم، فيطيش المنتقم ظنا منه أن هذه قوة، وفي الحقيقة هي ضعف لأن الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم يقرر: (ليس الشديد بالصُرَعَة؛ إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) رواه اليخاري، وأجل الناس شجاعة وأفضلهم مجاهدة وأعظمهم قوة من يكظم الغيظ ويحلِم، وعلى ذلك يقول الله تعالى: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) (آل عمران: 134). ولو علم الناس أن لذة العفو خير من لذة التشفي؛ لأن العفو يأتي بالحمد والتشفي يأتي بالندم، لو علموا هذا ما انتقم لنفسه إنسان، لأنه لو فعل كل إنسان هذا وانتقم لنفسه لانحطّ عالم الإنسان إلى درك السباع والوحوش.