الهروب من دفع الضرائب والفواتير الرمزية لكراء المحال وفواتير الكهرباء، هي أسباب وأخرى كانت كفيلة بأن تدفع ببعض تجار العاصمة إلى التخلي عن نشاطهم القانوني من أجل ممارسة نشاط غير قانوني وغير مصرح به، عيوبه أكثر من مزاياه، ومشاكله أكثر بكثير من دفع الفواتير والضرائب، يكفي تأكيدا أن مزاولو هذا النوع من التجارة يعيشون كل ثانية تمر من يومهم على وقع مسلسل المطاردات البوليسية لرجال الشرطة من جهة واللصوص من جهة ثانية. هي ظاهرة انتشرت بسرعة البرق في الآونة الأخيرة، حيث ترك التجار الشرعيون نشاطهم القانوني الذي وإن كان متعبا قليلا إلا أنه مكسب كثيرا في عاصمة يشتهر أناسها بحبهم وعشقهم للأكل واللبس، من أجل مزاولة نشاط تجاري من نوع آخر مليء بالعيوب والمشاكل التي ما من شك أنها تجلب العار وتبعث على النفور حتى وإن كان لها زبائنها المفضلون، لأنها تتعارض مع سياسة الاقتصاد الوطني، الذي يشجع التجارة الشرعية ويحارب بشتى الطرق كل ما هو غير قانوني وغير شرعي، طالما أنه يضرب الخزينة العمومية للدولة في مقتل. القائمون على قطاع التجارة يدقون ناقوس الخطر.. 102 سوق موازي و600 ألف تاجر غير رسمي أكدت مديرية التجارة لولاية الجزائر العاصمة خطورة الظاهرة، بسبب عدم تمتع أعوان المراقبة التابعين لمصالح التجارة والقائمين على مراقبة الأسواق القانونية والنشاط التجاري المرخص وقمع الغش ومراقبة الجودة بصلاحية التدخل لمراقبة الأسواق الموازية، لأن مراقبة هذه الأخيرة يعني الاعتراف بها، ويستثنى من ذلك أعوان الأمن الذين يخول لهم القانون التدخل في أي وقت لمحاربة النشاط التجاري غير المرخص والقضاء عليه لا غير، كما وهو معروف فإن هذا النوع من النشاط التجاري غير القانوني يأخذ صفة المنافسة غير الشريفة على حساب التجارة الشرعية، كما يقوم على الجني المضاعف على حساب مدخول التجار المرخص لهم ومداخيل الخزينة العمومية، ويتم بذلك إغراق السوق الوطنية بسلع مهربة وأخرى غير مطابقة لمقاييس النوعية والجودة تدخل بدون فوترة الفضاءات غير القانونية، وهو ما يعني التهرب من دفع الضريبة وقبلها الجباية الجمركية، وقد تضر السوق الموازية بشكل مباشر بمداخيل الخزينة وهي تؤثر كذلك على صحة المستهلك وسلامته دون الحديث عن استغلال اليد العاملة الرخيصة دون التصريح بها، بالإضافة إلى استغلال الأطفال في ممارسة هذا النشاط غير القانوني. الجدير بالذكر أن آخر المعطيات المرتبطة بتحديد مجال نشاط التجارة الموازية على مستوى ولاية الجزائر تشير إلى وجود 102 سوق مواز بكامل تراب الولاية، حسب الإحصاء الذي تم ضبطه مطلع جويلية الفارط وينشط بهذه الأسواق ما يقارب ال 600 ألف بائع غير رسمي، كما تم تسجيل عودة 15 سوقا موازيا للنشاط وهذا بعد القضاء عليها نهائياً وهو المشكل الذي دفعنا للقيام بهذا الروبرتاج. تجار باش جراح يستمتعون بممارسة التجارة الفوضوية وقادتنا الجولة الاستطلاعية إلى سوق باش جراح الشعبي بعاصمة الولاية، سجلنا فيه غيابا قويا للتجار داخل السوق، وتبدو منذ الوهلة الأولى لدخول السوق تلك المساحات الشاغرة والمحلات المغلقة، استفسرنا التجار الذين تحدثنا إليهم عن اختفاء الباعة، فوجدناهم غير بعيدين عن السوق، منهمكين في بيع اللحوم الحمراء والبيضاء والخضر والفواكه على قارعة الطريق، وبالضبط على مقربة من السوق النظامي، قصدناهم وتحدثنا معهم بكل صراحة وبدون زيادة ولا نقصان، عن الأسباب التي دفعت بهم للتخلي عن نشاطهم وسط سوق قانوني منظم. أكد لنا أغلبهم أن الأسباب في مجملها هي كثرة الفواتير والضرائب المفروضة عليهم من قبل السلطات المعنية، الوضع الذي لم ينل رضاهم، حيث يجعلهم ? حسب تصريحاتهم - في قلق مستمر كلما حان موعد الدفع، على عكس التجار غير الشرعيين الذين ينامون قريري الأعين، وهو ما خلق نوعا من الغيرة حولتهم إلى ما هم عليه. المستهلك وبالإجماع طرف محفز للظاهرة من بين الأسباب التي دفعت آخرين إلى تعويض الأسواق النظامية بالفوضوية حسب ما ذكره لنا البعض أن المستهلك وبالإجماع طرف محفز لما يحدث، فهو الذي يفضل البيع العشوائي دون رقابة عن الأسواق النظامية التي تجبر التجار على رفع الأسعار، هذا التفضيل بدافع السعر الأقل، أجبر التجار على تغيير نشاطهم ومواكبة متطلبات الزبائن الذين يفضلون الثمن الزهيد. على صعيد آخر كشف بعض الباعة عن النشوة التي تغمرهم أثناء ملاقاة زبائنهم من كل حدب- كيف لا وهم من فضلوا ملاقاتهم مباشرة في الهواء الطلق، حيث ترتفع صيحات الباعة لجلب المستهلكين. سوق ''السمار'' بجسر قسنطينة.. حركة تجارية ضعيفة داخل السوق .. منتعشة خارجه غير بعيد عن بلدية باش جراح، باعة آخرون في منطقة جسر قسنطينة ممن فضلوا ممارسة التجارة العشوائية، هؤلاء قاموا في الآونة الأخيرة بالتخلي عن طاولاتهم وسط السوق القانوني ب''السمار'' هروبا من دفع فواتير الكراء والكهرباء، حيث لجأوا إلى طرقات وشوارع بلديتهم ليتحول بذلك منظر هذه الأخيرة إلى ما يشبه المفرغة العمومية، بسبب الرمي العشوائي لمخلفات السلع المعروضة من أكياس بلاستيكية وعلب الكارتون وقمامة المواد الاستهلاكية الفاسدة، بعدما تعرضت طوال نهار اليوم لأشعة الشمس وغبار الطرقات. وحسب تصريحات بعض الباعة ل ''الحوار''، فإن الأسواق القانونية أصبحت عبئا ثقيلا يقع على عاتقهم كلما فكروا بأنهم مطالبون بل ومجبرون على دفع فواتير الكراء، الكهرباء والضرائب، على عكس التجار الفوضويين الذين ليس لديهم قانون رادع يجبرهم على فعل ذلك، لذلك فإن التجارة غير الشرعية بالقرب من مدخل السوق منتعشة واستثنائية نظرا لهامش الربح الوفير. وإذا كان تجار باش جراح وجسر قسنطينة وغيرهم من تجار العاصمة ممن قاموا بالتخلي عن نشاطهم القانوني لمزاولة نشاط غير شرعي يفتقد للمعايير والصبغة القانونية، يستمتعون بهذا التغيير الذي أحدثوه فجأة بين ليلة وضحاها، فإن السلطات المحلية للعاصمة غير راضية على ما يحدث، حيث شرعت في العديد من المرات في محاربة الظاهرة بشتى الطرق من خلال تجنيد أعوان الأمن والشرطة أمام أماكن تواجد الباعة الفوضويين، وكذا من خلال تسطير برنامج عمل خاص بهذا الشأن.