جزائريون محرومون من المساحات الخضراء بسبب الفساد حقيقة تعتبر الأماكن الخضراء والحدائق العامة أماكن نادرة في المدن الكبرى والعاصمة على وجه التحديد، فالحدائق جد محدودة والغابات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، وبالرغم من هذا النقص الفادح في هذه الأماكن الضرورية بالنسبة للإنسان لتجديد نشاطه الأسبوعي وإعطاء راحة لنفسه وسط الخضرة مع الأسرة وللعب الأطفال، إلا أننا نجدها بأنها صارت لا تخلو، وعلى غرار كل الأماكن العامة، من سلوكات أفراد منحرفين أو مرتعا للمجانين والمشردين الذين غدوا يبثون الرعب على كل داخل إليها. حدائق عديدة من العاصمة على سبيل المثال أصبحنا لا نرى فيها إلا مكانا لنوم المجانين وقبلة للعشاق والمنحرفين، فهذه حديقة "الحرية" التي تقع بأعالي شارع ديدوش مراد لا مكان لداخلها إلا للعشاق والمحبين الذين حرموا السكان المجاورين لها حتى من فتح نوافذ بيوتهم المقابلة، هذا ما أكده لنا "سفيان" الذي يسكن في إحدى العمارات المجاورة، حيث قال "إن هذه الحديقة غدت قبلة للمجانين وعديمي الأخلاق الشباب والمراهقين إناثا وذكورا، ففي كل زاوية تجد مجنونا نائما وفي أخرى تجد عشيقين في وضع مخل بالآداب العامة وفي أخرى سكيرا وزجاجات الخمر بجواره، هذا الوضع يزعج سكان الحي فكانوا يطردونهم في كثير الأحيان ولكن ما باليد حيلة فكل يوم يتكرر نفس السيناريو على مدار السنة"! قد لا يكون هذا هو حال الحديقة الوحيدة بالعاصمة التي تعاني من هذا المشكل، فحديقتي صوفيا والساعة واللتان تعتبران المتنفس الوحيد لسكان ساحة البريد المركزي والشوارع المجاورة لها أصبحت ومأوى للمشردين والمجانين الذين لا يتوانى بعضهم في الاعتداء على كل من يقترب منهم رميا بقارورة أو جريا وراءه والنيل منه بوابل من الشتائم، وبذلك تجدهم يزرعون الرعب خاصة في الصغار، وإذا خلت منهم على غرار الحدائق الأخرى للعاصمة فلا يتجرأ على دخولها إلا بعض الشباب من أجل لعب الدومين أو بعض كبار السن والمتقاعدين من أجل أخذ قسط من الراحة. وفي استطلاعنا عن واقع هذه الحدائق سألنا أحد السيدات عن رأيها في الموضوع فقالت لنا بأنها لا تتجرأ مطلقا على دخول عديد الحدائق وحدها ناهيك أن تصطحب معها أبناءها، والسبب في ذلك وجيه، إذ أن العديد منها تفتقد للأمن بها ناهيك عن احتمال التعرض للمعاكسات والتحرشات أو حتى السرقة..من الأطفال المشردين الذين غدت لا تخلو حديقة منهم. أما بالنسبة للغابات المتواجدة بالعاصمة فعلى رغم قلّتها فالأماكن التي بإمكان الجميع صغارا وكبارا، ذكورا وإناثا التجول فيها بأمان وحرية محدود جدا. السرقة والدعارة سمة حديقة الوئام حديقة الوئام ببن عكنون مثال على ذلك، فعلى الرغم من الحملات التي قامت بها مصالح الشرطة لتطهير الغابة من مظاهر الفساد، السرقة والدعارة، إلا أنها لا تزال على حالها فأماكن التجول بالنسبة للأسر محدودة ولا داعي لتجاوزها فمظاهر الإخلال بالآداب العامة منتشر في أماكن عديدة من الغابة التي تحتويها هذه الحديقة الجميلة، ومتعاطو المخدرات واللصوص الذين لا يتوانون في الاعتداء على أي فرد يجدونه بمفرده ليسلبوه أمواله أو هاتفه النقال خاصة في أيام الأعياد والمناسبات حينما يكثر المقبلون على المكان من أجل الترفيه عن أنفسهم، وكذلك هو الحال بالنسبة لباقي الغابات المتواجدة بالعاصمة على غرار بوشاوي وباينام والتي أصبح المواطنون ينظرون إليها بحسرة خاصة إذا لاحظنا بأن جميع هذه الأماكن الخضراء من حدائق وغابات غدت لا تخلو من القمامات والقاذورات المنتشرة هنا وهناك، وتفتقر لأبسط الوسائل المساعدة على جلب الزائرين لها على غرار الكراسي ... إن هذا الوضع المزري للمساحات الخضراء المتبقية في المدن الكبرى وفي العاصمة كمثال يتطلب من الجهات الوصية النظر في الأمر بجدية وصرامة من أجل البحث عن حلول لها ومحاولة تطويرها وتهيئتها خاصة ونحن على أبواب فصل الربيع وعلى مشارف العطلة الربيعية.