رغم الضربات المتلاحقة التي تقطع أذرع أخطبوط الفساد، إلا أن الظاهر أن أذرعا جديدة تخلف الأذرع المقطوعة، وهو ما يحدث للأخطبوط في طبيعته، والمشكلة مع الأسف تزداد ولا تنقص بما أن التضامن صار كبيرا بين المفسدين، والجريمة صارت بلا عقاب مناسب يمكن أن يحد من الظاهرة إلى حدودها الدنيا، وحتى نظرة المجتمع للمفسدين صارت نظرة بطولية بعدما كان في السابق مختلس المال العام ينظر إليه كمنبوذ وكخارج عن المجتمع، يستحي أهله الخروج إلى الناس، لكن اليوم في عرف الجميع صار بطلا، لأنه "أخذ حقه"، فقد صار كل من يحوّل المال العام ويتلقى رشاوى ويقبض عليه، في نظر الكثيرين بطل حاول أن يأخذ حقه بطريقته الخاصة، والأمر هنا لم يعد بحاجة إلى ردع وتشديد العقوبات فقط، بل إلى تغيير المفاهيم وإلى عمل نفسي وإصلاحي، ربما يحتاج إلى سنوات، لأن الثراء الذي يظهر فجأة على موظف يشتغل في الضرائب، أو على جمركي عادي يسيل لعاب الجميع ويجعل الكل يتمنى أن يحظى بفرصة ملء "الشكارة"، والخلل الكبير في توزيع الثروة، وهذا هو المشكل الرئيس الذي جعل أشخاصا أو وزراء أو نوابا ينالون ما يشاءون بضربة تليفون، سواء سكنات أو قطع أرضية أو توظيف للأحباب والأقارب، وأناس بسطاء يلهثون وراء حقوقهم، فلا يجدون إليها سبيلا، وهذا ما خلق سياسة الفساد التي صار لها أذرع في كل مكان وجعل الناس تتضامن فيما بينهم.