الوزير الأول أحمد أويحيى يتحدث عن إنشاء مرصد وطني لمكافحة الفساد، تجسيدا لما قرره الرئيس قبل فترة حين تكلم عن إنشاء لجنة وطنية لمراقبة المفسدين والمفسدات، في الأرض والبحر والجوّ، لكن الخوف كل الخوف، أن لا يرصد هذا المرصد أي شيء، أو أن تكون اللجنة، كشقيقتها الموسمية، المسمّاة لجنة رصد الأهلة، لا تهش ولا تنش، فيُغمى عليها من كثرة القضايا المفسدة مثلما يغم علينا الهلال في السماء ليلة الشك؟! * الكلام عن الفساد، ليس جديدا، واعتراف السلطة الحالية بذلك ليس "سابقة في التاريخ" مثلما تروّج له وسائل الإعلام العمومية، بل إنه متأصل في خطاب الدولة، تماما مثلما يتفشى هذا الخطر المتلوّن داخل أجهزتها، وهو معدي بشكل كبير وسط المسلوبين من قيم المواطنة، كما أن له مرادفات كثيرة، من الشطارة التي تصيب الدولة بالانشطار، إلى "القفازة" التي تعني القفز فوق القانون، ومرادفات أخرى كثيرة. لكن الجديد، هو أن الدولة وجدت نفسها مضطرة للتذكير بجهودها في مكافحة سلاح الفساد الشامل، بعدما ضرب أكبر مشاريع الرئيس، وهو الطريق السيار، وأصاب جيب الدولة المتمثل في شركة سوناطراك في مقتل، فكان لابد من تسويق صورة النظام الحريص على المال العام، ومتصدّر معركة الفساد باعتبارها أم المعارك، رغم أن الجميع يدرك أن المعركة الأساسية المتغافل عنها، هي توفير مناخ الديمقراطية، وتوسيع هامش المعارضة والمشاركة في السلطة، بالشكل الذي يسمح بتفعيل مبدأ المحاسبة، وعدم تنويمه في العسل مثلما يحدث الآن، أو البحث عن كباش فداء، مثلما وقع في الثمانينيات أو منذ سنوات قليلة، بمناسبة حملة الأيادي البيضاء. * الأخطر من انتشار الفساد هو السكوت عنه، أو الدفاع عن رموزه، كما أنّ غياب الشفافية في كشف امتدادات هذا الأخطبوط واسع الانتشار، وملاحقة أثاره الظاهرة منها والمستترة، من شأنه نزع المصداقية عن أي تحرك تقوم به السلطة في سبيل القضاء على الفساد، ثم، أيّ صاحب عقل هذا الذي سيصدّق أن السلطة التي ينتج فريق أساسي منها قيم الفساد، هي نفسها من توظف فريقا آخر للقضاء عليه؟ بمعنى أنّ الحاج موسى الفاسد هو موسى الحاج النظيف، لا شيء سيتغير أو يتبدل؟! * لقد فقدنا مبدأ الحيادية في الحساب والعقاب، وبات التداخل الكبير بين المجتمع المدني، صاحب دور الرقابة، وبين السلطة السياسية والاقتصادية المتحكمة في زمام الدولة ومقدراتها، لا يوفر إلاّ جوانب ضئيلة من متابعة المتورطين الصغار بالشكل الذي يرضي الرأي العام، ويُلهيه، ويُظهر السلطة وكأنها صاحبة سيف الحجاج، رغم أن الجميع بات يدرك أنه لولا الحجاج لما كان هنالك سيفٌ من الأصل، ولا هم يحزنون؟