حركة غير عادية بغابة بينام، وجوه شبانية عانقت الخضرة، فأعلنت عن ميلاد أولى حلقات مسلسل الأطفال كليلة ودمنة، إنها الفسحة الإبداعية التي أوقدت لتضيء درب الطفولة الجزائرية المحرومة من مشاريع ثقافية، فكرة نسج أولى خيوطها الحكواتي والشاعر المبدع"نذير حسين" الساعي لرسم البسمة على شفاه الصغار وسط الجدران التي ترتفع في وجه تطور الحراك الثقافي، و الذي لم يبتعد كثيرا عن مضمون العمل الأدبي بفضل قراءته الواعية لنص كليلة ودمنة لإبن المقفع، لتحبك السلسلة وفق رؤية إخراجية ضبطها المخرج يوسف بوشوشي وأوثقها بإحكام مساعده عثمان بوخضدار، والمصور المتفنن " توفيق متلاوي"، الذي يبحر تارة من زاوية وتارة من أخرى لينطق الصورة وتصبح الكلمة كلمات...، وهذا بمشاركة نخبة من الشباب الطموح بعضهم هواة وآخرون من خريجي معهد برج الكيفان، وإن إختلفت طرق تكوينهم إلا أن جميعهم توحدوا و عقدوا العزم على إنجاح المسلسل مادام في أعماق كل فنان ذلك الطفل الذي يبحث عن التحدي . أنهى أول أمس فريق العمل التلفزيوني لمسلسل الأطفال "كليلة ودمنة" تصوير أولى الحلقات، بعد تأخر راجع لرداءة الأحوال الجوية، و هاهي البذرة الأولى قد حصدت، وعنوانها "دمنة الأستاذ" والتي تروي حياة دمنة الثعلب من عائلة إبن أوى، هذا المخلوق الذي أصبح زاهدا وفيلسوفا يحب الخير ويمقت الظلم، والتي أصبحت حياته محل تساؤل وحيرة من قبل الذئب، كليلة، القرد،و النمر فيحاول الملك الإستفسار عن سبب حالته و يدعو لحماية ضعفه، فيرسل جماعة إليه ليقنعوه بأن وجوده معهم فيه خير فيقبل ويأتي معهم عند الملك، و إذا بدمنة يتفا جئ من طلب الملك بجعله مساعدا له في شؤون الغابة، بحكم علمه ومعرفته، فيتردد كثيرا مخافة مكائد الطامعين في الحكم، وبعد حوار دار بينهما يقتنع دمنة أن يكون وزيرا على الخزائن بشرط أن لاينازعه فيها أحد، ولكن المناهضين لإبن أوى يتحاورون فيما بينهم من الذئب والثعلب والأسد الثاني ليدبروا له مكيدة، فتطرح في المشهد الموالي قضية اللحم الذي إختفى فيجتمع الكل حول الملك الذي أصابه الجوع الشديد، والمتآمرين ضد دمنة يلفقون ضده قضية السرقة، فتبدأ مهمة التحقيق ويكتشف بعدها المتسببين في المكيدة فترجع الأمور إلى نصابها الأولى، وتشتد ثقة الملك بدمنة ويرفعه في أعلى المراتب، و تنتهي الحلقة بوصية دمنة مضمونها: "نواصيكم وصايتي هذه إسمعوها وديروها في البال ديروا الخير، الشر ما شمليح، الإنسان يرحم خوه الإنسان، أرض الله واسعة، وكلها خير، صفوا قلوبكم من الحسد، ما تكذبوش، الكذب حرام، غذوا عقولكم بالعلم والمعرفة، العلم أصديق، نور ساطع تنالو الحرية والحياة سعيدة، الأخوة منبع الحب هذه هي الوصية، أعملوا بها تنفعكم". "الأمة العربية " كانت حاضرة رفقة فريق العمل التقني والفني ورصدت أجواء التصوير وأراء بعض الممثلين. الريجسور "محمود كية": " السينما تفتح المجال لأي موهبة لتبدع" كوني خريج مدرسة المسرح، لقد إعتمدت في إختيار ممثلين لهم قدرات في التمثيل، خاصة منهم الذين حازوا على جوائز في مسرح القليعة وأبرزوا قدراتهم في الأداء على الخشبة، وآخرون متخرجون من معهد برج الكيفان وذلك حتى نشجعهم للولوج لعالم السينما، وكما تعرفين المجال مفتوح أمام الممثل في السينما ليبرز كل إمكاناته لاسيما مع إمكانية التعديل وتصحيح الأخطاء وإنتقاء أحسن الصور في التركيب، على خلاف الممثل المسرحي الذي تواجهه صعوبات كبيرة تؤثر على أدائه الحسن خاصة إذا كان أفراد من الجمهور غير مؤدبين، وبالنسبة لي الذي يدعي أنه ممثل من دون إعتلائه خشبة المسرح فليس ممثلا. الممثل "ربيعي محمد ربيع" في دور الثرمالة : "من علم النفس إلى إقتحام الخشبة والسينما " بداياتي مع المسرح كانت بعد تخرجي مباشرة من الجامعة في تخصص علم النفس، أين إلتحقت بمدرسة الفنون الدرامية ببرج الكيفان، وعملت بعدها عدة مسرحيات منها "مذنبون بغير ذنب"، "مسرى" و"الميراث"، فأنا أعشق كل الأدوار المركبة والشخصيات الصعبة خاصة تلك التي تكون نهايتها مأساوية، لأنها في إعتقادي بإمكانها أن تضيف شيئا للممثل وتمنحه الخبرة والتمرين على تقمص الأدوار بكافة أبعادها، وبخصوص تجربتي الأولى مع الأطفال و التي أؤدي فيها دور الثرمالة أو السِحلية الصامتة فأحاول التركيز على البعد الحركي للشخصية الخبيثة، وعلى كل أعجبتني فكرة العمل ككل، كونها تربي الطفل على القيم المثلى بعيدا عن العنف. مصمم الديكور "موسى نونو": " إنجاز ديكور طبيعي صعب ولكنه غير مستحيل" بإعتباري مصمم منفذ وسينوغرافي بالمسرح، أنا سعيد بعملي في هذه السلسلة التلفزيونية الموجهة للأطفال، رغم أنها أول تجربة لكنها سمحت لي الخرورج عن دائرة الأستديو والخشبة المألوفين والإلتحام مع الطبيعة وإكتشاف هذه الغابة التي لم أكن أعرفها من قبل، ومن ثم أحاول رغم صعوبة المهمة أن أصنع مما أجده في الطبيعة كخشب الشجر والأغصان والأوراق الأثاث اللازم مثل مكان السجن وبيت الأرانب وذلك حتى نوضح للمتفرج الصغير كامل عناصر البنية الدرامية للحكاية. الممثلة "فاطمة الزهراء بوروبة" في دور كليلة: " أنا متأكدة من قدراتي وقدرات زملائي لإنجاح العمل" هي تجربة رائدة في الجزائر، وأنا بالطبع سعيدة وإنشاء الله تنال إعجاب الأطفال الذين سيكونون مسرورين بهذا المسلسل، صحيح في البداية كنت مترددة في تقمص الدور الرئيسي لكليلة بحكم ظهورها كثيرا في القصة ومهمتها الدفاع دوما عن أخيها ليبقى في القمة ومواجهة مكر الحيوانات الأخرى، ومع هذا أحاول إعطاء كل ما في وسعي وأنا متأكدة من قدراتي وقدرات زملائي لإنجاح هذا العمل. الممثل" إبراهيم شعبي " في دور النمر: أتطلع لنجاح العمل مع توجيهات الطاقم العامل معنا" " بالنسبة لي هذه ليست المرة الأولى التي أجسد فيها دور للطفل، فلقد سبق لي وأن أنجزت عروضا موجهة للأطفال والكبار بمسرح قليعة منها "كنز السلطة"، "ملحمة سويداني بوجمعة"، ولكن بخصوص السينما فهذا أول ظهور لي في مسلسل "كليلة ودمنة" بحيث أجسد دور النمر الحيوان الصالح الذي لايحب النميمية ويقضي على الشر، وأتطلع إلى نجاح العمل مع التوجيهات والنصائح التي نتلقاها يوميا من الطاقم العامل معنا في هذه السلسلة. الممثل "شفيق كلواز" في دور الذئب: "تجربتي في هذه السلسلة جعلتني أفكر في تقديم أعمال أخرى للطفل" " لقد سبق لي وأن تقمصت أدوارا سينمائية في فيلم "واش راك تشوف" لفاطمة بلحاج، وكذا سيت كوم"بينتنا" وأعمال أخرى، إلا أن تجربة مسلسل كليلة ودمنة هي فريدة وأنا مرتاح جدا في تقمص شخصية الذئب النمام الكذاب للإطاحة بدمنة، وبفضلها سأفكر في تأدية أعمال للطفل لأن بصراحة هو بحاجة لبرامج تثقيفية ترفيهية. الممثل "عادل مخالفية" في دور دمنة: "الطفل الجزائري يستحق هاته الإلتفاتة الطيبة" أنا أحببت كثيرا العمل مع زملائي وكل الفريق التقني الذي لا يتواني عن إسدال النصائح ومتابعة مردودنا، وكوني مارست المسرح من قبل فأنا أسعى لأقدم كل ما في وسعي وأجتهد لإنجاح دور دمنة الفيلسوف الزاهد، لأن الطفل الجزائري يستحق منا هاته الإلتفاتة الطيبة. كاتب السيناريو"حسين نذير": "هي فرصة للشباب وعليهم إعطاء الروح للنص" "أقول لهؤلاء الشباب إنها فرصتكم للبروز وطبعا عليكم بالبحث والإطلاع أكثر والأخذ من تجارب الذين سبقوكم في الميدان، وفيما يخص أداء بعضهم بالرغم من أنه لم يرضيني إلا أن نصيحتي لهم أن يعطوا القيمة والروح للنص أكثر حتى يشدوا المتتبع ويصل المضمون مباشرة للقلوب وهذا قمة العطاء". في ختام حديثنا نتمنى أن يكون "مسلسل كليلة ودمنة" في مستوى تطلعات الطفل الجزائري، ويكون البوابة لأعمال سينمائية أخرى تثري الشاشة التلفزيونية الجزائرية المفتقرة لبرامج طفولية، صحيح قد يراه البعض حلما ويصفه الأخر بالمغامرة ويؤكد غيرهم على أن البزنسة طغت على جل الأعمال الإبداعية، إلا أن وجود الرسالة النبيلة وراء العمل السينمائي تبقى تاركة بصمتها معلنة عن أمل قادم يوقد مشاعل الفرح ويدق أجراس المستقبل الجميل لطفولة تكون بحول الله خيرا ممن سلف.