يستمر برواق ديدوش مراد بالجزائر العاصمة إلى غاية نهاية هذا الأسبوع، معرض الفنان التشكيلي "عمرار فريد"، بعنوان "إندثار الأحجار"، الذي يضم العديد من اللوحات الفنية المعاصرة التي تبرز القيم الجمالية والتاريخية لأماكن جزائرية، برؤية جمعت تقريبا جل التيارات والاتجاهات الفنية من تعبيرية، تجريدية، واقعية، سريالية، ركز الفنان من خلالها على أبجدية العمل الفني سواء على مستوى الأبعاد، وتركيب المحتويات في معنى مجازي طغت عليه الرؤية الموحدة. ولقد استخدم المبدع "فريد"في إبراز البعد الحضاري والإنساني لبعض المناطق الجزائرية التاريخية، ألوانا تشع تارة كالأصفر والأزرق السماوي والأخضر وتارة أخرى الألوان القاتمة كالأسود والبني التي توحي للمتمعن حجم الوضع الكارثي للآثار المتناثرة هنا وهناك، منطلقا حينا من دراسة اللون للوصول للفكرة والعكس حينا آخر. واعتمد الفنان على تقنيات مختلفة كالألوان الزيتية، قلم الرصاص والحبر الصيني، كاللوحة التي تسلط الضوء على مرحلة إنسانية من تاريخ مدينة الباهية وهران في رؤية معاصرة غير مكتملة، يتجلى فيها الفضاء الواسع المتداخل مع زرقة البحر في لوحة جمعت تركيب خمسة مواضيع تترك الزائر يسبح في البحث عن معناها وبعدها الفلسفي، وكأن فناننا لا يريد السقوط في القراءة الميسورة، ما يستدعي إعمال الفكر لفك شفرة كل لوحة التي وان بدت متماثلة مع بعضها إلا أن لكل واحدة منها حكاية وقصة تنم عن حب الوطن والغيرة على هويتنا المتأصلة. وحسب ما ذكره المبدع التشكيلي "عمرار فريد" في حديثه ل"لأمة العربية"، فإنه يهدف من خلال هذه اللوحات توجيه رسالة للمعنيين بقطاع الثقافة ببلادنا على ضرورة إيلاء العناية ورد الاعتبار للموروث الثقافي المادي، باعتباره موطن الهوية والذاكرة الجماعية للشعب الجزائري، متأسفا لحال بعض الآثار الآيلة للزوال دون أدنى اكتراث من السلطات الوصية، كآثار مدينة شرشال السياحية. وقال " فريد"عن لحظات الإلهام لديه، أنها يجب أن تتوفر على الانسجام الفكري والمعنوي المفعم بالصمود والصبر، وكذا الإمكانيات المادية التي تسمح بظهور اللوحة في أرقى حلة، موضحا أن اللوحات المعروضة هي نتاج سبع سنوات من العمل والبحث، بعيدا عن النمطية واجترار الأعمال التشكيلية السابقة. هذا ولم يخف محدثنا استيائء من الظروف المحيطة بالفنان والمثقف الوطني الحقيقي الذي يظل يعاني التضييق وغياب القوانين التي تكفل له حماية حقوقه المادية والمعنوية، الأمر الذي يتطلب في تقديره إرادة سياسية قوية وإشراك مؤسسات المجتمع بكل أطيافها، دون أي بعد عنصري أوعقائدي إيديولوجي، داعيا إلى تكوين نقاد متخصصين في المجال، وإدراج مادة الفن التشكيلي في مختلف الأطوار التربوية والمعاهد الجامعية، لتكوين ثقافة تشكيلية وسط الجمهور. وللتعريف، الفنان التشكيلي "عمرار فريد" من مواليد ولاية البويرة، تخرج من معهد الفنون الجميلة بولاية مستغانم في عام 2008، ليتكون بعدها لمدة سنتان بالجمعية الإسبانية للترميم دون حدود الكائنة بالمتحف الوطني أحمد زبانة بوهران، شارك في عدة صالونات ومعارض في ولايات مختلفة، منها البويرة، وهران، غرداية، البيض، بجاية وغيرها من المشاركات التي تحمل نوعا من الإبداع المعاصر المميز الذي يتفاعل مع الواقع الإنساني والاجتماعي الجزائري.