يتواصل ب “قصر الثقافة” بالجزائر العاصمة و إلى 31 من أكتوبر 2011 “صالون الخريف” الثالث الخاص بالفن التشكيلي، بمشاركة 66 فنانا تشكيليا ينتمون إلى 24 ولاية جزائرية على ألا تتعدى مشاركة كل فنانين لوحتين اثنتين، مما يعني أن المعرض ضم 132 لوحة في المجموع حيث ينتمي الفنانون المشاركون إلى مدارس تشكيلية مختلفة، إلا أن المدرستين التعبيرية والتجريدية الرمزية طغتا على غيرهما، وقدم الفنانون لوحاتٍ مختلفة الأشكال والأحجام، ومتباينة المستويات أيضاً. وتباينت الموضوعات التي تطرق إليها التشكيليون، حيث جسَّد بعضهم جمال الطبيعة الخلاب في لوحات بديعة عكست ما علق في أذهانهم أو ما يستهويهم من مناظر رائعة رأوها في مختلف جهات الجزائر من جبال وغابات ووديان وشواطئ. ولفتت لوحة “سمفونية” للفنان سلكا عبد الوهاب من وهران الانتباه بالجهد المبذول فيها، إلى ذلك، قال “تطلب إبراز بحيرة وطيور وشمس وسور، الرسمَ على عدة قطع من البلاط والاستعانة أيضاً بأجسام ناتئة لإنجاز رسم جميل على لوحة بقياس x210 80 سنتمتراً”، بينما جسدت معافة نجمة مناظر طبيعية خلابة في لوحتها “البحيرة”. وفضل غالبية الفنانين التعبير عن موضوع هوية الجزائر ونمط معيشة سكانها وعاداتهم وتراثهم العريق في لوحات عديدة، فرسم الفنان طالبي فريد لوحة لقصبة “دلس” العثمانية بطريقة تغلب عليها الرمزية، بينما تناول تروني عمَّار قصبة العثمانيين بالجزائر في لوحة أخرى تبرز نساء المنطقة بحجابهن التقليدي المعروف باسم “الحايك”. واستهوى نفس اللباس الأصيل الفنان سبع محمد في لوحة “حايك تلمسان”. وفي نفس السياق، ركز برزال خالد من تلمسان على تاريخ المنطقة من خلال لوحتين لآثار الدولة الزيانية القديمة ومدى تقديس السكان لضريح الولي الصالح “سيدي بومدين” إلى حد الساعة. ومع أن أغلب هذه اللوحات غلب عليها الطابع التعبيري، فإن الفنانة إيمان ناصر من البويرة جسدت مدى التفاعل والانصهار بين الإسلام والأمازيغية في لوحة تجريدية جميلة بعنوان “التاريخ والثقافة” وفيها تسطع شمس الإسلام منذ 14 قرناً على الجزائر الأمازيغية منذ 30 قرناً فتضيء البلد بنورها، ويتفاعل الهلال والنجمة مع الرموز والحروف الأمازيغية في الصورة في تناغم وتآلف. أما باشوش قويدر فيفضل إبراز بعض عظماء الجزائر وقادتها على مر التاريخ وفي مقدمتهم ماسينيسا والأمير عبد القادر في رسمين من خزف أظهر فيهما قدرته على رسم الملامح بدقة كبيرة. لم يقتصر موضوع الهوية على الجانب التاريخي، وقام فنانون تشكيليون آخرون بإبراز جوانب أخرى من هوية الجزائر من خلال التركيز على أبرز عادات سكانها وتقاليدهم وخصوصيات بعض جهات الجزائر، فحملت لوحة “رقصة الطوارق” للفنان داحل جانت حبريح من عنابة جانباً من حياة قبائل الطوارق في الصحراء الجزائرية، لاسيما تمسكهم باللباس الأزرق والجِمال، بينما ركز كحلي جمال في لوحة “البدوي” على مدى تحدي البدو لقساوة الصحراء، وجاءت اللوحة لافتة للانتباه بشكل المثلث الذي اتخذته والشبيه بالهرم. وتطرقت كركب فاطمة وإيمان ناصر وفنانون آخرون إلى عادات منطقة القبائل الأمازيغية من خلال إبراز لباس النساء الأمازيغيات وعادات صنع الفخار وجلب الماء في جرار. بينما قدمت عزوز أمينة في لوحة “فنتازيا” تقاليد فرسان منطقة الأوراس الأمازيغية وسباقاتهم أثناء الأعراس. تشكيليون آخرون تطرقوا إلى مواضيع ذاتية أو لها علاقة بالأوضاع الراهنة ومنها لوحتا “السلام والحرية” و”المصالحة” اللتان تتطرقان إلى الأزمة وفترة ما بعد الإرهاب بالجزائر وآمال الجزائريين في غدٍ أفضل بعد انحسار ليل الإرهاب، بينما تتطرق لوحتا “الذات” و”الوحدة” لجنيدي آمال إلى لواعج النفس ودواخلها ولذلك غلبت عليهما مسحة من الحزن والشجن، وجاءتا مليئتين بالرمزية التي تتطلب جهداً ذهنياً مضاعفاً لفك شيفراتها، والكلام ينطبق على لوحة “توأمان” للفنان بوشكور عبد الحكيم التي أنجزها على 12 قطعة بلاط متجاورة. المعرض مليء بالمواهب الشابة التي قدمت لوحات جميلة، وبعضها لم يخف تأثره بعمالقة الفن التشكيلي الجزائري وتقليده لهما وفي مقدمتهم باية وإسياخم، ما يعني أن مدارسص الفنون الجميلة بالجزائر تخرِّج سنوياً مواهب نادرة أمامها مستقبل كبير إذا وجدت الرعاية والتشجيع. ولم يقتصر المعرض على الرسوم التشكيلية، بل تعداها إلى عرض منحوتات جميلة في وسط القاعة، ومنها منحوتة زجاجية بعنوان “رأس الحصان” بعلوّ 90 سنتمتراً للفنان دحال جنات حبريح، ومنحوتتان من خشب لخير الدين مولود من جيجل وقد ملأهما بالحكم والأشعار، وجاء في أحدهما أن بعض القول فن، فاجعل الإصغاء فناً.