تحوّلت قطاعات وزارية بكاملها إلى إرث عائلي وحزبي وعروشي، حيث تجد موظفين وعمالا ومختصين كلهم من نفس الاسم العائلي، وبعضهم الآخر ينحدرون من نفس منطقة الوزراء، والغالبية الأخرى تنتمي إلى حزب الوزير. وليس هذا فحسب، بل انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة مماثلة؛ تتمثل في توريث مناصب الشغل للأبناء، خاصة في الشركات العمومية الكبرى المعروفة بأجورها المغرية. ورغم أنه لا يوجد قانون يمنع الظاهرة، إلا أن استغلال البعض لوظيفته وتوريثها للأبناء بعد تقاعده، صارت تؤثر سلبا على خريجي الجامعات والمعاهد المؤهلين، والذين يمكنهم تقديم الأفضل. إضافة إلى هذا، تحوّلت بعض الشركات إلى شبكة محكمة الإغلاق على أبناء المسؤولين والمنتمين إلى العرش إو القبيلة.
مناضلون يستحوذون على المناصب في الوزارات
تقلّد بعض المنتمين لأحزاب معينة مناصب وزارية، فتح المجال واسعا لأتباع الحزب للدخول إلى الوزارة، حيث تجد وزارات كاملة موظفيها في غالبيتهم ينتمون للحزب الفلاني، الذي لا يزال أحد أعضائه وزيرا، وحتى بعد رحيل الوزير تظل تلك الشبكة من الموظفين تعمل بالوزارة، كما هو الحال بإحدى الوزارات التي غادرها أحد الوزراء منذ سنوات بعد التعديل الحكومي الأخير، لكن ارتقى المنتمون إلى حزبه إلى مناصب أعلى في الوزارة ذاتها وبسرعة صاروخية في عهد الوزير الذي استقدمهم ليكونوا "لوبي" داخل القطاع. وإن كان بعض الوزراء المنتمين إلى أحزاب معينة يحيطون وزاراتهم بالمنتمين إلى تيارهم الحزبي، فإن بعض الوزراء فضّل طريقة أخرى؛ وهي إحاطة نفسه بالأبناء والأقارب. كما هو حاصل في إحدى الوزارات أين تشكل العائلة تسلسلا هرميا، فالأب الوزير والابنة مكلفة بالإعلام، وتأتي بعدها الشلة والأقارب ليشكلوا عصب الوزارة وشبكة تلم كل المحيطين بالأسرة من الأقارب والأهل والأبناء والأصدقاء. كما لم يفوت وزير التحق بالركب الوزاري في التعديل الأخير، الفرصة على نفسه ليجعل من ابنته مكلفة بالإعلام ومن نجله مستشاره الشخصي. ورغم شيوع الظاهرة وانتشارها بشكل رهيب، يظل الصمت مطبقا على مثل هذه الظواهر، في الوقت الذي تعاني فيه الكفاءات الشبانية من التهميش والضياع، بسبب أن أولياءهم ليسوا مسؤولين في شركات كبرى وليسوا مسؤولين في وزارات معينة، لذا يكون مصيرهم أعمالا أخرى في غير الاختصاص الذي درسوه أو أرصفة الشوارع ليبيعوا أي بضاعة مهما كانت بسيطة لإعالة أنفسهم وعائلاتهم.
في الوقت الذي تنتشر البطالة في أواسط الشباب.. مؤسسات عمومية تستحوذ عليها عائلات
خلال العشرية السوداء وفي غياب رقابة حقيقية على الشركات العمومية لانشغال الدولة بمكافحة الإرهاب، استغل الكثير من النافذين داخل المؤسسات العمومية مراكزهم ليحيطوا أنفسهم بالأقارب وأهل المنطقة التي ينحدر منها المدير وأعوانه وبعض الإطارات الذين لهم سلطة في المؤسسة العمومية، ويكفي إطلالة بسيطة على مؤسسة عمومية في أي منطقة صناعية لتكتشف أن عمالا من مختلف الأصناف داخل الشركة، يحملون نفس اللقب. والأكثر من هذا، تجد عمالا آخرين ينحدرون من نفس منطقة بعض المسؤولين، بينما تجد نسبة قليلة جدا لعمال لا علاقة لهم باللقب ولا بمنطقة المسؤولين في المؤسسة، وهم في غالبيتهم عمال قدامى دخلوا مجال العمل قبل العشرية السوداء. والظاهرة صارت منتشرة في أغلب المؤسسات عندنا، حيث صار الأب المتقاعد يورّث منصبه لابنه، لتتوسع الظاهرة عبر مختلف المؤسسات الوطنية، وخاصة الكبرى منها. ورغم أن المؤسسات اليوم صارت ملزمة بالتعامل مع مكاتب التوظيف التابعة للدولة، إلا أن العلاقات التي تميز المسؤولين في مكاتب التوظيف، بالمسؤولين في الشركات العمومية، تركت الظاهرة على حالها، فيكفي توصية من مدير مؤسسة عمومية او اتصال هاتفي من مسؤول بمكتب التشغيل، ليسلم للقريب أو الابن بطاقة توظيف في الشركة التي يشتغل فيها الأب أو القريب او ابن المنطقة.
قال إنه من الواجب أن تعطى الأولوية للمختصين، بوناطيرو لابد لنا من مجالس علمية في كل الوزارات وحتى الهيئات البلدية
من جهته، اعتبر الخبير في علم الفلك ورصد الزلازل، الدكتور لوط بوناطيرو، أنه من المفروض أن تعطى الأولويات للمختصين والتقنيين، خاصة في المجالات العلمية على مستوى الوزارات، من أجل المصلحة العامة للبلاد والسير بالبرامج الاقتصادية نحو الأمام، مطالبا بضرورة الاستعانة بالخبراء والمختصين والاستفادة من تجاربهم في كافة المجالات، وتهميشهم حسب بوناطيرو يعني كارثة ستتعرض لها البلاد في مستقبلها. وعن استحواذ المناضلين والمقربين من الوزراء على بعض المناصب العلمية والتقنية الهامة في الوزارات المختلفة، خاصة ما تعلق منها بتسيير المشاريع الكبرى، أردف مرشح رئاسيات 2009 أن هناك فراغا قانونيا، مطالبا بتشريع جديد يضمن للمختصين والتقنييين الذين لا انتماء سياسي لهم حقهم في المساهمة في تطوير البلاد يطرح في البرلمان، مضيفا أن هذا ما طالب به خلال برنامجه الانتخابي حين أراد الترشح لرئاسيات 2009، مطالبا بأن يكون لكل وزارة مجلسها العلمي يمكنه دراسة البرامج الخاصة بتطوير البلاد، معتبرا أنه لا يوجد ولا وزارة لها مجلس علمي باستثناء وزارة البيئة، معتبرا أنه يتحتم على الدولة خلق مثل هذه المجالس العلمية تضم فيها مختلف الاختصاصات في كل القطاعات، وحتى على مستوى البلديات، معتبرا أن أي برنامج مهما كان نوعه لا يمكن أن ينجح دون وجود خبرات وأناس مختصين، مفيدا أن نجاح أي برنامج مهما كان يعتمد في 95 بالمائة منه على الكفاءة وعلى نوعية الأشخاص الذين يقفون خلفه.
محمد حديبي الناطق باسم حركة النهضة: الكثير من الوزارات تكاد تكون تابعة لعائلات أو لأحزاب معينة قال محمد حديبي، الناطق الرسمي باسم حركة النهضة، إن حزبه يعتمد على الكفاءات التقنية وأصحاب الخبرات العلمية، أكثر من اعتماده على أصحاب التوجه السياسي، معتبرا أن رئيس الجمهورية شخصيا اعترف بهذه الميزة التي تتميز بها حركة النهضة، حين قال إن "حركة النهضة بها إطارات ذات كفاءة لا تتوفر عليها حركة أخرى، وأنها من خيرة الإطارات في الجزائر"، وهذا في حوار له لقناة لبنانية، وقد جدد المقولة ذاتها في تجمع شعبي في حملته الانتخابية في 2004، كما قال. وشدد حديبي على أن حركة النهضة كانت نبهت لخطورة تهميش الكفاءات داخل الوزارات وعبر البرلمان، وطالبت بتقنين وضبط عمل الوزارات ووضع آليات للتوظيف بعيدا عن الولاء الحزبي، إلا أن طلب الحركة حسب حديبي لم يلق الاهتمام اللازم. واعترف الناطق الرسمي للحركة، بوجود تهميش كبير لفئة "التكنوقراط" في الجزائر، معتبرا أنه يتعين فتح نقاش إعلامي معمّق في ما يخص هذه الظاهرة التي جعلت المناضلين والأقارب يستولون عن مناصب تقنية بحتة لا يمكن أن يشغلها سوى أصحاب الخبرات. وأضاف ذات المتحدث أن انتشار هذه الظاهرة، يرجع أيضا "إلى عدم وجود انفتاح ديمقراطي حقيقي" بإمكانه تسيير الأمور كلها بشفافية وفتح نقاش معمق في ظواهر عدة، وطالب السلطة بترك السياسة للسياسيين والاهتمام بالمراقبة والتدخل عند الضرورة فقط، وبعدها سيكون النجاح حسبه حليف البرامج وليس الولاءات الحزبية والسياسية، وطبيعي أن يعتمد حينها كل حزب في إعداد برامجه على كفاءات عالية الخبرة، وليس على تحالفات سياسية. واستغرب حديبي من انتشار توظيف المناضلين والأقارب في مختلف الوزارات، حتى أن الكثير من الوزارات يضيف حديبي تكاد تكون تابعة لعائلات أو لأحزاب معينة. وكشف الناطق الرسمي باسم حركة النهضة، أن الحركة تضم في مجلسها الشوري 40 دكتورا من مختلف التخصصات من الفيزياء النووية، إلى الحقوق. أما مجلسها الوطني، فيضم حوالي 6 دكاترة، دون ذكر أصحاب شهادات الماجستير والليسانس، خاتما تصريحه إن "حزبا يضم كفاءة مثل هذه، لو فتح له المجال لغيّر الكثير من واقع الجزائريين".
معتبرا الأحزاب السياسية فشلت، عظيمي لا بد من حكومة شابة من التكنوقراط اعتبر أحمد عظيمي، العقيد السابق والأستاذ بكلية العلوم السياسية والإعلام، أن الأحزاب السياسية فشلت في التسيير من حيث تقديم البرامج أو حتى من ناحية تعبئة الجماهير، مضيفا أن هذه الأحزاب دخلت في صراعات داخلية من أجل المصالح.. والحزب الذي لا يقدم حلولا في الاقتصاد والتقنية والمجتمع، لا يمكنه النجاح أو الاعتماد عليه، لهذا غابت هذه الأحزاب على مستوى الشارع ولم يعد لها وجود حقيقي. واستغرب عظيمي الاعتماد على أحزاب في وزارات لم تستطع تقديم شيء ملموس، رغم المشاريع الضخمة والأموال الطائلة التي وضعت تحت تصرفها، مطالبا بحكومة تكنوقراط مكونة من الوجوه الشابة بعيدا عن الولاء السياسي، وظيفتها نقل البلاد نحو العصرنة والديمقراطية ومحاسبة المفسدين وتقديمهم للعدالة، لتبدأ بعدها في تحوير البرامج المدرسية الجزائرية وتحوير الخطاب المسجدي وفتح السمعي البصري، معتبرا أنه حان الوقت لإشراك التكنوقراط في صناعة القرار بعدما سجلت الأحزاب فشلها الذريع في تأطير الشارع وتجنيد المواطنين خلف برامجها.
الخبير الدولي عبد الرحمن مبتول: عدم وجود معارضة حقيقية فتح الباب لتهميش الكفاءات
أرجع الخبير الدولي والمختص في جمال الاقتصاد، عبد الرحمن مبتول، تهميش التكنوقراط في مختلف المصالح سواء الوزارية أو مصالح أخرى إلى عدم وجود حرية سياسية ووجود معارضة حقيقية يمكنها فرض برامجها في شفافية، وعدم وجود نقاش وطني موسع تشرك فيه وسائل الإعلام والأحزاب والخبراء والمختصين، سواء أكانوا في الداخل أو الخارج، موضحا أنه من 2004 إلى 2014 تم ضخ ما يقارب 400 مليار دولار في مختلف المشاريع، وهو مبلغ حسبه ضخم جدا، إلا أنه لم يترك الأثر الإيجابي في غياب معارضة فعالة وغياب الديمقراطية، مضيفا أنه في الدول التي توجد في ديمقراطية حقيقية الوزير طبيعي أن يكون سياسيا وليس تكنوقراطيا، ولكنه في مقابل ذلك يعتمد في وزارته على الكفاءات والخبرات المكونة في أغلبها من مهندسين وأصحاب كفاءات عالية قصد إنجاح المشاريع، مستلزما بكل المقاييس العلمية. وفي السياق ذاته، اعتبر مبتول أن انتشار الرشوة والفساد بهذا الشكل، راجع في الأساس إلى غياب الحريات، معتبرا أنه لو كانت لدينا معارضة حقيقية لاعتمدت السلطة على التكنوقراط قصد إنجاح كل مشاريعها، وهذا خشية من المراقبة التي تسلطها المعارضة، إلا أنه في غياب معارضة حقيقية يضيف مبتول فإن السلطة تعتمد في التسيير على الريع النفطي، وبالتالي فهي تعتبر أنها ليست في حاجة إلى التكنوقراط، محذرا من أن المخزون النفطي للجزائر سينتهي، وبالتالي سنجد أنفسنا أمام واقع غامض في غياب حلول حقيقية يشارك فيها المختصون والخبراء.
الحرب على الفساد تكشف.. عائلات بكاملها أمام العدالة كشفت الحرب التي أعلنها رئيس الجمهورية على الفساد، عن متورطين من نوع خاص داخل المؤسسات العمومية، فالتحقيقات التي أجرتها مصالح الأمن كشفت الغطاء الذي كانت تتستر به عائلات بكاملها داخل المؤسسات العمومية، حيث كان يحظى الأبناء بحماية الآباء الذين فتحوا لهم المجال واسعا لنهب المال العام عن طريق إبرام صفقات مخالفة للقوانين المعمول بها أو لمنحهم امتيازات خاصة داخل المؤسسة، والأمثلة كثيرة على هذه الظاهرة داخل المؤسسات التي أماطت اللثام عن عصابات من نوع خاص، والكل يذكر قضية "الخليفة" وعدد المتهمين الذين وقفوا أمام العدالة، بل يوجد مسؤولون من عائلات واحدة مع أبنائهم فروا خارج البلاد اتقاء للفضيحة وهربا من حكم العدالة، بعدما ثبت تورطهم في نهب المال العام. ولولا أن حرك الرئيس قضايا الفساد وأعلن الحرب على المفسدين، لامتدت هذه الظاهرة التي ما زالت تنخر جسد البلاد ومؤسساتها إلى أجيال من المحتالين والنصابين، تحميهم سلطة الأب المسؤول في المؤسسة أو القريب أو الصديق.