هل آن الأوان لوضع حزب جبهة التحرير الوطني في متحف المجاهد، طالما البعض يطالب برحيل جيل نوفمبر ويقول إن دوره انتهى، لاسيما والوضع داخل الأفلان وصل حد التعفن إلى درجة الشتم والقذف والتنابز بالألقاب على صفحات الجرائد والاعتداء بالسلاح الأبيض في الشارع، وأصبحت شريعة الغاب وقوانين اللصوص وقطاع الطرق تمارس داخل الحزب حسب المتتبعبن؟ فالصراع بين التقويميين وبلخادم على الحزب من ثوبه الثوري وماضيه التاريخي وأصبح مثله مثل الأحزاب الناشئة التي ما تزال تبحث عن قاموس الحزب تتعلم منه قواعد اللغة النضالية وثقافة الخطاب السياسي الوضع داخل الأفلان وصل حد التعفن من القمة إلى القاعدة التي تغرق هي الأخرى في مشاكلها عبر القسمات والمحافظات التي ما تزال بعضها مغلقة، وكانت تعليقات القيادة السياسية للحزب لا تخرج عن القول إن ما يحدث داخل الأفلان لا يعدو أن يكون ظاهرة صحية، إلى حين بدأت الأمور تنكشف للعيان بعد الخرجات الإعلامية لأعضاء من اللجنة المركزية ووزراء لهم وزنهم داخل الحزب وتشكيل هياكل موازية لها عبر ولايات الوطن، كذلك خروج المناضلين من كلا الجناحين إلى الشارع في كل جمعية عامة انتخابية أو في تجمع للأمين العام حاملين العصي والهراوات أمام مرأى الأمن والجماهير التي أصبحت تعلق بالقول: (الأفلان كولا). وإن كانت الأحزاب السياسية في الجزائر كما في البلدان الأخرى لا تخلوا من صراعات، غير أن الصراع الواقع حاليا داخل حزب جبهة التحرير الوطني عرف الكثير من الإنزلاقات التي يمكن وصفها بالخطيرة، وأصبح الأمر يتطلب تدخل طرف ثالث لفصل النزاع القائم بين التقويمية والقيادة الحالية وهذا يشترط بعض التنازلات للخروج من الأزمة أوتنازل أحد الأطراف حتى تسير المركب إلى بر الأمان. وإن مشينا مع الطرح القائل أن الصراع هوصراع الرؤوس الكبيرة من أجل التموقع في المناصب كما يروج لها البعض أليس من الواجب هكذا يقول اتباع هذا الرأي أن يتنازل أحد الطرفين للآخر لفض النزاع القائم، وكما تقول العادات والأعراف أن احترام الكبير واجب، فقد كان لزاما على عبد العزيز بلخادم أن يتنازل بعض الشيء، وماذا يضره لوكشف عن قائمة الأسماء التي طالبت بها حركة التقويم والتأصيل، والتي تقول أنها غير شرعية في اللجنة المركزية؟ عندما تم الإعلان عنها في المؤتمر التاسع والطريقة التي تم وفقها الاختيار، في إشارة أن بلخادم ضلل منافسيه ونصب حاشيته أي أعضاء من منطقته، وهذا ما جعل موجة العداء تتصاعد. والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا يضر لوسلم جيل نوفمبر "المشعل" للشباب حتى تكون الإستمرارية؟ المشكل أنه لا أحد من هذه الأطراف بادر بالتنازل للآخر، لأن التنازل يسقط لا محالة امتيازات كثيرة لا يمكن الاستغناء عنها. وللإشارة، فإن التنازل عن بعض الحقوق للآخر لا يعني التنازل عن المبادئ والمفاهيم المقدسة، وربما هي الأسباب التي دفعت بالمنسق الوطني لحركة التقويم والتأصيل ومن تبعه، التحرك والخروج عن صفوف الحزب، لأن الأمين العام للحزب عبد العزيز بلخادم في رأيهم استحوذ على الحزب وأصبح يتصرف فيه على هواه منذ المؤتمر التاسع من خلال تنصيبه أعضاء غير شرعيين في اللجنة المركزية، فضلا على أنه تطاول على رموز الثورة عندما طالب برحيل جيل نوفمبر (الثورة)، وقال إن دوره انتهى، لاسيما والإعلان عن الاستغناء عن جيل الثورة جاء في وقت لا يزال فيه رئيس الجمهورية وباعتباره أحد رموزها، يمارس مهامه في إطار الدستور، ما جعل البعض وهم من الأسماء الثقيلة ينقلبون عليه، وفي مقدمتهم صالح قوجيل. ما كان على بلخادم أن يصرح بمثل هذه القرارات وهوالممثل الشخصي لرئيس الجمهورية، هكذا يتحدث معارضوه وربما هذه الضربة القوية هي التي أثارت غضب الرعيل الأول من زملاء الكفاح، الصراع هنا يبدوصراعا من أجل الحفاظ على مكتسبات الجبهة وماضيها الثوري والتاريخي أي انه صراع "مبادئ" لتطهيرها من الدخلاء ونبذ الصراعات الفئوية والجهوية، وإعادة الصورة التي رسمت لها في وقت من الأوقات التي يمكن وصفها بالذهبية، وربما إعلان بلخادم عن رحيل هذا الجيل كان من باب التخوف من المستقبل، لأن رغبته في الترشح للرئاسيات المقبلة واردة، وهو الأمر الذي كان موضع تساؤل الجميع كيف يكون بلخادم الأول من دعا رئيس الجمهورية إلى الترشح لعهدة رابعة، ثم يتراجع عن مواقفه ويقول أمام الكاميرا في التلفزيون أن الحديث عن هذا الموضوع "ترشحه للرئاسيات" سابق لأوانه، وهذا الطموح جعله يسير في النهج الذي سار عليه علي بن فليس ويعيد سيناريو 2004، حسب المتتبعبن لشؤون الحزب ولكن طموح الرجل كان مكشوفا للعيان. خطاب بلخادم كان عنيفا جدا خطاب بلخادم كان عنيفا جدا وخال من روح المسؤولية، هكذا رددت القواعد النضالية لحزب جبهة التحرير الوطني، وأن الأمر فلت من يديه، من خلال تصريحاته القاسية التي اتسمت بالعداوة للمناضلين ورموز الثورة، من خلال العناوين التي خرجت بها وسائل ألإعلام (لا صلح بعد اليوم والتقويمية لا حدث، بلخادم يعلن طي ملف التقويمية نهائيا ويتوعد بالمحاسبة، وتقابلها عناوين أخرى بعنوان بلخادم كذاب ولن نترشح في قوائم أحزاب أخرى)، في رد التقويميين على عندما صرح بأن قوجيل قال له (سنترشح في قوائم موزاية أوفي قوائم أحزاب أخرى)، وكان رد بلخادم بأن معاملتهم ستكون بعدم منحهم أكثر من حجمهم، ولوأن التصريح خطير طبعا، لأنه لا يعقل مثلما يقول العارفون أن يكون رجل في وزن صالح قوجيل أوبوحارة أوأي شخص كان في هذا الوزن لهم غيرة على الأفلان ويحبونه إلى درجة التقديس والعبودية يرضون الخروج عن صفوفه والترشح مع أحزاب أخرى. كما أن الخطاب غلب عليه طابع الاستفزاز لجيل الثورة، لاسيما والخطاب جاء قبيل أيام من احتفال الجزائر بذكرى مؤتمر الصومام المصادف ل 20 أوت 55. والسؤال الذي يمكن أن نطرحه في هذا المضمار: ماذا يبقى من جبهة التحرير الوطني إذا غابت قيادته الروحية؟ بل حراسها الحقيقيين، لا يهم الأمر في معرفة من هوالصادق ومن هوالكاذب بقدر ما يهم بأن الوضع داخل الحزب مهدد بوقوع كارثة حزبية ستحل بالأفلان قبل الانتخابات التشريعية، وهذه الكارثة ستكون فرصة ولمنافسي الحزب للاستثمار من صراعاته واستغلالها لصالحهم. "من أراد النضال في الأفلان،، فعليه بالفايس بوك" هل يمكن فعلا القول إن الأمر فلت من يد بلخادم بعدما أغلقت القسمات أبوابها في وجه مناضليها، ولجأ هؤلاء إلى "الفايس بوك" لإيصال أصواتهم إلى الأمين العام للحزب يخاطبونه بالتريث وإعادة النظر في كل الحسابات، وأن لا يستمع بأذن واحدة أويرى بعينه اليمنى فقط، بل يستعمل الاثنين معا، وأن يستمع إلى نبض الجميع، فالرسائل كانت عديدة التي بعث بها المناضلون في الحزب وحتى المقصيين منه عبر صفحته في الفايسبوك تدعوه إلى الحكمة والتعقل لأن تحطيم الحزب يفتح المنفذ الواسع للمطالبين بالتخلص من الجبهة، فقد جاء في تعليق أحدهم في صفحة بلخادم على الفايسبوك كما يلي: (هناك بعض المشاكل وهذه سمة كل الأحزاب الكبيرة في العالم، لكن لا يصل الأمر حد الفوضى، ألا يكفي التصحيحيين والتقويميين والصحوة) ويقول: (كلنا مناضلين، فلنتواصل إذا ونتحاور، هذا هوأقصر وأجدر طريق، لا للمزيد من الانشقاق وفي مصلحة من؟ فجميع المناوئون لكم ولجبهتكم ينتظروا هذه الفرصة منذ زمن)، ويضيف قائلا: (الجبهة أمانة في أعناقنا ضحى لأجلها أبطال وسالت لإستمراريتها دماء، فلا نهدرها بتصرفات غير محسوبة، ونقرأ في المقابل ما يعلق على صفحة حركة التقويم والتأصيل التي وضع صاحبها صورة المجاهد صالح قوجيل. وعلى غرار صفحات أخرى تحمل أسماء قسمات الأفلان ومحافظاتها، وأخرى لرؤساء جمهورية سابقين (هواري بومدين، بن بلة) ورؤساء أحزاب (جاب الله، أبوجرة وأويحيى) وشهداء الثورة ورؤساء حكومات سابقة تحمل صور أصحابها، فالمتصفحون لمواقع الإنترنت والذين كان لهم لقاء مع الأمين العام للحزب عبد العزيز بلخادم عبر "الفايس بوك"، أجمعوا على أن بلخادم يتواصل بالفعل مع مناضليه عبر هذا الفضاء، وأنه قد تلقى منهم رسائل عديدة وشكاوي ووعدهم بحلها، وأصبحوا يستشيرونه في الكثير من القضايا بعيدا عن هياكل الحزب التي ما يزال معظمها مغلقا وغير منصب. جبهة التحرير الوطني.. بين المساومة والمواجهة هل يمكن أن تعيش الجزائر والأحزاب من دون جبهة التحرير؟ ربما هوسؤال وجيه يحتاج إلى استفتاء شعبي ثم سياسي أي تشترك فيه الأحزاب السياسية الاجابة بنعم برأي المخلصين للحزب تعني مؤامرة على الثورة وعلى الثوابت الوطنية، ليس على أساس أن جبهة التحرير الوطني حامل للثورة، بل لأن مصالح كثير تجعل من حزب جبهة التحرير الوطني ضروري وجوده في الساحة السياسية، فمن جهة لا يمكن لحزبي التحالف الأرندي وحمس الذهاب في هذا الاتجاه، لأن مصالح عديدة تجمع بينهم، ومن جهة الأحزاب الأخرى، فهي صغيرة ولا يمكنها إيجاد الحلول للمشاكل المطروحة أووضع منهجية للنهوض بالبلاد، وذلك للتجربة التي مر بها الحزب العتيد والتي اكتسبها منذ سنوات من الاستعمار إلى اليوم بفضل رجالاته وقياداته الروحية التي لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستغناء عنها طالما هي على قيد الحياة، وهي النقطة التي غابت عن ذهن الأمين العام الوطني للحزب يقول معارضوه، وهوأن الدعوة إلى رحيل جيل الثورة يعني أمور كثيرة. ومن جهة أخرى، فإن المطالبة برحيل جيل الثورة يعني طي صفحة تاريخية طويلة من مسار الثورة الجزائرية، وهذا يدعو أيضا إلى إعادة النظر في النشيد الوطني الذي قيل فيه ما قيل، كذل التراجع عن مطالبة فرنسا بالاعتذار والتراجع كذلك عن المصادقة عن قانون تجريم الاستعمار الذي ما يزال مجمدا على طاولة البرلمان. ما يحدث حاليا راجع إلى غياب المرونة وجمود البنية الفكرية والتنظيمية داخل الحزب الذي لا يدعوأعضاؤها الى الصلح بين الطرفين، بل صب الزيت على النار لإقصاء التقويميين وفصلهم عن الحزب وهذا لمصالح ضيقة، وهو البقاء في المناصب والإستحواذ على مكتسباته.