ملة الانتخابية ليست برامجا وطموحات ومستقبل بلد فقط، كما يتخيل البعض، هي أيضا استثمار مربح وجيد لمن يريد أن يدخل عالم التجارة من باب الحملات الانتخابية، وتقفي آثار "الزردات" المناسباتية أينما كانت، فلا عجب إن رأينا اليوم في موسم الحملة، الهجرة الجماعية والفردية نحو القصاع والولائم، سنجد في كل حي وشارع "زردة" انتخابية و"كول يا ڤليل"، وكل يعرض قماشه السياسي على المواطن المغلوب على أمره. ستكثر الوعود وتفتح الجنة على مصراعيها أمام الناس، وسيدخلها إلا من أبى أن يصوت على المترشح الذي بيده جنة الدنيا، ودون أدنى شك لن يخطئ "أصحاب الشكارة" أهدافهم في تسيير الحملات الانتخابية وتسخير كل طاقاتهم، ليس حبا في مترشح ما أو لسواد عيون المترشحين أو الشعب، ولكن لاستباق "زردة" أكبر بعد الانتخابات، يكون لهم فيها موطئ قدم. وللحملة محاسن ومزايا أخرى، فسيكون للعاطلين عن العمل مصروف جيب، يكفيهم شر تسول سيجارة من أقرانهم، مقابل أن يعملوا ليل نهار في تلصيق صور المرشحين في الأماكن المخصصة لهم وفي أسوار البنايات، وعلى لافتات الطرق وفي الحجر والشجر، وفي كل مكان مسموح به وغير مسموح، حتى تجلب هذه الصور الانتباه وتطغى على خيالنا وتصير في أحلامنا، وربما حين نستيقظ وندخل المقهى نطلب قهوة بالمترشح الفلاني. لا شك لدينا في نية البعض الصادقة في حمل مترشحه على الفوز وإيصاله إلى كرسي المرادية، كما لا شك لدينا في نية أي مترشح يريد أن يقدم الخير لهذه البلاد، ويرفعها إلى مصاف الدول. لكن ما لا نفهمه حقا، هو هذا الاستثمار في الحملة بكل الطرق ونصب الشراك للخصوم والأعداء، على حد السواء، لأجل تسيير المداومات! وما لا نفهمه أيضا، هو الهجرة الجماعية والاستقالة الجماعية من الأحزاب والجمعيات والاستقالة حتى من الضمير، فكل شيء يهون من أجل ما تجود به الحملة، والأكيد أن الحملة لن تبخل "بالزردات"، وسيكون للفقراء اليوم شأن في كل وليمة انتخابية يحضرونها ويصفقون لها بحرارة، المهم أن يحضروا بقوة. وبعدها، لنا رب يحمينا.