تبين من خلال جولة خاصة لرصد انشغالات المواطن اليومية، على هامش حمى الرئاسيات وصداع الحملة الانتخابية الذي تحدثه مداومات المترشحين عبر كبرى الحواضر وفي مقدمتها العاصمة.. حملة تركت أثرا في نفوس الكثيرين وتركت انعكاسات عميقة لم تنس الجزائريين حياتهم الاجتماعية. وبين مهتم بالشأن الانتخابي ولامبال، برزت معطيات متغيرات جديدة على المشهد السياسي في الجزائر أفرزت ذهنية جزائرية تعكس سلبيات الساحة والفعل السياسيين وتجسد تراكمات الإحباطات التي عاشها ويعيشها الجزائريون. ورغم الانشغالات والمتاعب اليومية التي يعيشها المواطن، إلا أن الأخيرة لم تستطع قطع صلته بما يدور حوله من دوي الفعل السياسي دون الالتزام بالانخراط فيه بكل ثقله . وكان الشباب وجهتنا لإنجاز هذا الاستطلاع الصغير الذي حاولنا من خلاله معرفة ميولاتهم والغوص في اهتماماتهم اليومية، باعتبارها الفئة التي نالت القسط الأوفر ضمن البرامج الانتخابية للمترشحين الستة وخطاباتهم خلال التجمعات الشعبية المنشطة عبر نقاط متعددة من الوطن. الشباب.. تائه بين المعاناة والطموح أردنا كالعادة التقرب أكثر من شبابنا ونقل انشغالاته، في خضم هذه الأيام الحساسة، حيث لا تفصلنا عن موعد الرئاسيات إلا أيام معدودات. نزلنا شارع ديدوش مراد، وكلنا يقينا في أن نجد تجاوبا كبيرا مع هذه الفئة، لكن تبين لنا أن موضوعنا لم يفتح لهم شهية الحديث، حيث أبى العديد ممن تقربنا منهم التعبير عن معاناتهم، حيث اكتفى الشاب مصطفى بائع السجائر، بالرد قائلا: ''لقد مللنا فعلا الكلام الكثير، ما الجدوى من إسماعكم مشاكلي، هل تملكون حلولها، سامحوني لكن افضل الاحتفاظ بها لنفسي.....''، وهي العبارات نفسها التي رددها جمال وحسين لكن بشيء من التفصيل، حيث ذكر حسين ''بطال'' ''إننا اول من نصطدم بآثار هذا الواقع، ما فائدة وجودنا وحقوقنا غائبة تماما عن الأنظار، ليرد عليه جمال أي مستقبل ينتظرنا ياأخت أين هي الوظيفة وأين هو السكن، ثم متى سنجد الزوجة ونحظى بالأطفال، ولا أرى حلا لكل هذا سوى في التأشيرة أو ''الحرفة'' التي أصبحت همي الوحيد وهاجسي الكبير.''كانت هذه بعض الشهادات الحية التي نقلناها لكم على لسان أصحابها، لا تعبر إلا عن حجم الفراغ الذي يعانيه شبابنا''. هي إذن الفئة الغالبة من الشبابنا، عدا القلة القليلة جدا من المحظوظين المحظيين بوراثة العز والترف الكبير، ممن يعانون من هجوم شبح البطالة ويتخبطون في الفراغ الرهيب الذي يكتنف النهار المطول دون فائدة أو عمل... منهم من فضل ركوب قوارب الموت، للهروب من الواقع المرير نحو المستقبل المجهول، الذين يلجأون إليه، لا لشيء سوى للتخلص من واقعهم المزري والوصول إلى بناء أسراب أحلامهم بعدما سئموا حياة الغربة التي يواجهونها أينما التفتوا: بيروقراطية، محسوبية، محاباة، وغيرها .... اغتنمنا الفرصة وسألناهم عن موقفهم من موعد التغيير المرتقب في التاسع من أفريل حيث صادفتنا إجابات مختلفة. في حين فضل الكثير التزام الصمت. وأبدى آخرون امتناعهم عن المشاركة في هذا اليوم التاريخي، حيث قال خالد، وهو أب لطفلين، إن هذا الموعد لا يعنيه لأن المشاكل التي يتخبط فيها لا تسمح له بالتفكير في الإدلاء بصوته، قائلا: ''أي حل سننتظر وأصحاب الشهادات والكفاءات يعانون البطالة والتهميش في بلد الجزائر المفعمة بالنعمة والخيرات''، مضيفا ''إني أحمل ثلاث شهادات لكنني أعمل منظفا ودخلي لا يربو عن 10000 دينار''. اقتربنا من أحد بائعي السجائر بالقرب من البريد المركزي وطرحنا عليه نفس السؤال، امتنع عن إجابتنا مكتفيا بتحريك رأسه يمينا ويسارا في إشارة منه أنه يرفض الحديث معنا، لكن فضولنا الصحفي وإصرارنا معه مكننا من ''استنطاقه''، حيث كشف هذا الأخير أنه لا يفكر في الإدلاء بصوته لأنه لا يمتلك وثائق رسمية. المفاجأة كانت أكبر عندما أسرّ لنا أنه لا يحوز بطاقة هوية. عبد الله.. الإعاقة لن تقصيني من الانتخاب وما شد الانتباه أكثر خلال جولتنا الإرادة القوية التي يتمتع بها ذوي الحاجات الخاصة، إذ لم تقف الإعاقة حاجزا لمنعهم من المشاركة والإصرار على الاندماج في المجتمع والانخراط في بناء قاعدة الوطن، مثلهم مثل باقي شرائح المجتمع• لا شك في أن كل من عبر طريق ''اودان'' بالعاصمة قد لمحت عيناه ذلك الإنسان الضعيف الذي ينتظر تكرم المارة ببعض الدنانير. إنه المقعد عبد الله الذي أبدى لنا شغفه الكبير للمشاركة في انتخابات التاسع أفريل الجاري والإدلاء بصوته قائلا إن عجزه الحركي ''لا يعني أبدا أنه عاجزا عن المشاركة في الموعد الانتخابي المنتظر كفرصة يأمل فيها سلك سبل التغيير لتحسين وضعيته''. واضاف المتحدث أن معاناته مع الاعاقة تستلزم اتخاذ إجراءات جادة، تتمثل في رفع منحتهم المحددة ب 6000 دينار، والسعي الى تقاضيها كل شهر بدل المدة المحددة بكل سداسي. وللبطاطا.. قول آخر! لعل أهم ما أصبح يميز حديث المواطن الجزائري هو الالتهاب الرهيب الذي حط بظلاله في الأيام الأخيرة على معظم الأسواق الوطنية، حيث شهدت أسعار الخضر والفواكه بأسواق ومحلات العاصمة غلاءً كبيرا لم يسبق له مثيل. وفي جولة خاطفة قادت ''البلاد'' للاطلاع على أحوال السوق بالعاصمة ورصد انطباع المواطن الجزائري الذي أحرقه لهيب الأسعار وخاصة سعر البطاطا التي أصبحت للعام الثاني سيدة الموقف وهذا منذ أسابيع. ولعل أهم ملاحظة استطعنا تسجيلها ارتفاع اسعار الخضر الموسمية بالرغم من أننا في الفترة التي تعرف وفرة في الإنتاج، مثلما هو شأن البزلاء، القرنون الذي وجدناه بمختلف الأسواق بسعر لم ينزل عن 50 دينارا.. الفلفل الحلو هو الآخر عرف ارتفاعا وصل إلى 140 دينار، نفس الأمر يتعلق بالطماطم التي لم تشهد أسعارها استقرارا منذ مدة طويلة نتيجة الأمراض التي أصابت هذا المنتوج عبر العديد من مناطق الوطن وعلى رأسها الوسطى وهو ما جعل الطماطم تحافظ على سعرها المرتفع الذي لم ينزل عن 100 دينار. البطاطا الخضرة أو المنتوج المفضل لدى العائلات الجزائرية في تحضير موائدها لم ينزل عن 80 دينارا (و100 دينار في بعض الأسواق) بعدما كانت منذ أقل من شهر لا تتجاوز 30 دينارا. أما بخصوص الخضر غير الموسمية فحدث ولا حرج وهو ما علق عليه بعض المواطنين بالقول : ''كيف يستطيع الزوالي العيش أو اقتناء الخضر الموسمية المرتفعة الثمن''، مما يتنافى والقدرة الشرائية لمحدودي الدخل. لهيب الأسعار المسجل عبر مختلف أسواق العاصمة، وحتى الشعبية منها، جعل المواطن البسيط لا يفكر إلا في طريقة كسب قوته اليومي. وبين تضارب الآراء وتحجج الفلاحين سيبقى من المؤكد المواطن البسيط المتضرر الأول والأخير من مثل هذه المعاناة التي تتكرر دون أن تتحرك الجهات المعنية. ووجه العديد من المواطنين رسالة الى الفلاحين الذين تنكروا لجميل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة المتعلق بمسح ديونهم، ليضاعفوا في أسعار الخضر الأكثر استهلاكا من قبل المستهلك الجزائري. وعقبت السيدة جميلة.م ،32 سنة، على كلام احد التجار بسوق باب الوادي، ''دير الخير يدور عليك''، في إشارة منها إلى قرار بوتفليقة القاضي بمساعدة الفلاح، الذي لم يفوت الفرصة لقلب موازين السوق رأسا على عقب. سخط حيال التفتيش على طريقة الأفلام البوليسية أول ما لفت انتباهنا، عند قيامنا برصد انشغالات المواطنين في آخر أيام الحملة الانتخابية، ومحاولة وضع توجهاتهم السياسية تحت المجهر من خلال اعتماد التنقل عبر الحافلات العمومية لإضفاء مصداقية أكبر، تعرض هؤلاء للتفتيش من طرف أعوان الأمن على طريقة الأفلام البوليسية، وذلك بإنزالهم من الحافلة وترتيبهم في شكل مصطف، يوحي للمتبع بأنه محل متابعة أو مطاردة من قبل الشرطة. ووصف (امين.م)، 26 سنة، الإجراء الذي من شأنه تعزيز الأمن طيلة الحملة الانتخابية، بالمتعسف، مضيفا ''لقد أعاد ذاكرتي إلى فترة العشرية السوداء وكابوس الدم الذي عشته وعائلتي''، ليقاطعه بالقول، الشيخ حسين، متقاعد في السبعين من العمر، بالقول ''هذا التفتيش يمس بكرامة المواطن الجزائري ويطيح بقيمته الإنسانية''. أما (امال.س)، طالبة بجامعة الجزائر، فاعتبرت ان ''مرحلة الانفلات الأمني بالجزائر قد طوت صفحاتها منذ تولي المترشح الحر، عبد العزيز بوتفليقة سدة الحكم''. رحلة البحث عن سكن...! في حين، اعتبر (محمد.ح)، 38 سنة وأب لأربعة أطفال، أن الدوي السياسي لم يتمكن سمعه بعد من التقاطه، والسبب الكامن وراء الطلاق الذي أبداه المتحدث حيال العملية الانتخابية، هو فشله في تأمين مسكن يليق بأفراد أسرته. وهو الموقف الذي تكرر مع العديد من الاشخاص الذين صادفتهم ''البلاد'' أثناء جولتها بشوارع العاصمة، حيث عبر المعنيون عن سخطهم وتذمرهم تجاه أزمة السكن. وفي ردها على موقفها من الرئاسيات المرتقبة في التاسع من الشهر الجاري، كشفت (نصيرة.ب)، أم لطفلين، انها ''اتخذت من الهامش موقعا لها''، مبدية رفضها للإدلاء بصوتها يوم الانتخاب وذلك لاقتناعها أن ما تتخبط فيه من مشاكل، يفرز استحالة حلها. وتبين من خلال حديثنا الجانبي مع نصيرة، أنها تقطن بسكن فوضوي بعين البنيان، إلى جانب أنها مطلقة وتتكبد مصاريف ابنيها عن طريق تنظيف العمارات. وعليه، فإن انشغالها بتسوية وضعها الاجتماعي المزري وكسب لقمة العيش، سببا في قرار امتناعها عن التصويت. من جهته، قال (س.ك)، 42 سنة، ''أبحث عن مأوى يلم أبنائي فقط، أما اختيار الرئيس فقد خرج عن مسؤلياتي''. وبالرغم من النظرة السوداوية النابعة من الظروف الصعبة، والتي خيّمت على تفكير المتحدثين لتقودهم الى التحفظ عن الادلاء بصوتهم يوم الانتخاب، طفت عينة ذات منطق مغاير، تنطلق من مبدأ وجوب المساهمة في اتخاذ قرارات الأمة، والمتمثلة في اختيار الرئيس الانسب لتجاوز الأزمات المطروحة، حيث يقول (محمد.ن)، 38 سنة، أب لثلاثة أطفال، ''أنا لم ولن أفقد الأمل، وسأصوت لاقتناعي أن اختياري سيقودني للتغيير''، مضيفا ''أنا أستبشر خيرا بالرئيس المستقبلي وثقتي في الحصول على سكن كبيرة''... وأخرى لا ستخراج وثيقة اشتكى غالبية المواطنين الذين التقتهم ''البلاد'' بمختلف بلديات الجزائر العاصمة، من المخلفات السلبية للحملة الانتخابية على سير الإدارة الجزائرية، إذ أجمع معظمهم عن معاناتهم لاستخراج وثائقهم الخاصة، بسبب انشغال المعنيين بهوى الحملة الانتخابية وما سيجنونه من ثمارها. وأكد (محمد•ز)، 26 سنة، أن محاولة استخراج وثيقة خاصة بالميراث العائلي، قد كلفته أسبوعا من الركض دون جدوى، مضيفا ''أن اقتناعي بضرورة المشاركة في العملية الانتخابية مرده إلى حاجة ماسة لتغيير الأوضاع الراهنة، وبالتحديد حال الإدارات التي صارت حبيسة البيروقراطية''، وفي زاوية مقابلة، صرخت مسنة في الستين من العمر قائلة: ''لا يوجد من يسمعني وتريدون أن أصوت''، تقربنا منها لتهدئتها، وبمجرد تعريفنا بهويتنا، حمّلتنا مسؤولية إيصال الوضع إلى الجهات المسؤولة قائلة ''لقد ترددت على هذه البلدية أكثر من ثلاث مرات في اليوم بحجة تجديد دفتر العائلة إلا أنني في كل مرة أرجع خائبة، فالمعنيون بخدمة المواطن منشغلين بالرئاسيات''. لكن يبقى القول أن البيروقراطية واللامسؤولية ليستا حكرا على فترة أو مناسبة بعينها بل هما آفتان ملازمتان للحياة اليومية على مدار أربعة فصول وكل المواسم، وأحدثتا شرخا وسط المجتمع بين المواطن والمسؤولين على كل المستويات وأفسدت ثقته فيهم على شتى الأصعدة وبمختلف انتماءاتهم السياسية والإيديولوجية والمذهبية والاجتماعية.