إلى أي حد تستطيع المرأة المثقفة أن تواجه المرآة العاكسة وتبوح بتداعياتها وبجواهرها المكنونة، تتحدى سلطة الآخر الآمر الناهي وسط كوكبة العائلة والقبيلة، وتتخلص من ذراع الرقيب اللبيب الذي يتربص بشجر الكلام وهمس الجفون؟ تساؤل شرعي مثير للجدل، واجهني هذه الأيام وأنا منهمك بشغف في مصافحة وتصفح مؤلفات صديقتنا الأديبة المتميزة: أم سهام، رابعة العشق الأدبي فهي ظاهرة أدبية حقا، مغرمة بحرقة الكتابة وتجليات الحرف الإبداعي. بعيدا عن أبجديات التواريخ المهملة والأرقام المهمشة، يمكن أن نتحدث عنها بالمختصر المفيد، فهي من عائلة بلال العريقة بمدينة ندرومة الأصيلة، إحدى أهم الحواضر التابعة لولاية تلمسان، عبرت في دراستها وتكوينها عدة مدن، من وجدة المغربية إلى بشار بالجنوب الجزائري، قبل أن يستقر بها المقام بوهران الباهية، حيث أتمت دراستها الجامعية، واشتغلت أستاذة في التعليم الثانوي، قبل أن تحال حاليا على التقاعد، وتتفرغ لعشق الكتابة وممارسة النشاط الأدبي والثقافي. هي كاتبة جزائرية كما تقول في سيرتها الذاتية المتوفرة لدي مسكونة بالجرح والورد وهاجس الإبداع حتى النخاع، كاتبة تحمل بذور حلم التمرد على ترسبات الماضي الراكد، فترى الأدب نزيفا داخليا لا ينقطع، تهفو إلى حياة معشوشبة متحركة متجددة، تبني من اليأس والحزن والتمزق قبابا من الأمل والحب وطاقات خارقة من المقاومة. ويقول عنها عميد الأدباء والمؤرخين الجزائريين الدكتور أبو القسم سعد الله: تكتب أم سهام القصيدة النثرية بأسلوب التداعي والرمز والتحليق والتوهج. حتى لتجعلك تحس أنك في أرجوحة معلقة بين السماء والأرض، ثم تهبط بك الى عالم الأوجاع والذكريات الحالكة والحصار الوحشي الذي لا يرحم. في خزانتها العامرة كما في مكتبتي الخاصة، مجموعة من مؤلفاتها الأدبية الموقعة، حسب تنوع الأجناس من القصة والمقالة إلى النقد والشعر. ومن أبرز هذه الكتب المطبوعة: جولة مع القصيدة - شظايا النقد والأدب - الرصيف البيروتي - من يوميات أم علي - زمن الحصار وزمن الولادة الجديدة - أميرة الحب - حكاية الدم - فتح الزهور- أبجدية نوفمبر، إلى جانب مخطوطات تنتظر الطبع. ولها إسهاماتها العديدة في مجال الترجمة الأدبية، حيث ترجمت مجموعة الشاعرة إنصاف عماري عثمان، بعنوان سمراء النيل من العربية إلى الفرنسية، وكذلك مساهمتها إلى جانب الأستاذ حسين ديب في ترجمة كتاب: مفدي زكريا شاعر مجد ثورة. لمؤلفه: بلقاسم بن عبد الله. ومن المنتظر أن يصدر قريبا في إطار تخليد خمسينية الإستقلال. تربطني بالأديبة أم سهام علاقة صداقة ومحبة وتقدير منذ أزيد من ثلاثين سنة، كانت نقطة البداية أثناء زيارة الشاعر الكبير نزار قباني لمدينة وهران يوم 10 أفريل 1979 عندما كتبت كلمة إفتتاحية يومئذ بالنادي الأدبي تحت عنوان: شاعر الحب بين أحضان الباهية. لتفاجئي يومها بمقالة مطولة دفاعا عن الشاعر المحبوب، نشرتها بنفس الملحق تحت عنوان بارز: دواليب الهواء ونزار قباني. وأثير وقتئذ نقاش مطول على مدى شهرين حول شاعرية نزار وعلاقته بالقضايا العربية المصيرية. ومنذ ذلك الحين، إندمجت أم سهام وتفاعلت بشوق ومحبة مع الكتابة والإبداع، وتوالت إسهاماتها العديدة في مجالات القصة والمقالة والحوار الأدبي ومتابعة جديد المجلات الثقافية. وظلت وفية مخلصة لينابيع وأنهار عشقها الإبداعي من خلال ملحق النادي الأدبي لجريدة الجمهورية، والبرنامج الإذاعي المعروف: دنيا الأدب. حيث بقيت إلى جانبي تسع سنوات، تقاسمني بكل شوق سعادة المتاعب الممتعة. وتركت هذه التجربة المتميزة بصماتها الملموسة على مسارها الأدبي المتواصل، ويتجلى ذلك بوضوح في إجابتها عن سؤال مطروح، في آخر حوار أجرته معها الأديبة الإعلامية جميلة طلباوي، ونشر بتاريخ 26نوفمبر2011 بموقع أصوات الشمال، حيث تقول الصحافة الأدبية هي المنطلق والحافز بالنسبة لي، المحاولات الأولى كانت في جريدة الشعب. أما البداية الفعلية فكانت على صفحات النادي الأدبي، فقد كان هذا الملحق الأسبوعي الذي دام عشر سنوات تجربة رائدة في الصحافة الأدبية، وكان العمل فيه ممتعا متحركا ينبض بالجديد والمفاجآت، ويبعث في النفس أنواعا من الدهشة والانبهار، مما دفعني إلى التزام ركن خاص بي وهو ركن مع المجلات. من 11 فبراير 1986 إلى 10 مارس 1987 بدون انقطاع. كانت حقا رحلة من رحلات البحث والتنقيب لا أنساها أبدا، وأتمنى أن اجمع مادتها يوما في كتاب".