هكذا اختلس عاشور وشركاؤه المال من البنك دون أن يكتشف أمرهم كان أهم ما دار في جلسة اليوم الثالث من محاكمة المتهمين مع عاشور عبد الرحمن في قضية اختلاس أكثر من 3200 مليار من البنك الجزائري، إلحاح رئيس الجلسة حول سؤال محوري ومهم، وأسئلة النائب العام التي تصب في نفس الواد، والموجهة خاصة للمفتش العام للبنك ومحافظي الحسابات الذين باشروا الرقابة في عدد من الوكالات البنكية، ماعدا تلك التي عرفت تجاوزات مقصودة من المسؤولين فيها لغرض تمكين المتهم الرئيسي وشركائه من نهب الملايير من البنك الوطني الجزائري دون التعرض لإزعاج المراقبين. السؤال الذي لم يلق الإجابة، إلا أنه أحرج المستجوبين، هو: "هل تقصد البرنامج المسطر للمراقبة عدم إدراج الوكالات التي يتعامل معها عاشور وشركاؤه، أم أن استبعادها طيلة تلك السنوات جاء صدفة؟". * الرئيس المدير العام يتملص من مسؤولية الرقابة وكان أهم المستجوبين يوم أول أمس الخميس، الرئيس المدير العام للبنك المتضرر، ما بين سنتي 2001 و2005 (مراد.ش)، المتهم بالإهمال المؤدي إلى اختلاس أموال عمومية، الذي اعترف بوجود اختلالات على مستوى البنك، والتي أكد أنه أشعر بها وزير المالية، لكن "دون جدوى" كما قال فيما أنكر معرفته بالتلاعب بالصكوك التي مكنت عاشور عبد الرحمن وشركاءه من اختلاس آلاف الملايير من البنك وهو على رأس إدارته. وعن قول القاضي "مهامك القانونية هي السهر على السير الحسن للمؤسسة المالية، وذلك عن طريق الرقابة والتفتيش حتى لا تقع الكارثة، لكنها وقعت"، رد المتهم بالتأكيد على تقويته لهذا النظام، إلا أن القضية كشفت من خلال استجواب مديري الوكالات التي تم عبرها الاختلاس وهي وكالات بوزريعة، القليعة وشرشال، أن المتواطئين مع عاشور عبد الرحمن وشركائه كانوا يعملون بكل راحة وبمنأى عن أي خوف من أن يكتشفوا خلال أي عمليات مراقبة مفاجئة. * المفتش العام بالبنك تربطه "علاقة وطيدة" بعاشور عبد الرحمن أهم ما سجل في استجواب "ن.م" المفتش العام للبنك الوطني الجزائري، الذي تملص هو الآخر من التهم المتابع من أجلها، هو مواجهته بما كشفه أحد المفتشين المستجوبين حول ما أسماه ب "العلاقة الوطيدة" التي كانت تربط المتهم الرئيسي عاشور عبد الرحمن بالمفتش العام للبنك، إلا أن هذا الأخير رد بالنكران، قائلا "هي علاقة اعتبرها عادية"، وإن كانت هذه العلاقة العادية قد حصنت عاشور ورفاقه من أي رقابة، إلى أن سرقوا ما سرقوا، الشيء الذي علق عليه النائب العام قائلا للمتهم "أنت المفتش العام للبنك الوطني الجزائري، هل تعرف ما معنى البنك الوطني الجزائري؟ البنك الأول في الجزائر، وتتصرف هذه التصرفات؟". أما عندما سأله عمن المسؤول في نظره عن اختلاس المبلغ المحدد في الخبرة، قال المفتش العام، "مديرا المديريتين الجهويتين لكل من القليعة التابعة لها وكالة شرشال، مديرية درارية التابعة لها وكالة بوزريعة، إلا أن النائب العام باغته بالسؤال الذي يورطه والقائل "من المسؤول عنهم؟"، والذي أجاب عليه المتهم بالإيجاب"، فرد عليه النائب العام "بارك الله فيك" واكتفى ممثل الحق العام. * محافظو الحسابات: "انعدام نظام الرقابة وراء الكارثة" أجمع محافظو الحسابات المتهمين في القضية بالإهمال المؤدي إلى اختلاس المال العام، على إجابة واحدة عن السؤال المتعلق بالسبب الكامن عدم اكتشافهم التجاوزات بالوكالات والمديريات التي راقبوها، وخاصة عدم اكتشاف الصكوك التي بلغت 1956 صكا دون رصيد، مكنت عاشور ورفاقه من اختلاس آلاف الملايير دون أن يكون في حسابات شركاته الوهمية أدنى رصيد، فقد أجاب المحافظون وهم موظفون مستقلون عن البنك، بأن أهم ما لاحظوه في الوكالات البنكية والمديريات الجهوية التابعة للبنك الوطني بغض النظر عن إن كانت التي تمت بها الاختلاسات أم لا، أن نظام الرقابة منعدم تماما، إضافة إلى أن نظام المعلوماتية بها تقيلدي ولا يواكب العصرنة، وهو الشيء الذي جعلهم لا يلاحظون هذه الشيكات، وهي أشياء ضمنوها في تقريرهم ورفعوها إلى السلطات. * عاشور اعتمد على صهره في فتح حساب غير قانوني لشريكه وكشف استجواب "ع.ب" صهر عاشور عبد الرحمن، والمكلف بمصلحة الأجور بوكالة شرشال التي حوّل من رصيدها مبالغ كبرى لصالح حسابات شركات مجمع عاشور، أن هذا الأخير اعتمد على صهره (خال زوجته) في التوسط له لغرض فتح حساب لشريكه "ر.ع"، الذي قدمه للمدير العام، وهو الحساب الذي اعترف صهر عاشور أثناء التحقيق بأن "ر.ع" سحب عبره تسعة ملايير سنتيم بعد ثلاثة أيام فقط من فتحه، والغريب أنه فتح بمبلغ زهيد لا يتجاوز 20 ألف دج، الذي يعني أن هذه الوساطة وبتواطؤ المسؤولين في الوكالة كانت مقصودة لتسهيل الاختلاس، إلا أن المتهم الذي لم يتمكن من الرد على اعترافاته التي ذكر بها، قبل أن يقول "مر على التحقيق أربع سنوات ولم أعد أذكر شيئا"، اكتفى بإنكار الوساطة مدعيا أن عمله يتنافى والأمور المتعلقة بالشيكات، إلا أن القاضي الذي واجه المتهم بجملة من اعترافات باقي المتهمين. خلال التحقيق، سأل المتهم إن كان لابد من الوساطة و"المعرفة" لفتح حساب لأحد المواطنين؟، إلا أن المتهم الذي اضطرب رد بأن "البنك مفتوح لكل المواطنين"، وأن شريك عبد الرحمن قدم ملفا كاملا لفتح الحساب، وهو ما مكنه من ذلك، إلا أن القاضي قال له "مادام هذا الإجراء لا يتطلب الوساطة، ومع ذلك لجأ إلى وساطتك، فإنه مشكوك فيه". وقد أكدت جلسة يوم الخميس عموما ما حاول النائب العام الوصول إليه بسؤاله "ص.ش"، خبير توبع في القضية بتهمة الإهمال المؤدي إلى اختلاس المال العام، إن كان سبب الاختلاس يعود في رأيه إلى "الإهمال أم التواطؤ أم إلى الاثنين معا؟"، أين رد المستجوب أنه وبصفته خبيرا في المحاسبة، يؤكد أنه بسبب الاثنين معا، أي "الإهمال والتواطؤ"، وحصل ما حصل. كما أن النائب العام علق عند استجواب لمدير سابق للمحاسبة بالبنك، أن العملية حيكت من طرف أناس محترفين، ولو لم يقبض عليهم متلبسين لما تم اكتشافها.