أحدث القرار الأخير الذي تضمنه قانون المالية التكميلي 2009 والذي علق بشكل مفتوح جميع القروض الاستهلاكية التي تمنحها البنوك سواء الخاصة أو العمومية زلزالا في أوساط المواطنين المستهلكين والموزعين الحصريين للسيارات، ممثلي كبريات وصغريات الماركات العالمية، ماتزال ارتداداته تصنع الحدث منذ 30 جويلية الفارط .. "الأمة العربية" حاولت عبر جولة استطلاعية تقصي الوضع وجمع آراء المعنيين الأوائل بهذا المنع، فكانت التصريحات متباينة بين رافض ومرحب ومتحفظ. نزل خبرتوقيف العمل بالقروض الاستهلاكية وهي الخدمة التي أطلقتها البنوك منذ حوالي 6 سنوات كالصاعقة على الكثير من المواطنين، كما أثار حفيظة أغلب الموزعين الحصريين لمختلف ماركات السيارات، سيما أن معدل الحجم الإجمالي للقروض الممنوحة لتمويل شراء السيارات الجديدة يتراوح ما بين 15 و 20 بالمائة من حصص السوق، مما قد يهوي للمرة الثانية بحجم مبيعاتهم بعد 30 جولية 2008، تاريخ إقرار الضريبة على السيارات الجديدة والتي تتراوح مابين 50 ألف و 150 ألف دج، وترقب إقرار ضريبة إضافية ثانية ألمحت إليها الحكومة قبل حوالي شهر والتي تصل حسب مصادر مؤكدة إلى سقف 300 ألف دج بالنسبة للسيارات ذات نظام تشغيل ديازيل. من جهتهم عبر الكثير من المواطنين عن خيبتهم لأن القرار قد قضى على آخر أمل لهم في اقتناء سيارة جديدة بالتقسيط، مما سيلهب أكثر سوق السيارات القديمة التي بلغت فيها الأسعار مستويات قياسية. وحسب العديد من المحللين الملمين بالملف ممن تحدثنا إليهم فإن القرار الحكومي الأخير تشتم منه رائحة "السياسة" ، وشرع في التلميح لقراره منذ أكثر من سنة على خلفية الانتقادات اللاذعة التي وجهت للقطاع من طرف كبار المسؤولين في الدولة ووزراء الطاقم التنفيذي، حيث ما فتئ كل من وزير الصناعة والمساهمات وترقية الاستثمارات حميد تمار ووزير التجارة الهاشمي جعبوب منذ الدخول الاجتماعي الفائت، يصفان قطاع توزيع السيارات في بلادنا ب " استيراد- بزنس "، حيث يعطي الأولوية المطلقة للنشاط التجاري على حساب أي محاولة للتفكير الجاد في الاستثمار المحلي المنتج، وقد أثار قرار مجموعة "رونو" الفرنسية إقامة مصنع تركيب فئة من طرازات المجموعة بالمملكة المغربية، وهو المشروع الذي انتظرته الجزائر سنوات طويلة، حفيظة الحكومة التي تلقت بطريقة أو بأخرى" صفعة "، الأمر الذي دفع بها للتصرف بالطريقة التي تكشف بها لمسؤولي الشركات الأم بأن الجزائر سئمت الوعود، ولن تكون من اليوم فصاعدا "خردة " أوروبا و آسيا. قال: " الدولة ذات سيادة و الحكومة لها كافة الصلاحيات لإقرار أو إلغاء أي قانون ترى فيه حماية ووقاية للاقتصاد الوطني، لكن هذا لا يمنعنا في إبداء رأينا في كل القوانين التي تصدر وتعنينا سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. عموما قروض تمويل السيارات الجديدة لا تمثل سو ى حوالي 5 إلى 6 بالمائة من إجمالي مبيعات فورد في السوق المحلي بمعنى أن احتمال تأثر مبيعاتنا سيكون طفيفا. القانون لايؤثر على الموزعين الحصريين للسيارات بقدر ما يؤثر على المواطن المستهلك، خصوصا الشرائح الاجتماعية ذات الدخل المتوسط، حيث لن يصبح بمقدورها تمويل الشراء عن طريق البنوك بصيغة "الدفع بالتقسيط"، مؤكدا أن مبيعات "سيترواين الجزائر" عن طريق البنوك تتراوح ما بين 4 إلى 5 بالمائة وأن حصتها في السوق لا تمثل سوى 2 بالمائة بمعنى أن شركات تمثيل السيارات ذات النسب المتراوحة ما بين 20 إلى 40 بالمائة في حصص سوق التمويل عن طريق القروض هي المتضررة الثانية بعد الزبون. من جهتها ترى الجمعية الجزائرية لوكلاء توزيع السيارات التي يرأسها محمد بايري أن القرار الأخير هو ضربة موجعة للقطاع الذي يحاول استرجاع توازنه من جراء إقرار الضريبة الجديدة على السيارات التي أثرت على منحنيات المبيعات بشكل فظيع بالنسبة للكثير من الموزعين الذين تهاوت ممبيعاتهم بنسبة 50 إلى 60 بالمائة ، ليأتي القرار بشكل ارتجالي ويضاف كعبء آخر. وكان بايري قد أكد في تصريحات سابقة أن الجمعية الجزائرية لممثلي وكلاء تسويق السيارات ستعلن عن موقفها النهائي والبديل الذي تقترحه مع الدخول الاجتماعي المقبل . وقد حاولنا مرارا الاتصال بباقي الممثلين الحصريين لتوزيع السيارات لكنهم رفضوا الإدلاء بأي تصريح واكتفوا بالقول أن الجمعية الجزائرية لممثلي وكلاء تسويق السيارات هي المخولة رسميا للإدلاء بالتصريحات . بقدر ما أثار قرار إلغاء القروض الاستهلاكية استياء موزعي السيارات والمواطنين بقدر ما رحب به الكثير من المتعاملين الاقتصاديين ومواطنين أيضا منن مختلف الشرائح الاجتماعية. "منع القروض" جاء لتشجيع الاقتصاد الوطني وفي هذا الصدد أكد محمد سياد مدير عام مجموعة "سياد" لتوزيع قطع الغيار وممثل العملاقين الفرنسيين بيجو ورونو أن قرار تجميد العمل بالقروض الاستهلاكية الذي تضمنه قانون المالية التكميلي 2009 صائب من منطلق أنه جاء ليحمي الاقنصاد الوطني للتخلص تدريجيا من التبعية وذلك لتشجيع الاقتصاد المحلي، وقد أبدى المتحدث ل" الأمة العربية" استغرابه من تحاشي الحديث عن باقي المنتوجات الأخرى رغم أن القرار واضح بحيث يشمل تشكيلة واسعة من المنتجات الاستهلاكية، لكن التركيز كان فقط على قروض السيارات. وقال سياد محمد أن القرار يتيح فسحة للحكومة من أجل" ترتيب البيت"، لأن تسيير حظيرة وطنية تتنامى باستيراد أكثر من 300 ألف سيارة سنويا أمر ليس بالهين مثلما يتصوره الكثيرون، كما أن القرار يدخل في صميم صلاحيات الحكومة التي ترى أنه من مصلحة الدولة التوقف فورا عن منح القروض التي أخذت صيغها في السنوات الأخيرة نمطا اعتباطيا وعشوائيا. أبدى العديد من الفاعلين السياسين من الائتلاف الحكومي ( الافلان – الأرندي – حمس ) ومن خارجه أيضا ارتياحهم للقرار الذي اعتبروه فاتحة نحو التأسيس لاقتصاد وطني قوي يراهن على انتاجاته للتخلص من التبعية والتقليص من فاتورة الاستيراد التي تصاعدت في السنوات الأربع الأخيرة بنسب تتراوح ما بين 10 و 20 بالمائة ، مؤكدين أن الحكومة بقرارها الجديد لا ترغب على الإطلاق التضييق على المواطن المستهلك مثلما تحاول دوائر سياسية معروفة استغلال الظرف لخدمة مصالحها الحزبية الضيقة، لكن يأتي لتشجيع الإنتاج المحلي وقطع الطريق أمام كل المتعامليين الذين يروجون لثقافة الاستهلاك و "الاستيراد – استيراد ". مرة أخرى تلتهب أسعار السيارات القديمة في الأسواق النظامية المعتمدة مثل الحراش والشراڤة في العاصمة وسوق تيجلابين بولاية بومرداس، حيث وكما يقول المثل "مصائب قوم عند قوم فوائد" فإن منع قروض تمويل شراء السيارات الجديدة قرار أثلج صدور المضاربين في أسواق السيارات القديمة، حيث ارتفعت الأسعار بمعدل 10 إلى 15 بالمائة عن مختلف الطرازات تضاف إلى الزيادات التي فرضها سماسرة الأسواق أيام قليلة بعد إقرار الضريبة على اقتناء السيارات الجديدة لدى الموزعين ووكلاء تسويق السيارات، ليبقي بذلك على آخر حلم لدى المواطن لشراء سيارة .