بالرغم مما قد تجده من ملصقات معلقة هنا وهناك في الأماكن العمومية بشتى أنواعها والتي تمنع تدخين السجائر في مثل هذه الأماكن، إلا أننا نجد أشخاصا من قليلي الانتباه يضربون بما يقرأونه عرض الحائط، ويمارسون عادتهم السيئة في أماكن تشهد التوافد الكبير للمواطنين وتواجدهم بها، واضعين سجائرهم في أفواههم لينفثوا دخانا أقل ما يقال عنه إنه يزعج الغير بل ويضرهم. قد يعتبر بعض الأشخاص أن نشوة التدخين قد تغلب أي قرار آخر أو أي ممنوع يرفع في وجوههم، في جميع الأماكن العمومية ابتداء من المؤسسات العمومية، فالفضاءات التعليمية إلى قاعات الانتظار و...، هذا ما يجعل الإزعاج سيد المكان الذي يشغله الدخان خاصة بالنسبة للمرضى والذين يعتبرون الفئة الأكثر تضررا بالاختناق الناجم عنه. لاستطلاع بعض الآراء الخاصة بالمواطنين حول هذه الظاهرة التي أخذت تتسع رقعتها بشكل ملحوظ، حتى في أوساط المراهقين، تقرّبنا من السيد "فضيل" الذي أكد أنه يتعجب جدا من بعض المواطنين كهولا وشبابا، وحتى بعض الصغار الذين لم يتموا عقدهم الثاني في إقدامهم على "ارتشاف" دخان سجائرهم على الرغم من وجود الملصقات المكتوب عليها رسما وحرفا ما يدل على منع التدخين، فتراهم يعكّرون الجو بما يطلقونه من دخان، متناسين أن ثمة أناس من غير المدخنين، كما أنه ليس كل الناس في صحة جيدة تمكّنهم من تحمّل ما ينبعث من أفواههم على مضض. حرية الفرد تبدأ ولا تنتهي!! "نسيمة" أكدت لنا بأن حرية الفرد تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، لكنها لاحظت العكس ف"حرية الفرد تبدأ ولا تنتهي" فهناك أفراد يتشاجرون من أجل نشوتهم الآنية ضد جموع من الناس، حيث أخبرتنا أنها صادفتها في إحدى الأيام حادثة في إحدى قاعات الانتظار بمستوصف كان هناك شاب يدخن، ولما طلب منه أحدهم بكل أدب الخروج من القاعة، انتفض في وجهه انتفاضة كادت تؤدي إلى عراكهما لولا تدخل الجالسين معهم، ولما هدأت المناوشة برر الشاب فعلته تلك بأنه انزعج من طول الانتظار!! قد لا يكون هذا هو الاعتداء الوحيد الذي يسببه المدخنون في الأماكن العمومية، فقد أكد أحد الطلبة بأنه حضر مشهدا جد غريب، حين تقدم أحد الشباب إلى موقف انتظار الحافلات الخاص بالطلبة وأشعل سيجارة ودخّنها وراح ينفث دخانه في وجوه الشباب المقابل له. ولما تدخّل أحدهم ناصحا إيّاه بالتوقف عن "تصدير" أذاه، لم يعره أي انتباه ما تسبّب في مناوشات بينه وبين عدد من الطلبة الآخرين ممن انزعجوا أيضا من تصرفه. ولما تدخل أعوان الأمن لفض الخلاف وطلبوا استظهار بطاقاتهم تبيّن أن الشاب لم يكن طالبا. قصة إزعاج المدخنين للطلبة لا تنتهي في هذه الحدود، بل تعدته إلى داخل الحرم الجامعي على الرغم من القرار الذي صدر قبل أشهر يمنع بموجبه التدخين داخله في شعار "جامعة بدون تدخين"، حيث لاحظنا وأكد لنا العديد من الطلبة والأساتذة أن هذا الأمر لم يطبق بل بقي حبرا على ورق، وما عليك إلا التجول عبر مختلف كليات وانقسام التعرف مدى الاستجابة والتطبيق. إزعاج في الأماكن العامة بكل الأشكال إن ظاهرة الإزعاج المتعمد في كثير من الأحيان لا تقتصر على التدخين وفقط، بل إن عديد الأشخاص لا يجدون حرجا في إطلاق العنان لأجهزة المذياع وهواتفهم النقالة لأعلى أصواتها بالإضافة إلى أشكال أخرى من التصرفات تدل وكأن الفرد يحاول إرغام من يجلسون بجواره أو يحيطون به للاشتراك فيما يراه متعة شخصية محاولا تعميمها في مكان عمومي. الحياة الاجتماعية لا تسير على ما يرام وفي حوارنا مع المختصة النفسانية، نوال عباسي، أكدت لنا بأن هذه الظاهرة في أساسها ناجمة عن العراقيل بين الممارسات اليومية بين الناس، هذا لأن الحياة الاجتماعية في عديد الأحيان لا تسير على ما يرام ما يُنتج هذه الظواهر السلبية والتي تتعدد مظاهرها عبر الأماكن العمومية المختلفة. وكشفت بأن هذه السلوكات تعبّر عن عدم التكيف الاجتماعي، فهذا السلوك الذي يظهر في أشكال متعددة عند الناس يعبّر عن شخصية الفرد. وأضافت أن هذه الشخصية تتميز بعدم تقديرها للذات وللآخرين وبالنسبة للأشخاص الراشدين، أما بالنسبة للمراهقين فهذا السلوك يتمثل في حب الظهور أو العدوانية والتي لا يظهرها بطريقة مباشرة وإنما عن طريق الإسقاط.