في منطقة تل بسطة بمحافظة الشرقية المصرية عثر علماء الآثار أخيرا على مدينة بررعمسيس التي كانت عاصمة ملك فرعون موسى، وعثر أيضا على بعض من آثار فرعون موسى، والتي ظلت بعيدا عن عيون المستكشفين طوال المدة التاريخية الماضية، لأنها الآثار الفرعونية الوحيدة التي بليت بعد أن دمرها الله عز وجل، "الأمة العربية" نجحت في الوصول لذلك المكان المفروض عليه حظر اعلامي حتى اللحظة لحين استكمال عمليات التنقيب، فتمكنا من كشف أسرار تنشر لأول مرة حول حكاية تناولها القرآن الكريم بالتفصيل، وظلت حتى اليوم ماثلة للعيان . بمجرد رؤية تلك الصخور العتيقة وهي في حالة يرثى لها، تذكرت قول الله عز وجل : "ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون"، وبالفعل فقد أثبت العلماء أن معظم أثار رمسيس الثاني قد حاق بها الدمار ولم نجد منها إلا قطع من الأحجار مكتوب عليها اسم رمسيس الثاني، ولم تتبقى إلا عدد قليل من التماثيل التي تبين جبروت الفرعون وقوة الذي شيدها، ولو حاولنا رصد أثار رمسيس الثاني سنرى - آثار مدينة بررعمسيس وكانت العاصمة الجديدة للدولة في عهد رمسيس الثاني "فرعون موسى" لوجدنا كل معابدها تهدمت وأعمدة محطمة ومسلات مكسرة، وكانت 24 مسلة لم تتبقى منها واحدة سليمة - بقايا معبد حتحور في مدينة منف، وهي عبارة عن صخور محطمة . - قاعة العرش في معبد الرمسيوم وقد تحطمت ولم تبقى منها إلا قواعد الأعمدة فقط، كل ذلك يؤكد أن الدمار الذي حكم به الله عز وجل على بنايات فرعون لم يلحق مدينة واحدة أو منطقة بعينها، وإنما طال جميع آثار هذا الطاغية في جميع أنحاء مصر، لكن الغريب فعلا، هو دمار هذه الآثار دون غيرها من آثار الفراعين الآخرين، خاصة وأن بعض آثار فرعون كانت على مقربة من آثار تعود لأزمان أخرى، فمسها الدمار دون أن يلحق الأذى بغيرها، فسبحان الله العظيم القادر على كل شئ . كانت حادثة فرعون موسى حادثة شاذة في التاريخ المصري الفرعوني، فقد كره المصريين القدماء هذا الفرعون، في حين أحبوا نبي الله موسى عليه السلام، فالله عز وجل يقول : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي)، ويقول علماء التاريخ أن فرعون موسى لم يكن مصريا، لأن الفترة التي بعث فيها نبي الله موسى توافق الفترة التي احتلت فيها قبائل الهكسوس التركية مصر، والذين تقلد ملوكهم بفراعنة مصر، وعلى عكس حب المصريين القدماء لفراعينهم، كشفت الآثار بغضهم لتك الفترة والملوك الذين حكموهم آنذاك نظرا لوقوعهم تحت الاحتلال، فملوك الهكسوس هم الذين حولوا بني إسرائيل عبيدا، وهم من خالفوا قوانين العبادة في مصر حتى خرج فرعونهم الملعون ليعيث فسادا في الأرض ويدعي الألوهية، فعامة الشعب المصري كان هو السلطان الذي جعله الله لنبيه موسى من فرعون، يقول عز وجل في الآية 35 من سورة القصص: "قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ" فالمصريون هم الذين كان يخشاهم فرعون الذي كان يتمنى قتل النبي موسى عليه السلام ، كما أخبر الله عز وجل في سورة غافر : "وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ . وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ . وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بالبينات مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ" . ولنتوقف هنا عند اللحظات التي حل فيها غضب الله على عاصمة فرعون، وقد كانت الضربات الربانية مدمرة وساحقة لكل عمارة تلك المدينة التي كانت تسمى "بررعمسيس"، وبالاضافة الى خراب تلك المدينة الذى تم بفعل اللعنات التى انزلها الله عليها وهجرة بنى اسرائيل منها وغرق فرعون وقومه، فالدمار قد حل بجميع آثار فرعون عبر أنحاء مصر أيضا، فلم يبقى له الا القليل من الاثار المحطمة، حتى أن أحد المستكشفين والذي يدعى ريدفورد اكتشف فى سنة 1975 اثارا لفرعون بنفس الموقع الذى اكتُشف فيه تمثاله المعروض فى المتحف المصرى تم حرقها ثم دفنها بعد ذلك، فلم يتبقى لفرعون موسى الا بقايا محطمة من الآثار رغم الثراء الفاحش فى عصره، فقد قيل ان الذهب فى عصر فرعون كان مثل التراب فى مصر، ويظهر مدى الثراء فى هذه المرحلة جليا فى الكنوز التى أكتشفت فى مقبرة الأسرة المنسوبة الى فرعون . لكن كيف تمت عملية التدمير الاهية لمدينة فرعون؟، فلطالما حير هذا السؤال الباحثين، لأن المولى عز وجل لم يحدد تفاصيل العملية مثلما حدد في اهلاكه سبحانه لعديد القرى والمدن الأخرى التي حق عليهم العذاب، ففى القرأن الكريم يقول رب العزة في الآية 137 من سورة الأعراف: "وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ"، ولأن حضارة فرعون والحضارة الفرعونية قائمة عموما على المعمار والتطاول في البنيان والأصرحة العملاقة، فلابد أن أن يكون الدمار الطبيعي لمثل هكذا مدينة أن يتم بفعل زلازل قوي، ولكن حتى نظرية الزلزال تظل غامضة، خاصة وأن جميع الآثار الفرعونية عبر جميع الأزمنة والأسرات صمت مضاردة للزلازل والهزات الأرضية، ورغم عديد الزلازل التي ضربت مصر والمنطقة فان تلك الآثار قاومت وظلت صامدة حتى اليوم، وهو ما يؤكد أن الهزة التي ضربت مدينة بررعمسيس كانت أقوى وأجل من كل أنواع الزلازل المعروفة، بدليل أن الصخور التي بقيت من هذه المدينة مفتتة بشكل كلي، حتى الصخور ذات القطعة الواحدة تفتت بشكل مخيف رغم كونها من الرخام والبازلت المعروف عنهما الصلابة ومقاومة عوامل الزمن والطبيعة . لكن ورغم بقاء هذه الشواهد التاريخية التي تكشف جزء من غضب الله الذي حل بفرعون، فان المعلومات المفصلة عن عملية الدمار تظل مجهولة، فحتى الآن لم يعثر علماء الآثار على نقوش أو برديات ترصد هذا الحدث الجلل في تاريخ الفراعنة، وهو أمر مخالف لعادة الفراعنة الذين كانوا يدونوا كل كبيرة وصغيرة عن حياتهم، ويهتمون بأدق التفاصيل، وهو ما كشف لنا اليوم تفاصيل الحياة والزمن الفرعوني، فلماذا أغفل المصريون القدماء هذا الحدث رغم كونه من أكبر الأحداث التي عاشتها مصر منذ مخلقها وحتى اليوم ؟، العلماء حاولوا تفسير الأمر من ناحية شبه علمية، حيث استنبطوا من الغموض الذي حاق فترة حكم فرعون وخلفاؤه فى التاريخ المصرى نظرية اسقاط المصريين لهذه الفترة من تاريخهم، وعدم رغبتهم في التعرض لها، حتى أن فرعون أسقط من قائمة الملوك "بابيدوس"، بما يعنى انكار المصريين لهذه الفترة من تاريخهم فلذلك لم نستطيع معرفة تفاصيلها . ومن الأسئلة المحيرة أيضا في هذا الملف تتعلق بتحديد شخصية فرعون موسى، ففي حين أجمع عدد كبير من العلماء على كون "رمسيس الثاني" هو ذلك الفرعون، قال البعض الآخر أنه ليس مصريا بالمرة وانما كان أحد ملوك الهكسوس الذين احتلوا مصر، وكانوا عبارة عن مجموعة من القبائل التركية سيطرت على مصر وقت ضعفها، وهي ذات الفترة التاريخية التي بعث فيها موسى ووقت فيها تلك الأحداث الشهيرة، ويأتي رأي ثالث ليقول أن ذلك الفرعون هو "اخناتون"، ويأتي هذا اللبس والاختلاف بسبب اختلاف التوقيت الفرعوني، فالتقويم المصرى القديم ليس له بداية مثل السنة الميلادية، فمثلا نحن نقول فى سنة 2009 من الميلاد، ولكن التقويم الفرعوني كان مرتبط بالملوك، فيقولون فى السنة الثالثة من عهد الملك أمنحتب الثالث، ثم يأتى الملك الذى بعده فتقول فى السنة الأولى من عهد الملك أمنحتب الرابع وهكذا، فان سقطت فترة من تاريخه فستحدث فجوة يستحيل اكتشافها لأن من بعده سيبدأ بتقويم جديد فتكون السنة الأولى من عهد توت عنخ امون، ويقول أصحاب هذا الرأي أن اخناتون هو بالفعل فرعون موسى، ومن المعروف أن هذا الفرعون ورث الحكم عن أبيه أمنحتب الثالث، وخلفه ابنه توت عنخ آمون . ومن المثير أن العلماء المصريين اكتشفوا مقبرتين فى وادى الملوك تعودان الى عصر اخناتون، المقبرة الاولى ك 53 وجدوا بها مومياوتين أكد العلماء ان احدهما للملكة تى ام اخناتون، وذلك بعد تحليل خصلة شعر وجدوها فى مقبرة توت عنخ امون تخص الملكة تى، والمومياء الأخرى كان يرجح انها لنفرتيتى خاصة بعد العثور على باروكة نفرتيتى ووجود ثقبين فى أذن المومياء، ولكن نظرا لوجود كسور فى وجه المومياء ثبت أن صاحبتها تعرضت لها قبل وفاتها وقبل تحنيطها فاستبعدوا انها تخص الملكة نفرتيتى . أما المقبرة الاخرى ك55 فهى لمومياء كان يظن العلماء أنها لاخناتون وكانت عبارة عن هيكل عظمى مفكك، وتتشابه خلفية الجمجمة من حيث استطالتها مع رأس توت عنخ امون مما رجح أنهم من نفس العائلة المالكة، ولكن اظهرت بعض صور الاشعة للعمود الفقري والركبتين أن عمر المتوفي ربما تجاوز ال 60 عاما، و هذا ما لا يتفق مع ال 17 عاما فترة الملك المعروفة عن اخناتون، ولكن السؤال أن لم يكن اخناتون فمن هو هذا الملك فى المقبرة 55 بوادى الملوك ؟ ويضيف أصحاب هذا الرأي من أجل تدعيم نظريتهم : كانت حادثة فرعون موسى حادثة شاذة فى التاريخ المصرى شذوذ اخناتون الذى كرهه المصريين القدماء، وأيا كان هذا الفرعون فنحن اليوم نقف على واحدة من آيات الله الماثلة للعيان، نحن الآن نقف على أنقاض مدينة حل عليها غضب الله فسواها تماما بالأرض، وانطلاقا من هذه البقعة ستنطلق رحلة بحثنا عن هذه الحكاية التي امتدت فصولها جغرافيا وزمنيا ودينيا .. وفي الأيام القادمة سنكشف لكم ان شاء الله جملة من أسرار هذا الموقع وتلك القصة القرآنية الخالدة .