فكرت في قلب أوراق عاصمة الثقافة الإسلامية، من إقصاء رموزها وعلى رأسهم مصالي الحاج، مرورا بحرب الكواليس والفتن حول كعكة المشاريع "ألف مليار"، إلى جدل الخلافات بين الوزيرة ومحيط التظاهرة التي تدحرجت من جبل الثقافة إلى واد السياسة ..كلام كثير يقال، بعدما تأجلت المناسبة من جانفي إلى فبراير ثم منتصف أفريل القادم وقبلها قررت الوزيرة ترحيل الندوة الصحفية من تلمسان إلى العاصمة في وقت تساءل البعض لماذا لا ترحل كافة النشاطات إلى العاصمة. عندما تحط بك الطائرة القادمة من العاصمة بمطار مصالي الحاج تبدو ملامح الهندسة العربية الإسلامية المجسدة في القاعة الشرفية للمطار في عباءة ألوانها من نسيج أندلس جديدة، لكن اسم مصالي الحاج سرعان ما ينتهي به المقام عند الحدود الجغرافية للمطار، ورغم أن زعيم الوطنية لازال يسحر قلوب التلمسانيين، فان وزارة الثقافة قررت أن تمحو كل ماله صلة بالزعيم الذي ألهب الجزائر حماسا ووطنية في النصف الأول من القرن الماضي، رغم أن تلمسان وتحت رعاية رئيس الجمهورية احتضنت قبل نحو عشر سنوات، الملتقى الأول حول أبو الوطنية الزعيم مصالي الحاج، لذلك تسمع في أحاديث سكان المدينة همسا عن التكفير الثقافي الممزوج برائحة السياسة في ترتيب الملتقيات الدولية في تظاهرة عاصمة الثقافة الإسلامية، وهو تفكير كانت تمارسه ولازالت قوى متطرفة لا تعترف بحق الآخر في الوجود... فهل كانت فتوى إقصاء مصالي الحاج من رموز عاصمة الثقافة الإسلامية صادرة من وزارة الثقافة أم الشؤون الدينية أم هو رقيب ذاتي سكن قلوب اللجنة العلمية الإستشارية للتظاهرة وهي الزاخرة بزبدة الفكر والدين؟ وخارج أسوار قلعة المشور التاريخية التي تتوسط المدينة، هناك كان سلاطين بني زيان يتربعون على عرش نهضة فكرية وعلمية وفي شتى مناحي الحياة ، هؤلاء السلاطين وبرغم حصار جيوش الأعداء لقلاعهم فإنهم علموا "شعبهم" آنذاك كيف يرتدون لباس الصبر على المحن، مما جعل سكان تلمسان في عهدهم يطيحون بأقسى وأطول حصار على حصونهم من طرف المرينيين... اليوم تختلف الأوضاع جذريا عما كانت عليه، لكن صبر الأهالي لازال يسكن غالبيتهم، فقد تعلموه من حصار المرينيين، ومن محنة سيدي بومدين، تماما مثلما تعلمه أنصار مصالي الحاج طيلة سنوات المنفى التي قضاها زمن الإحتلال وزمن الإستقلال، إلى أن دفن في مقبرة سيدي السنوسي غريبا ذات ليلة ممطرة، ولازال صبر آل مصالي قائما، في ظل الإقصاء المتعمد لهذا الرجل الذي أثار الجدل قبل وبعد رحيله. طيلة مراحل التحضير للتظاهرة التي تأجلت فعاليات افتتاحها وطنيا إلى غاية ذكرى مولد المصطفى عليه الصلاة والسلام، وإلى السادس أفريل القادم دوليا، عاشت تلمسان على وقع "فنتازيا" سياسية أكثر منها ثقافية، وتعفنت حد اندلاع اشتباكات إدارية بسبب حكاية الألف مليار ومليار وهو الغلاف المالي الذي رصدته الخزينة العمومية لمشاريع "الثقافة الإسلامية"، اشتباكات كادت أن تشعل ثورة قبل أن تتدخل رئاسة الحكومة ووزارة الداخلية لفض الإشتباك. الصراع الذي اندلع حول أموال التظاهرة ومشاريعها أطلح في النهاية بعدد من المسؤولين المحليين، لكنه لازال قائما في كواليس وزارة الثقافة، ولم يعد سرا الحديث الدائر في بعض منتديات تلمسان وفي أروقتها المحلية عن وجود ثلاثة تيارات، الأول الذي دافع عن ملف قسنطينة عاصمة للثقافة الإسلامية، والثاني الذي طرح ملف بجاية عاصمة للحدث، والثالث الذي أعد ملفا عن غرداية عاصمة للثقافة الإسلامية، وتؤكد هذه الدوائر أن الغلبة كانت لرأي آخر طرح ملف تلمسان لإحتضان التظاهرة، وهو ما انعكس بشكل أو بآخر على وتيرة التحضير للحدث، ونعود لسرد مسار الخلافات التي عرفتها أو بحلول شهر أكتوبر من السنة الماضية، كان الخلاف قد تجدد بوجه آخر، بين وزيرة الثقافة ووالي الولاية، وقبله كانت الوزيرة لمحت في ندوة صحافية عقدتها بتلمسان في نهاية شهر سبتمبر 2009 إلى أنها ليست وزيرة للشؤون الدينية، وكان هذا التصريح أو التلميح كافيا لإشعال حريق بين الوزارتين، إنتهى بتولي الوزير غلام الله شؤون برمجة الملتقيات الفكرية والدينية، من خلال سيطرة إطارات وزارة الشؤون الدينية ومستشاريه على أمر اللجنة الإستشارية لتظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية. وسط كل هذا النقاش الذي ظاهره أقل مما هو خفي منه، لا يبدو أن للثقافة مكان في تظاهرة تحولت من الثقافة إلى السياسية، بفعل الخلفيات والمؤامرات.تظاهرة يصبح فيها للمقاولين الدور البارز بينما يتحول فيها دور المثقف إلى عنصر ثانوي مثله مثل ملصقات الترحيب و"التطبيل والتزمير" على طريقة حمار الحكيم الذي تعلقنا بحكاياته ونحن صغارا وفهمنا عمق معناها ونحن كبار، لكننا لم نقلب صفحاتها منذ أيام المدرسة.