ما زال زوجها يعاتبها ... لكن الله لم يقل لك عيشي في الأوهام، وضيّعي حياتك من أجل الوهم .. وأخذ يذكّرها بأن لديها أولاد وبنات يجب أن تفكر في مستقبلهم، وبالظروف الصعبة التي تعيشها العائلة ... لم تشأ سماعه، أدت صلاة الاستخارة كعادتها، ودخلت فراشها، التفتت إلى الجهة الأخرى ... وهي تقول في نفسها: نعم أدرك جيدا وضعية الأسرة، لكن الأمر ليس بيدي ... نهضت من نومها مفزوعة جراء ما تراه كل ليلة من كوابيس. نظرت من حولها، البيت كان فارغا .... الأولاد ذهبوا للدراسة، ووالدهم ذهب للبحث عن العمل كعادته ... شعرت بألم في رأسها ودوار، ما زال ذلك الكابوس يؤثر فيها، وصورة تلك المرأة السمراء باتت تلازمها، والمئزر الأخضر، والرواق الطويل المظلم، وصراخ النسوة، أطباء وأطفال، ... صور من الماضي لا زالت تعيش فيها، وتحضرها، كلما رأت ذلك الحلم المزعج ... فنجان من القهوة قد يساعد على الاستفاقة للبدء في عملها اليومي. مائدة الإفطار كانت معدة، أعدتها نادية قبل ذهابها إلى الثانوية في الصباح، ارتشفت قهوتها ببطء، ولما أنهت قهوتها، أخذت تقلب الفنجان بين يديها، وتتأمل ما بقي فيه: - لو كنت أعرف قراءة ما يقوله لي الحظ، لسألته عنه، هل سيعود أم لا ..... ثم تفطنت إلى ما تقوله.. أستغفر الله.. ما الذي أقوله؟ الأفضل أن أقوم وأبدأ بعملي .... بدأت أولا بتحضير طلبية "الكسكس" التي طلبتها منها إحدى السيدات، ستمر عليها بعد يومين لأخذها، وعليها كذلك أن تحضر طلبيتين من الكسكس، والرشتة، لسيدة أخرى، ينقص الطلب على الأكلات التقليدية في الشتاء، ولكن لديها بعض الزبونات تعودت التعامل معهن والفضل يعود إلى جارتها التي عرّفتها بالعديد منهن. - سيأخذ مني ذلك الكثير من الوقت .... يجب أن أسرع حتى أنهي الطلبية، قبل أن يظهر رياض على التلفزيون ... هي مشاهِدة وفية لحصته "وكل شيء ممكن.." تتابعها منذ انطلاقها في ال 1993 . أمضت اليوم بأكمله مع العجين، لم يكفها الوقت لتحضير العشاء، كلفت فؤاد بأن يشتري البيض، اليوم سيتعشون بيضا مسلوقا، ليس من خيار أمامها، لقد كانت متعبة ولن يكفيها الوقت لإعداد العشاء على الرغم من تذمر الأولاد من أكل البيض. ما إن وصلت الساعة التاسعة ليلا، موعد بث الحصة، حتى قابلت التلفزيون ... وطلبت من الجميع التزام الصمت ...