^ الرئيس يدعو وزراءه إلى فاتورة الاستيراد والشباب إلى الابتعاد عن الفتن عرّج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في رسالته التي وجهها بمناسبة الافتتاح الرسمي لتظاهرة قسنطنية عاصمة الثقافة العربية، على الحديث عن الظروف التي تمر بها الجزائر في الظرف الراهن بسبب انهيار أسعار البترول في السوق الدولية وإعلان حالة التقشف، حين أكد على أن الجزائر في حاجة إلى اقتصاد قوي وإلى نظام تربوي محكم متطور.الرئيس وفي الكلمة التي ألقاها نيابة عنه، مستشاره السيد زرهوني، أشار في رسالته إلى أن بلاده تسعى جاهدة إلى التقليص من فاتورة الاستيراد بعدما وجه نداء صارخا يؤكد من خلاله على أهمية تطوير اقتصادها حتى يأكل أبناؤنا مما تخرجه أرضهم، ويلبسوا مما تنتجه مصانعهم، ويبدعوا ويتخذوا ثقافتهم مرجعية للتفكير والحياة. وإننا نعمل -يضيف الرئيس- من أجل أن تكون المنظومة التعليمية الوسيلة المثلى لترسيخ هوية أبنائنا، وذلك من خلال تقوية مداركهم وتفتيق ملكاتهم وتفتحهم على الثقافات واللغات العالمية لا سيما منها لغات الأنترنت والعلوم والتكنولوجيا، وذكر أن المرحلة التي نمر بها حاليا هي مرحلة فارقة في مسيرة أمتنا، ولهذا السبب بالذات -يؤكد الرئيس- أردنا أن نستحضرها معكم أيها الأشقاء. وليس هناك أفضل من الإبداع الأدبي والفكري والفني للتعبير عن الجوانب المشرقة في تاريخ كل شعب، فما بالكم والموضوع هاهنا يتعلق بالحرية في المقام الأول «لقد تقاسمنا، بالأمس، تضحيات الثورة الجزائرية وويلاتها، وها نحن اليوم نتقاسم محنة فلسطين الصامدة الثابتة على طريق استعادة حق شعبها في دولته المستقلة التي تكون، بإذن الله «القدس» عاصمتها. وشدد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، على ضرورة الاهتمام وبشكل كبير بالثقافة باعتبارها قوام الأمة، والإسمنت الذي يرص بنيان وحدتنا، وبالتالي -يضيف الرئيس- أنه يتعين تعزيزها وتعميقها والارتقاء بمختلف أشكالها وأساليبها لضمان أمننا الثقافي في خضم العولمة الجارفة، وتوفير أسباب مناعة تعصم شبابنا من أن يكون فريسة للتطرف الديني والتعصب المذهبي، وتدعوه إلى الاعتداد بكل ما هو مشرق في تاريخ أمتنا والتباهي به مع الابتعاد عن النعرات والفتن، وعن كل ما يفرق بين الأخ وأخيه، وبين الإنسان والإنسان. وقال الرئيس بالمناسبة، إنه أضحى من الضروري إثراء منظومتنا التعليمية بالمحتوى الثقافي النابع من تاريخنا ومن إبداعات مؤلفينا وفنانينا لإيصال رسائلهم النابضة بالوطنية ومكارم الأخلاق الناصعة إلى الأجيال الصاعدة، مؤكدا أن الجزائر تجتهد من أجل النهوض بثقافة العلوم الدقيقة النافعة التي تؤهلنا لمواكبة التطورات، وتؤسس لإشاعة المنهج العلمي في التفكير والإبداع، وبالتالي تمنحنا القدرة على مواجهة تحديات العصر بعقلانية وفاعلية، وهو ما من شأنه أن يعطي بعدا حيويا للمجال الثقافي ويسمح بفهم صحيح لتراثنا الحضاري. وفي هذا المقام، وجه الرئيس نداء إلى المثقفين والمفكرين والعلماء والأدباء، من أجل بذل ما بوسعهم لنشر ثقافة الاعتدال والتنوير لتكون درءا وحصنا منيعا لنا جميعا في وجه دعاة الجهالة والظلامية. الرئيس بوتفليقة، ذكر في كلمته، إن قسنطينة ما فتأت تضطلع بدور ثقافي ريادي، ذلك أن علماءها اشتهروا بغزارة التأليف في شتى العلوم والمعارف، حتى أنهم كتبوا في مواضيع لم تسبق لغيرهم الكتابة فيها، كأضرار التدخين والمخدرات، على سبيل المثال لا الحصر. كما اشتهروا بكثرة التنقل بين مدن الوطن، وبالترحال إلى المشرق والمغرب وبالانتساب إلى أقطارهما، وهو ما يعكس جوا ثقافيا وحركة دائبة للطلبة والعلماء، ويبين بوضوح أن العالم المسلم كان يحظى، أنى حل وارتحل، بالترحاب والحفاوة من قبل الملوك وحماة الفكر ورعاة الثقافة، وكأننا نرى مواطنة متجسدة ثقافيا وروحيا ولغويا. ومقابل ذلك، تعهد الرئيس بالحرص كل الحرص على نجاح هذه التظاهرة الثقافية بتفاعلنا الإيجابي مع مساهمات كل البلدان العربية الشقيقة التي ستدلي بدلوها فيها والاستفادة منها، ونهل ما سيعين القائمين على قطاعنا الثقافي على مواصلة تفتيق القرائح في جميع المجالات الثقافية. هذا، وتوجه الرئيس إلى النخبة المثقفة العالمة، بنداء لها قائلا «سنواصل العمل بإسرار على توفير الظروف المشجعة لها، حتى تجد مكانتها المستحقة في بلدها»، وفي كل الأحوال -يضيف الرئيس- ستتاح لهؤلاء كلهم فرص المشاركة إيجابيا في النهوض بجزائرهم الغالية العزيزة، فيما حث بنات الجزائر وأبناءها على التحلي بفضيلتي العلم والوطنية. وأوضح الرئيس أنه يرغب في رؤية الشباب الجزائري الصاعد الواعد، يحمل مشاعل سلام وتنوير وحضارة وإنسانية وحملة الأمانة وحماة الرسالة، رسالة الذين ضحوا من أجل انعتاق الجزائر وعزتها وسؤددها، مشيرا إلى أن أبناء الجزائر مطالبون اليوم بمجابهة النزعات الهدامة بكثير من الإبداع وبالفكر المستنير واستعادة أمجاد هذه الأمة وكسب مودة الآخر وترقية قيم التسامح والمصالحة والوئام والتمسك بالوحدة الوطنية في كل النزاعات العربية، لا باعتبارها مقتضيات سياسية فحسب، بل باعتبارها قيما ثقافية وحضارية إنسانية في المقام الأول. وقال الرئيس في كلمته دائما، إننا نتقاسم ضروبا من الأحزاب والآلام بسبب التدمير الذي طال عددا من البلدان العربية التي تمتحن في أمنها واستقرارها ووحدتها «إنها لفترة تاريخية عصيبة، تتطلب منا جيمعا مزيدا من الالتحام والتعاضد في سبيل حقن نزيف جسم هذه الأمة المنهكة وإعادة بناء الحلم العربي على أساس المصلحة العربية.. فليكن العمل الثقافي على رأس جهودنا من أجل استدراك ما ضاع منها، وما أضعناه بأنفسنا، مستنيرين بالقيم الجامعة لنا من هوية وتاريخ ودين ولغة»، موضحا أن هذا المنظور يعتبر الأمثل والأنجع لإذكاء مشاعر الانتماء الواحد وتمتين وشيجة الأخوة التي لا تنفصم ولا تنفصل عراها، وإيجاد القدرة على مواجهة الآخر والمنافحة عن الذات، والدفاع عن الحق، والتطلع نحو مستقبل لا يمكن أن يبنى بغير عقول الأجيال العربية الصاعدة وسواعدها.