بعد تحليل مختلف جوانب سبر الآراء يتبين أن النسبة المسجلة في مؤشر المقاطعة ليست استجابة لدعوة المعارضة أو الداعين للمقاطعة، وإنما هي نتيجة حتمية في ضل غياب البديل، وعزوف الجزائري على الانتخاب كسلوك سياسي واجتماعي، بعد التجارب السلبية الماضية. أكدت نتائج سبر الآراء التي أجرته "النهار" أن المواطن الجزائري مازال يتعامل مع النظام بعقلية "البايلك" مع غياب الحس الجماعي وطغيان الحس الفردي، حيث يظهر ذلك جليا من خلال الشق الخاص بمطالب المواطن من المترشحين، حيث غابت المطالب الجماعية والمتمثلة في القضايا السياسية والمسائل المتعلقة بالأمة، ومصيرها الجماعي كالمطالبة بالحريات العامة، والسياسية وتوفير الديمقراطية، كما تبين ان الجانب الثقافي مهمل بالنسبة للفرد الجزائري حيث جاءت مؤشر تحسين التعليم والتكوين في مؤخرة المطالب، في حين طغت الفردية والمطالب الاجتماعية البدائية والمتمثلة في رفع الجور وتوفير ضروريات الحياة كالسكن والشغل وغيرها من متطلبات الحياة اليومية، فكل مواطن يبحث عن الشخص الذي يقدم كل شيء، ويستجيب لطلبات كل فرد على حدا، وحسبما جاء في إجابات المواطنين فإن مقاطعة الانتخابات لا تعني بالضرورة معارضة النظام، إنما هي مقاطعة طبيعية. من جانب آخر تبين النتائج المستقات من سبر الآراء، أن عزف الجزائريين عن الانتخاب ليس مرده الاستجابة لبعض المطالب الداعية للمقاطعة، وإنما المر نابع من قناعات شخصية بعيدة كل البعد عن الاستجابة لأي أطراف. كما أن المعارضة الموجودة حاليا ليست معارضة قدمت البديل بل هي معارضة من أجل المعارضة، على اعتبار أن الشعب لم يدخل في الحياة الديمقراطية، وبالتالي فالسلوك الانتخابي يدخل في هذا الإطار الشخصي، نتيجة التجارب الفاشلة التي مر بها المجتمع الجزائري مع المواعيد الانتخابية إلى جانب الاتجاه العام للحياة العصرية لكل شعوب العالم والتي تميل إلى العزلة والانفرادية، والهروب من المسؤوليات والواجبات الوطنية، أما فيما يخص المشاركة في النشاط السياسي فقد أكدت النتائج تطليق الجزائري للنشاط السياسي والجمعوي، بحيث أكد أكثر من 60 بالمائة من المستجوبين عدم انتمائهم لأي حزب وكذا عدم تعاطفهم مع الجمعيات والمنظمات المجتمع المدني. وفيما تعلق بمتابعة برامج المترشحين أكدت نتائج الاستبيان أن الجزائريين يفضلون التعرف على البرامج بطرق بدائية شفوية، عن طريق الأصدقاء وحديث الشارع بدلا من الاطلاع على البرامج الانتخابية بالطرق العصرية، مما يؤكد تمسك الجزائري بالأنشطة الجوارية البسيطة، وعدم تأثره بوسائل الإقلاع الحديثة. كما تشير التحاليل إلى عدم تأثير جنس المترشح في الانتخاب، حيث جاء ترتيب عامل جنس المترشح في ذيل قائمة العوامل المؤثرة في اختيار المترشحين وبنسبة جد مرتفعة، وهو ما ينفي عدم قبول الجزائري للعنصر الأنثوي في دواليب الحكم، من جانب آخر يبين السبر تراجع تأثير المد الديني والروحي على المواطن الجزائري، خاصة في خطاب الحملة الانتخابية، حيث أكدت الشريحة الهامة من المستجوبين عدم اعتمادهم على مبدأ الدين في اختيار المترشح، تفضيلهم للخلفية السياسية للمترشح ومسيرته النضالية. وفي السياق ذاته لاحظنا ان نسبة المترددين من مشاركتهم في الانتخابات أو اختيارهم للمترشحين يؤكد ضعف الحملة الانتخابية للمترشحين الستة، وهو ما جعلهم لا يختارون، إضافة إلى تقارب مستوى المترشحين الخمسة المنافسين للمترشح المتفوقين سبر الأراء.