فقلت:''أنني وفي غرفة الانتظار وجدتهم مجتمعين كلهم، الجنرالية والأميرالية والباقين، وفي أوجههم إمارات الخطورة، وعندما كنا نتنقل إلى مجلس اللورد كرزن قال أحدهم: ''الظاهر أننا لعبنا الجواد الخاسر''، وقد افتتح اللورد كرزن المؤتمر قائلا:''لقد اجتمعنا هنا قبل شهرين، وتوصلنا إلى قرارات اتخذ ما يلزم لتنفيذها، ونجتمع الآن للنظر في نتائج ما عملنا تنفيذا لتلك القرارات. فإن الحسين يعد أن خولناه، بعث بجيشه بقيادة ولده عبد الله لاحتلال الخرما. وقد خابت استطلاعه في اكتشاف ما يدل على وجود أي تحشد وهابي أو على اتخاذ أي عمل مقابل. غير أنه في الساعات المبكرة من يوم 19 مارس، انقض الوهابيون بقوة من جميع الجهات على معسكره، ففر عبد الله وضباط أركانه على ظهور الجياد إلى الطائف، وقضي على بقية جيشه. هذا ماكان من ناحية القتال، أما من النواحي الأخرى؛ فإن وكيلنا في جدة يخبرنا بانتشار الرعب والفزع هناك وفي مكةوالطائف، حيث أخذ السكان يتقاطرون منها إلى جهة الساحل، وفي ضمنهم 11.000 من رعايا بريطانية الهنود. وهو يخبرنا أيضا أن الوهابيين يتقاطرون شرقا معقبين عبد الله تعقيبا سريعا، والمتوقع أن يصلوا الطائفومكة عاجلا. وهو يأمل تفشي الأمراض الوبائية بين اللاجئين المزدحمين في جدة، حيث يشح الماء وتنعدم الترتيبات الصحية، وعلى هذا فإنه يطالب على الأقل بحماية اللاجئين العسكرية السادة، وبإرسال البواخر لنقلهم إلى أوطانهم بأسرع ما يمكن. هذا هو، أيها السادة، الموقف الذي يتحتم علينا النظر فيه، ولانعلم مقدار التدني الذي طرأ على الموقف منذ الوقت الذي بعث فيه البرقية قبل ستة أيام، وعلى هذا ماذا في وسع الأميرالية أن تصنعه لنا فيما يختص بالبواخر أولا؟ وعندئذ تكلم الأميرال الأقدم قائلا:''لدي تعليمات بأن أوضح للمؤتمر أنه بالنسبة لقلة البواخر المتوفرة لدينا في الوقت الحاضر، ليس في وسعنا تهيئة حتى باخرة لهذا الغرض، فكيف بنا وهذا الأمر يحتاج إلى دزينة من البواخر أو مايقارب ذلك''. فرد اللورد كرزن بقوله:''إذن ماذا في وسع وزارة الحرب أن تفعله لنا؟ حيث لايمكن أن تدع هؤلاء الناس يذبحون بدم بارد من قبل الوهابيين''ياسيدي،لايخامرني أي شك بأن الكتاب حالما يصل إلى الرياض، فإن إبن سعود سيبادر إلى تعبئة قواته في الحال، فيسير إلىالدفاع عن الخرما. حيث أنه كان قد وعد بذلك، سواء دفعت إليه المنحة المالية أو قطعت عنه، فإنه سوف يبر ذلكالوعد. وقد سبق لي أن أبديت لكم برأي في النتيجة المحتملة الوقوع''، وقد انفض المؤتمر في جو من الصفاء العام،بعد أن سخف رأي المدافع عن الشر، وكان الجميع يعتقدون بأني كنت مخطئا. فرددت ''أنشودتي'' العربية الأخيرة،وفي طريق عودتي إلى البيت توصلت إلى قراري حول المستقبل الذي أيدتني فيه زوجتي. حيث قررنا الرجوع إلىالهند في تشرين الثاني، وفي الوقت نفسه وجب علينا إيجاد مدرسة ابتدائية مناسبة نضع فيها ولدنا البالغ من العمرسبع سنوات، وقد اشتغلت شغلا متواصلا بالمادة الجغرافية المتوفرة لدي حتى بداية شهر مارس، عندما أغلقنا بيتنافي لندن، وتوجهنا إلى إيستبورن، حيث مكثنا شهرا واحدا، فتشنا فيها عن مدرسة مناسبة، وفي صباح يوم الإثنين فيمنتصف الشهر، تسلمت رزمة من المكاتيب كان قد بعثها إلي طباخنا الذي كان يمر بدارنا في لندن بين حين وآخر،فكانت بينها برقية مؤرخة بتاريخ الجمعة الأخيرة تنص على ما يلي:''أن حضورك مطلوب عاجلا، يعقد الدوائر فيالخامسة من بعد ظهر اليوم، وزارة الخارجية - يونغ. وعندما فاتني حضور المؤتمر على هذه الشاكلة، حررت كتاباإلى يونغ أوضحت فيه سبب تغيبي، وعبرت عن أملي بأن كل شيئ سائر على مايرام، وجوابا على هذا مستعجلةجدا، أبرق الوقت الذي يمكنك فيه الحضور''، فأبرقت ردا على ذلك بما يلي: ''سوف أحضر إلى وزارة الخارجيةفي الخامسة اليوم الثلاثاء''.