جنح الإعلام المصري هذه الأيام إلى التهدئة بشكل أثار الكثير من الشكوك والأسئلة عن حقيقة هذه التهدئة، ما إذا كان صوت العقل قد تكلم ونطق أخيرا من داخل بعض النفوس المريضة؟ أم هو الخوف من تكرار ما يصفونه ب "أحداث أم درمان"، وفي كل الحالات فإن الجزائريين الذين مسوا في كرامتهم، وفي تاريخهم، وفي أشياء أخرى من طرف بعض الزنادقة، والذين ردوا بعنف وكيفما استطاعوا، كل حسب قدرته على هذه التجاوزات، قادرون على نسيان كل شيء وفتح صفحة جديدة خاصة ما إذا كانت نية هؤلاء سليمة لأن السن بالسن والعين بالعين والبادئ أظلم، والتاريخ يشهد من كان السبّاق إلى التجني علينا، ومن كان المبادر بأن يدعو الله لينكد علينا أمام رواندا، الجزائريون لا يرفضون يد الصلح، فهم الذين قالوا نعم لمشروع المصالحة الوطنية في البلاد وجسدوه، لكنهم سيردون بطريقة أقسى وأشد وأعنف إذا نقض هؤلاء الهدنة، خاصة أن التاريخ يشهد على المواقف المتقلبة لهم لاسيما شوبير الذي استقبل في الجزائر استقبال الفاتحين، فقال فينا شعرا، قبل أن ينقلب على عقبيه ويقول فينا هجاءً من قناة "الحياة" التي مارس فيها حماقاته. المصريون الذين حولوا مباراة كرة القدم في وقت مضى إلى قضية دولة، ودعوا رئيس بلادهم للتدخل وقطع العلاقات معنا رغم أنه الخاسر الأكبر من توقف التعامل الإقتصادي والتجاري معنا، آمنوا على ما يبدو أن الأمر في النهاية ليس إلا مجرد مباراة كروية، تدوم 90 أو 120 دقيقة، لا يجوز تحميلها ما لا طاقة لها به، لهذا السبب على ما يبدو لا يتكلم الجزائريون كثيرا هذه الأيام عن مصر، رغم أن المنتخبين يلتقيان في الدور قبل الأخير، في مباراة ينتقل فيها الفائز الى المباراة النهائية، لا يتكلمون كثيرا لأن المصريين يقولون خيرا إلا بعض الشواذ الذين لا نحسبهم إلا مرضى بحاجة إلى أطباء وليسوا صحفيين بحاجة إلى نقد وتقويم، لا يتكلم الجزائريون لأنهم ملوا من الكلام عن مصر، وعن منتخبها وملوا من الحديث عن القنوات التلفزية المصرية، في وقت كان من المفروض أن يتكلموا عن "الخضر" وإنجازاتهم الباهرة وما يفعلونه أمام منتخبات تفوقهم خبرة وأسماء، لكن يفوقها رفقاء زياني روحا وطنية وانتصارية، على هذا الأساس كإعلام جزائري وكمنبر دافع عن الجزائر في عز الغارات الإعلامية وردا على القنوات الخاصة نرحب بالمصالحة ونرحب بالعودة إلى جادة الصواب، لأننا في النهاية إخوة في الدم والدين والعرق، ولكننا لن نسكت ولن نصمت عندما يتعلق الأمر باستباح المحرمات، نقبل أن تتحدثوا لساعات وتحللوا منتخبنا كيفما تشاؤون، لكن أن تترجلوا من على فرس المنطق، وتتكلموا عما لا شأن لكم فيه، عن الجزائريين وتاريخهم، فانتظروا ردا أعنف وأشرس. الإعلامي معروف يطالب السفارة الأنغولية بالجزائر عدم منح تأشيرات للجزائريين!! واصل الإعلامي المصري محمود معروف، تهجمه على الجزائر في سياق اتهامه مناصري المنتخب الوطني بالهمجية والتعدي على المصريين في أم درمان خلال المقابلة الفاصلة شهر نوفمبر الماضي، بل تمادى كثيرا في خرجة مفاجئة ووصل به الحد إلى اعتبار أنغولا الضحية الجديدة لأنصار "محاربي الصحراء" وأن الجزائريين سيعيثون فسادا في بانغيلا، خاتما حديثه بجملة "الله يكون في عونهم". معروف الذي كان ضيفا على حصة "العاشرة مساء" بقناة دريم أطنب في حديث عمّا أسماها "أحداث السودان"، بالرغم من مشاهدته للمقابلة من وراء شاشة التلفزيون بالقاهرة ووصل به الحد إلى مطالبة السفارة الانغولية بالجزائر عدم منح تأشيرات لأنصار "الخضر"، من جهتها منشطة الحصة الإعلامية المعتدلة منى الشادلي التي أخدت موقفا مشرفا خلال أيام العدوان الإعلامي المصري على الجزائر، حاولت في الكثير من المرات دعوة ضيفها إلى تغليب العقل وجعل هذه المقابلة فرصة للمصالحة بين الأشقاء وتقوية الروابط بين الشعبين العربيين، إلا أن الحقد الدفين الذي يكنه المسمى "معروف" للشعب الجزائري أعمى بصره وبصيرته وفسح له المجال ليتكلم بصورة لا تشرف المصريين لا سيما من يسمون مجازا "قادة الرأي".