قد يلتقي فريقا الجزائر ومصر في نصف النهائي لكأس أمم إفريقيا، وليس في نيتي العودة إلى تلك الأحداث الكروية التي تزامنت وأعقبت مباراتي القاهرة وأم درمان والتي جعل منها إعلاميو مصر عنوانا صارخا للحماقة والتهور والغباء، فمن منطلق الحرص على ما يجمعنا كإخوة، حتى لو اختلفنا سياسيا في الكثير من القضايا الجوهرية، فإني لا أريد أن أنكأ جراحا لا تزال ساخنة أو أفتح ملف الأحقاد التي تسبب فيها أولئك الذين أساؤوا إلى مصر قبل أن يسيؤوا إلى الجزائر. لقد وقع ما وقع، لكن لا ينبغي أن ننسى ما حدث، حيث أن عدم التوقف عنده لدراسة أسبابه وعلاج تأثيراته سوف يؤدي إلى تكرار حدوثه، خاصة وأن هناك نفخا في الجمر لإحياء تلك النعرات الملعونة التي تتاجر ب" بضاعة فاسدة" والتي تعمدت الإساءة إلى الجزائر والتطاول على تاريخها ورموزها وشهدائها، عبر حملات الشتائم والإساءات التي أبدع فيها إعلام الفتنة، وهو الذي جعل أعداء الأمة- العربية طبعا- الأكثر سعادة بتلك الحرب القذرة غير المبررة. إذن، لست هنا في وارد الرد على تلك الحملة الظالمة التي فجرتها شوفينية قاتلة ولا حتى مجرد الحديث عنها أو التذكير بها، لأني أعتبرها ورقة سوداء، ملطخة بما لا يشرف وبما لا يدعو إلى الاعتزاز وبما ينبغي أن يدان، خاصة أولئك الذين تسببوا في كل ذلك الاحتقان وفي تعكير صفو العلاقات بين شعبين شقيقين يربطهما مصير واحد وتاريخ من النضال الطويل. أدرك أن مثيري الفتنة لن يلتزموا جحورهم المظلمة، بل ستكون لهم جولة أخرى في سياق المعارك المقيتة والمهلكة، وليست تلك التصريحات الرخيصة التي أطلقها ذلك الصحفي الأحمق قبل أيام عن " الجزائر التي لا تستحق الاستقلال...." إلا مؤشرا على أن ذوي النفوس المريضة، الذين يتسترون تحت عباءة كرامة مصر والمصريين، هم بصدد الإعداد لمعركة التحريض والشحن والتهييج. لقد مرت مصر، وهي الشقيقة التي كانت وستظل، ب " محنة سياسية" – على رأي الكاتب الكبير أنيس منصور- الذي تساءل بمرارة: كيف انتقل اللعب إلى أسوأ أنواع الجد، حيث كتب يقول: فجأة وجدنا أنفسنا في حالة حرب.. وبدلا من تقوم الصحافة بإلقاء الماء على الحريق، ألقت عليه البنزين.. في لحظات نسينا كل التاريخ العظيم بين البلدين، ماذا فعلوا لنا وماذا قدمنا لهم.. إن الرئيس السادات في قصة حياته " من أوراق السادات" يبدي عظيم الامتنان للشعب الجزائري الذي اشترى لنا السلاح والذي أرسل قوات تحارب معنا ضد إسرائيل.." وتزداد مرارة الكاتب أنيس منصور وهو يتساءل: " هل نسينا ذلك، الصغار لا يعرفون شيئا من ذلك، لا يعرفون ما الذي فعله بومدين ولا بوتفليقة..وشب النار في كل ما بيننا وطاشت كلمات وتهديدات وإنذارات وصرخات بمقاطعة الجزائر.. نقاطع الجزائر، ذلك الشعب العظيم.. سوف تعود مصر إلى الجزائر وسوف يتعانقان، ولكن سوف تبقى تلك الأحداث نموذجا رديئا لما يجب أن تكون عليه العلاقات بين الأشقاء". إن هذه الكلمات ليست أكثر من دعوة لوأد الفتنة في المهد، ذلك أن علاقات البلدين أكبر بكثير من مباراة في كرة القدم، لا تحتمل أكثر من فائز واحد، وقد كان الانتصار من نصيب الفريق الجزائري عن جدارة وكان على مصر، بنظامها وصحفييها ومثقفيها وفنانيها، أن تتقبل الهزيمة دون الوقوع في تلك الصدمة التي أضاعت البصر والبصيرة. إني أدرك أن لكرة القدم خصوصا تلك الجاذبية القوية للحماس الزائد الذي يحجب رؤية الأشياء بحجمها الحقيقي وبمقاييسها الطبيعية، وأن للرياضة عموما صوتا أعلى قد يطغى في غالب الأحيان على صوت العقل والمصير المشترك لبلدين محكوم عليهما أن يكونا معا، حتى وإن اختلفا سياسيا وشاءت الأقدار أن تفرق بينهما كرة القدم. إن الغضب ما يزال كامنا في النفوس، وإذا كان باب الحساب والعتاب يبقى مفتوحا فإن المطلوب هو سد أبواب الفتنة، ولعل بداية البدايات هي التزام أولئك المرتزقة الصمت وعدم إطلاق الاتهامات العشوائية والسباب في كل اتجاه، خاصة وأنهم لم يكتفوا بالإساءة إلى الجزائر شعبا ودولة ورموزا بل أحرقوا رايتها الوطنية ووضعوها في حظيرة الكفار. إذن، حذار من أن ينحدر اللعب إلى أسوأ أنواع الجد، لذلك يجب ألا ننسى ما حدث حتى لا تتكرر تلك الأحداث المؤسفة وحتى لا يصبح نعيق الغربان هو الصوت الأعلى، في مباراة لن تدوم أكثر من تسعين دقيقة، يجب أن تنتصر فيها الروح الرياضية وأواصر الأخوة ووشائج الانتماء الحضاري. "إذا أردت أن تلعب بمشاعر الناس فاملأ رؤوسهم بالأكاذيب المصنوعة" [email protected]