هل نخبر من لا يعرف تاريخ الجزائر أن الجيش الفرنسي العرمرم أوقفته المقاومة الجزائرية بقيادة ابن زعموم، لمدة ثلاث سنوات (من 1830 إلى 1833) عند وادي الحراش، وأن الأمير عبد القادر واجه الجيوش الفرنسية بقيادة أكبر الماريشالات والجنرالات الفرنسيين وانتصر عليهم. * هذه المعلومات ليست من عندنا فهي موجودة في كتب ألفها الفرنسيون والأمريكان الذين عايشوا تلك المراحل وعرفوا قوة الجزائري وبطولاته. هل نقارن هذا بما اقترفته قيادات البلدان التي عجزت حتى عن تحرير أراضيها والتي تستقبل أعداء الأمة العربية بالأحضان في نفس الوقت الذي تسمح فيه بتوجيه دعاية الحقد والكراهية ضد شعب كامل. هل نذكركم بأن رئيسكم وجه، من أشهر قليلة، رسالة إلى الرئيس الإسرائيلي يهنئه فيها بذكرى إعلان الدولة الإسرائيلية على تراب فلسطين؟ هل تريدون منا أن نعود إلى أيام الثورة التحريرية الجزائرية لنقول عنكم أشياء أردناها أن تطوى مع الزمن لأنها لا تشرفكم كدولة عربية؟ الله يعلم أننا لا نريد أن نفسد العلاقات بين البلدين رغم أنها قطعت بين الشعبين. * * الشرخ الكبير * * العلاقات فسدت وانتهى الأمر، فعندما يهدي كاتب جزائري هو محمد لعقاب أستاذ التعليم العالي، الذي تعلم بالعربية وخاض معارك من أجلها، عندما يهدي كتابه المعنون "مصر التي أسقطتها كرة القدم" إلى زوجته لأنها "لم تعد تشاهد المسلسلات المصرية"؛ وعندما تلقي طفلة في سن الرابعة من العمر بشكلاطتها المعتادة عليها من زجاج السيارة، ولما يسألها والدها بحيرة لماذا فعلت ذلك أليس هذا النوع الذي تريدينه كل صباح قبل الذهاب إلى الروضة فتجيبه بكل براءة الأطفال: "هذه شكولاطه مصرية، وأنا لم أعد أحبها"؛ وعندما يصارحني صديقي الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي الذي تفرض عليه نشاطاته الإعلامية متابعة ما يبث في مختلف القنوات التلفزيونية، بأن أم أبنائه، وهي أستاذة جامعية، تلومه على مشاهدة القنوات المصرية وتعتبر ذلك "خيانة عظمى"؛ عندما يحدث كل هذا فهل يمكن الحديث عن العلاقات بين الأشقاء؟ أين وجد الشقيق الذي يقول عن شقيقه إنه لقيط؟. وأين هو هذا الشعب الشقيق الذي يقبل أن يسب ويشتم ثم ينسى وتعود الأمور إلى سالف عهدها وكأن شيئا لم يقع؟ * السلطة في الجزائر منعت، منذ نهاية مقابلة أم درمان، القنوات الإذاعية والتلفزية، والتي هي كلها ملكية عمومية، من التعرض لمصر أو الرد على دعايتها بما في ذلك تصريحات الرسميين وابني الرئيس. نفس السلطة الجزائرية وجهت تعليمات، عشية مقابلة نصف النهائي بأنغولا، لوسائل الإعلام العمومي بالحديث عن التهدئة وعن كون المقابلة تجري مع فريق من بلد شقيق وأن العلاقات الجزائرية المصرية هي أعمق من مجرد مقابلة في كرة القدم.. هذا ما فعلته السلطة في الجزائر، لكن ذلك لم ولن يغير من الموقف الشعبي شيئا، ستبقى مصر في ذهن ومخيال الأجيال الجزائرية، من سن الرابعة إلى المائة سنة، مرادفة للبلد الذي شتم رسميوه وإعلاميوه وفنانوه وأبناء رئيسهم الجزائر بشعبها وشهدائها وتاريخها وادعوا حتى أنهم حرروها من الاحتلال الفرنسي. * لا داعي للكذب على أنفسنا، ولا داعي للنفاق باسم العروبة والأخوة والتاريخ المشترك.. التهدئة وإعادة العلاقات إلى سابق عهدها لن تكون إلا إذا تقدم كل الذين شتموا الشعب الجزائري وشهداءه الأبرار بالاعتذار إلى الشعب الجزائري، وأن تتقدم إدارات كل القنوات التي ساهمت في دعاية الكراهية ضد الجزائر بالاعتذار، وأن تفصل كل الصحفيين الذين تجرؤوا ومسوا مقدسات الشعب الجزائري. بدون هذا فسنظل نكتب ضد مصر الرسمية وضد رجال أعمالها وسياسييها وورثاء حكمها، ونبقى نطالب بمقاطعة فنها وسلعها وشركاتها وسياحتها؛ سنبين سفاهتها لكل العرب، وسنؤلف عن دعايتها النازية والعنصرية كتبا ننشرها باللغات العالمية حتى يعرف العالم الصورة الحقيقية للذين يسيرون من يسمون بلدهم "أم الدنيا". سنجعل الدنيا كلها تعلم بأن الفكر النازي لا زال منتشرا في أوساط من يسمون أنفسهم بالإعلاميين المصريين، وأن قيادة هذا البلد لا زالت تتحدث صراحة عما يسمى بالشحن الإعلامي. * كما سنطالب وباستمرار بنقل مقر جامعة الدول العربية من مصر، لأن البلد الذي يأوي مقرات منظمات إقليمية لا بد أن تتوفر فيه الكثير من الشروط والتي منها: النضج في التعامل مع قضايا السياسة الدولية، وكذلك التمتع بشيء من حرية القرار، ومصر لا تتوفر على هذين الشرطين، فكيف لمنظمة عربية أن تقوم بمهامها العربية، وتعمل على صيانة الموقف العربي، والدفاع عن مصالح العرب ومقرها في مصر، ورئيسها مصري، ومصر تحكمها اتفاقيات كامب ديفيد ويسيرها المزاج، وهي تسب وتشتم العرب، وتبني جدارا تحت الأرض لقطع الصلة نهائيا مع شعب غزة العربي، ورئيسها يهدد من يتظاهرون في العواصم العربية ضد الجدار ويستقبل باستمرار أكبر أعداء الأمة العربية ويتحادث معهم ويتفهم مشاكلهم مع المقاومة، كما يعمل بكل ما تبقى له من جهد على خنق المقاومة في جنوب لبنان. * الصحافة الإسرائيلية تتحدث هذه الأيام عن التنسيق الأمني بين الكيان الصهيوني والقاهرة والذي لم يسبق أن بلغ هذا المستوى مع باقي دول العالم، فكيف للعرب أن يتوحدوا ومنظمتهم مقرها هذا البلد الذي ينسق أمنيا لكشف المجاهدين والمقاومة؟ * مصر التي تمنع قناة "العالم" من البث على النايل سات وتسمح لقناة "الحياة" المسيحية التي تبث دعاية مسيحية موجهة أساسا لتمسيح الشباب المسلمين، وهي نفس القناة التي يعمل بها أحد القساوسة المصريين المعروفين بحقدهم الشديد على الإسلام وهو يقدم برنامجا يوميا يحاول من خلاله إطفاء نور الله بالتشكيك في رسول الإسلام وكتاب الله والتطاول القذر عليهما. كل هذا يحدث في مصر دون أن يرتفع أي صوت قائلا "كفاية". هل مصر هذه مهيأة لاستضافة مقر لجامعة يقال إنها أنشئت لخدمة القضايا العربية؟ * لماذا النفاق؟ هذه الجامعة إما أن تنقل ويدور منصب الأمين العام وإما أن توأد لأنه، بالمنطق، لا نفهم كيف تدفع الجزائر مبالغ من العملة الصعبة لمؤسسة تستغلها دولة أخرى لتمرير سياسات انبطاحية لا تخدم لا العرب ولا الجزائر. * يتحدثون اليوم عن العلاقات بين البلدين، فهل لا زالت قائمة؟ إذا كنا نحن الذين جعلنا من مصر، طوال سنوات طفولتنا وشبابنا وكهولتنا، قبلتنا الفكرية والفنية والثقافية، أصبحنا نتقزز من سماع اللهجة المصرية أو قراءة كتاب مصري أو حتى الاستماع لسيدة الغناء العربي التي عشنا على أنغام موسيقاها جل حياتنا، ونسجنا على وقع كلماتها كل أحلامنا. هل بعد هذا، سينظر الأطفال الجزائريون إلى مصر على أنها بلد عربي شقيق؟ * لقد ارتكب حكام مصر أخطاء جسيمة في حق شعبهم وفي مسار علاقات بلدهم المستقبلية مع العرب. إنهم لم يقدروا حجم الشرخ الذي تحدثه الدعاية القذرة على علاقات مصر مع الشعب الجزائري، لعلهم يتصورون أن ردود فعل الجزائريين تجاههم هي كردود فعلهم تجاه إسرائيل التي تهينهم باستمرار ومع ذلك يستقبلون زعماءها بالأحضان. الجزائري هو إنسان "دغري" لا يقبل الهوان، ومهما عملت السلطة السياسية في الجزائر لإعادة الأمور إلى حالتها السابقة ومهما حاولت المحافظة على ما يسمى بوحدة الصف العربي فإن مصر ستبقى، بالنسبة للرأي العام الجزائري، ذلك البلد الذي أهان رموز الجزائر من أجل مجرد مباراة في كرة القدم.