يواجه النظام الليبي القائم على التحالفات القبلية والعشائرية انقلاب وتراجع زعماء القبائل ضده. وفي الوقت نفسه، يمكن لهذه الجماعات (القبلية) غير المتكافئة في العدد والقوة يواجه النظام الليبي القائم على التحالفات القبلية والعشائرية انقلاب وتراجع زعماء القبائل ضده. وفي الوقت نفسه، يمكن لهذه الجماعات (القبلية) غير المتكافئة في العدد والقوة، وغير المتجانسة في الرؤية والتوجه، أن تقود العباد نحو خراب البلاد وحرب أهلية لا تبقي ولا تذر. وهل القبائل الليبية قادرة على تفكيك البلاد وتفجير الأوضاع؟ أثناء مداخلته منذ أيام قليلة فقط على الهواء مباشرة على شاشة التلفزيون الليبي، لوح سيف الإسلام القذافي بورقة الانقسامات بين القبائل والعشائر المختلفة "ليبيا هي مجتمع من العشائر والقبائل"، مضيفا "أن هذا قد يسبب حربا أهلية". وبينما يتم قمع أعمال المظاهرات والاحتجاجات الشعبية بالدم، تعهد الزعيم ونجله بالقتال حتى آخر رجل وامرأة دفاعا عن النظام ومكاسبه. وحسب مصادر مطلعة، كان رد فعل ممثلي مختلف القبائل عنيفا ومستنكرا للقمع الدموي للنظام المتهاوي على المحتجين. قبيلة الورفلة، واحدة من أكبر القبائل في ليبيا مع ما يقرب من مليون شخص، دعت المواطنين من كافة القبائل إلى معارضة النظام. هذه الدعوة أعقبتها دعوة أخرى مباشرة وجهتها عشيرة أخرى رئيسية، التوارق، التي يقرب عددها حوالي نصف مليون شخص. في اليوم التالي، هدد زعيم قبيلة الزواية، فرج الزوايي، بقطع صادرات النفط إلى الدول الغربية إذا لم يتوقف العنف في غضون 24 ساعة. "ليبيا لديها عشرات القبائل، وهم مثل الأسرة الواحدة، ويشكلون ملاذا آمنا في غياب المؤسسات". ويشعر عديد من الليبيين بأنهم أفراد أولا لعشائرهم وقبائلهم قبل أن يكونوا مواطنين منتمين لبلدهم. وهذه الولاءات القبلية بين الليبيين يمتد تاريخها إلى عهد الاستعمار الإيطالي، عندما توحدت القبائل كلها ضد الحكم الإيطالي الفاشي. ويشغل زعماء وشيوخ القبائل المختلفة مناصب رئيسية في الجيش والإدارة والأعمال. ومنذ انقلابه عام 1969م، قام العقيد معمر القذافي، الذي كان يعادي أي شكل من أشكال الحكومة المركزية، بفرض حكمه من خلال علاقاته على هذا النوع من الروابط الأسرية، التي يستمد منها شكلا من أشكال الشرعية التي يقوم عليها حكمه، ويحسن تطبيق نظرية (فرق تسد) ليتمكن من بسط سيطرته على الحكم بمفرده، وهو الذي عين رؤساء القبائل والعشائر على رأس القيادات الشعبية والاجتماعية، التي صُممت لتشمل الفصائل والاتجاهات المختلفة في صنع القرار السياسي. كما أن العديد منهم ممثلين في الجيش، وهي إستراتيجية (قبلية)، اليوم، مُعرضة لأن تنقلب عليه. ونظرا للتداخلات الكبيرة في الولاءات المتضاربة بين القبائل والقيادات السياسية والعسكرية وحتى من رجال الأعمال، فإن الجيش كان بعيدا عن التجانس، كما أن القذافي كان دائم التوجس من قيادات الجيش سواء من الصف الأول أو الصف الثاني، ولهذه الأسباب كلها، جلب النظام المرتزقة الأجانب من عدة دول إفريقية لقمع الانتفاضة، وإسكات صوت الحرية. والكل يعلم بأن التركيبة القبلية لليبيا، لا تسمح للقذافي ونظامه المطالبة من عشيرة أو قبيلة ما محاربة أبنائها ومقاتلتهم نيابة عنه، فهذا غير قابل للتنفيذ أو حتى التفكير في حصوله لقوة الرابط القبلي ومتانته على كل فرد من أفرادها دون استثناء، لأنه إذا حصل ذلك فهذا يعني انفجار حرب قبلية لا يمكن التنبؤ بمخاطرها على التماسك القبلي والعشائري بين الليبيين أنفسهم. والنظام القائم يبدو أقرب ما يكون إلى التحالف القبلي الذي تتربع على قمته قبيلة القذاذفة، وقد أجمع الكثير من المحللين السياسيين والمؤرخين المتابعين للشأن الداخلي لليبيا، أن النظام زرع الكراهية بين كل القبائل، وأن خطر المواجهة في حالة سقوط السلطة وارد، وخاصة إذا قامت بعض القبائل والعشائر بالدعوة إلى الانتقام من خلال رفع لواء القضاء على قبيلة القذافي، وهو ما ينبغي للثوار تداركه ونزع فتيله من الآن. وإذا انهار نظام القذافي، وهو ما يراه الثوار الأحرار قريبا، قد يفرض المنطق العشائري والقبلي نفسه، وينتزع المبادرة، وهنا التخوف كل التخوف من أن ينفرط عقد "الجماهيرية العربية الليبية الشعبية" إلى قبائل وعشائر على حساب المواطنة الليبية، التي استشهد من خلالها عمر المختار مع رفاقه من كل القبائل والعشائر، وامتزجت دماؤهم الزكية برمال طبرق وبنغازي ودرنة وطرابلس، والمطلوب أن يتدارك الثوار ويصدون "هولوكوست" القذافي والحريق القبلي، بتشكيل مؤسسات بديلة وجيش وطني ومجلس تمثيلي حاكم.