في منتصف الشهر الجاري، وتحديدا قبل أيام من حادثة محاولة حرق مقر مطبعة خاصة تمتلك جزءا منها صحيفة ''الوطن''، نشرت هذه الأخيرة مقالا تحريضيا، بعنوان ''الرأس المال الثوري منهوب''، يتناول فيه صاحبه بنوع من التخيل والتصور الذي جرى صبغه على أنه تحليل، قضية عدم خروج الجزائريين إلى الشارع، وبالأخص سكان العاصمة، لقلب النظام. وقام كاتب المقال بتصوير الجزائريين على أنهم من فئة ''الراضين''، والمستكينين، رغم المشكلات التي يعيشونها. وكان من جملة التخاريف التي نشرتها ''الوطن'' في هذا المقال، عندما زعم كاتبه بأن ظاهرة الصحوة الإسلامية بالجزائر هي إحدى أسباب عدم خروج الجزائريين للشارع طلبا للتغيير. في بداية المقال، اعترف صاحب التحليل السوسيو سياسي، الممتزج بالتخاريف والتصورات، بأن الجزائريين ''دوخوا'' جميع المراقبين، من مسؤولين داخل الجزائر، ورأي عام في الخارج، وحتى دبلوماسيين معتمدين بالجزائر، عندما لم يستجب الجزائريون لحمى ''الربيع العربي''، ولم يخرجوا للشارع للمطالبة بالتغيير. وراح صاحب المقال يخوض في ما بعد في ''فلسفة'' ونظريات عقيمة، أثبت من خلالها جهله وجهل من يؤمن بأقواله، بحقيقة الشعب الجزائري، فتارة يقول الكاتب إن الجزائريين سريعو الغضب وتارة أخرى يتساءل ''لماذا لم يخرجوا للشارع؟''. وأثمر ''تخمام'' واجتهاد ''الباحث'' إلى اكتشاف جديد، عندما قال إن موجة الصحوة الإسلامية التي ضربت المجتمع الجزائري خلال السنوات الماضية، هي إحدى العوامل المساهمة في عدم تلبية الجزائريين لدعوات الخروج للشارع، في تحليل وربط غير موضوعي، لا يصدقه حتى غير المسلمين وأعداء الإسلام. وبدا الباحث في علم الاجتماع، والفيلسوف جاهلا ببواطن المجتمع الجزائري، عندما لم يدرك أن عقلية ''التغنانت'' عند الجزائريين تفرض عليهم عدم الانسياق وراء كل ما يأتي من أفكار تحريضية من وراء البحار، خصوصا إذا كان مصدرها فرنسا. كما أهمل الباحث وصاحب المقال، الذي صال وجال في محاولاته الربط بين ما يجري في ليبيا وتونس وبين الوضع بالجزائر، تذكر أن حلف ''الناتو'' الذي تدخل في ليبيا ولم يكن للثوار أن يتمكنوا من إسقاط نظام القذافي لولا مساعدته، هو نفسه الذي ساعد فرنسا بطائراته خلال سنوات الثورة التحريرية، وقصف المدنيين والمجاهدين، مثلما أغفل أيضا تذكر أن جيل الشباب في الجزائر لن ينسى أبدا أن قصص الأجداد والجدات حول ما فعلته ''الطيارة الصفراء''، التي ساعد بها ''الناتو'' فرنسا في دك القرى والمداشر، خلال الثورة الجزائرية. يتبنون مبدأ ''من ليس معي فهو ضدي'' 3 مقالات وراء غضب مسؤولي صحيفة ''الوطن'' لن نفشي سرا إذا قلنا أننا في ''النهار'' كنا نتوقع التعرض لحملة تشويه بسبب مواقف أعلناها صراحة ودون لف أو دوران، خصوصا ما تعلق بقصة ''ثورة 17 سبتمبر'' المزعومة، وموقفنا من الوضع في ليبيا ومحاولة نقل بذور الفتنة منها نحو الجزائر، إلى جانب قضايا أخرى، استوجبت منا إبراز حس وطني تجاهها موازاة مع تكفلنا بنقل الخبر وضمان حق القارئ في الإطلاع على المعلومة. لكن الذي لم نكن نتوقعه هو تأتينا سهام الغدر والخيانة من الداخل، وليس من الخارج، كوننا كنا ننتظر ردا من بوق متصهين من فرنسا وليس من صحيفة ''الوطن''، وبأقلام جزائريين، أو ما يفترض أنهم كذلك. قبل نحو أسبوع، نشرت ''النهار'' على مدار أيام، جملة من المقالات المدعومة كلها بحقائق ووثائق، وكان من بينها فضيحة تورط المدير العام لقناة ''الجزيرة'' القطرية وضاح خنفر في العمل لصالح المخابرات الأمريكية. وكان المقال المنشور حينذاك مستندا إلى نص برقية سرية أمريكية سربها موقع ويكليكس، قبل أن تصدق بعد أيام قليلة صحة ما نشر في ''النهار'' ويعلن عن مغادرة خنفر منصبه، أول أمس. كما نشرت ''النهار'' أيضا مقالا حول حصة كانت قناة ''كنال +'' الفرنسية تعتزم بثها، تتناول فيها من جديد قضية مقتل الرهبان الفرنسيين السبعة على يد الجماعة الإسلامية المسلحة ''الجيا'' منتصف التسعينات. وقد تمكنت ''النهار'' من إحباط وكشف مخطط ''كنال+'' ومن يقف وراءها، عندما سربت بعض مضامين الحصة قبل بثها، وكشفت محاولتها الترويج من جديد لأسطوانة قديمة تتهم الجيش الجزائري بالضلوع في الاعتداء، إلى جانب كشف وجود روابط بين مثيري القصة القديمة وبين دعاة تصدير الفوضى من ليبيا نحو الجزائر. وقبل ذلك، كانت ''النهار'' أول من كشف عن برمجة زيارة للصهيوني برنارد هنري ليفي للجزائر، كما ربطت ''النهار'' بين الدور المشبوه الذي لعبه ليفي في ليبيا من خلال زياراته المتكررة لها، وبين الهدف من زيارته المرتقبة للجزائر. وبالرغم من أن ما كشفته ''النهار'' بشأن ليفي ومواقفه الداعمة لإسرائيل ضد الفلسطينيين، هي حقائق يعرفها العام والخاص، إلا أن الزملاء في ''الوطن'' ''غضبوا'' كثيرا، لدرجة جعلتنا نعتقد أن الصهيوني ليفي هو أحد ملاك الجريدة أو مالكها الأوحد. هذا هو الفرق بيننا وبينكم... في مهنة الصحافة قد نتفهم اختلافنا مع غيرنا من الزملاء حول العديد من القضايا ذات الصلة بالخط الإفتتاحي، لكن نتفق جميعا على أمرٍ واحد، وهو الدفاع عن المصالح العليا للوطن بدون انتظار أوامر أو إيعاز من أية جهة. لكن الزملاء في ''الوطن'' حادوا عن هذه القاعدة، واتخذوا لأنفسهم موقعا كالعصفور الذي يغرد خارج السرب، إيمانا منهم بأن التميّز والخروج عن الإجماع والمنطق، هو أصل النجاح تحت شعار ''خالف تعرف''. وقد شهدنا كيف أن جميع العناوين الصحفية اصطفت في خندق واحد خلال فترة ''الأزمة الكروية مع مصر''، ردّا على حملة إهانة الشهداء والثورة التحريرية، بالرغم من الإختلاف الكبير بين تلك الصحف وفي ميولاتها أو إيديولوجياتها وحتى خطها الإفتتاحي. لكن صحيفة ''الوطن'' التي التزمت الصمت عندما أهينت أعراض الجزائريين والجزائريات عبر فضائيات مصرية، وتعرّض العلم الجزائري للدوس بالأقدام في ساحات القاهرة، ما تزال تصّر على نهجها مثل إصرار المجنون على التعري في الشارع للفت الإنتباه وجلب الأضواء سعيا وراء شعبية مفقودة أو زائفة. وبالرغم من ذلك، فإننا في ''النهار'' نحترم مواقف الزملاء في ''الوطن'' وآراءهم، بشرط عدم الخروج عن الثوابت أو تخطي الحدود، إلا أننا نستغرب تعاملهم مع الزملاء بأسلوب ''التخوين والإستعلاء''، في إطار تطبيق مقولة ''من ليس معي فهو ضدي''. يعتقد الزملاء في ''الوطن'' أننا عملاء للنظام لأننا ندافع عن الجزائر كدولة، كشعب وكمؤسسات، وبالرغم من أننا قلناها عدة مرات، أنه إذا اتّهمنا بأننا عملاء ومخبرون لأننا نتبنى مواقف وطنية، فنحن مثلما اتهمتمونا به، بل وعملاءٌ بامتياز. ومقابل ذلك، يسعى الزملاء في ''الوطن'' إلى تمتين علاقاتهم المشبوهة بالسفارات، فيما كنا نصر على اعتبار الأمر شأنا شخصيا وقناعة ليس إلا. لكن ما دامت الأمور قد وصلت إلى حد ''التخوين والعداء''، فإننا نعلنها صراحة وجهارا نهارا، أننا إذا خُيّرنا بين العمالة للنظام الجزائري وبين الولاء و''التشيات'' للأجانب، فإننا سنفضّل الخيار الأول، إيمانا بمقولة ''بلادي وإن جارت عليّ عزيزة وقومي وإن ظنوا بي كرام''. وزير يسطو على الملايير ثم يشتم الجزائريين من فرنسا ''صحيفة المراحيض''.. هذا هو الوصف الذي اختاره الوزير الأسبق غازي حيدوسي إطلاقه على ''النهار'' لا لشيء سوى لأنها تحدثت عن زيارة الصهيوني برنارد هنري ليفي للجزائر والدوافع الحقيقية للزيارة. ولأن القدر شاء أن يقوم الوزير حيدوسي بفضح نفسه بنفسه، فقد قام أمس بكتابة مقال نشرته صحيفة ''الوطن'' شبه فيه صحيفة يقرؤها قرابة نصف مليون جزائري، بأنها ورق مراحيض، في إهانة ليس فقط ل''النهار'' والعاملين بها، بل أيضا لسائر قرائها. والحقيقة التي تكون قد أغضبت الوزير حيدوسي وجعلته ينطق من حيث لا يدري، ويعترف بتواطئه مع الخونة والمتصهينين، هي أن كتابات ''النهار'' جعلت الرأي العام الجزائري يتفطن لمخطط الوزير حيدوسي للعودة إلى الجزائر، بعدما سرق ما سرق ونهب ما نهب، في بداية التسعينات، وكأن شيئا لم يحدث. وبمناسبة الحديث عن حيدوسي، فإن ما لا يعرفه الجزائريون بشأنه هو أنه تبوأ منصبا وزاريا خلال بداية التسعينات، لكنه بحلول الأزمة الأمنية فضل مغادرة أرض الوطن، حاملا معه ما خف وزنه وغلا ثمنه. ولم يعرف أي أثر للوزير حيدوسي طوال 20 سنة، قبل أن يقرر العودة ليس للجزائر فقط بل وأيضا للساحة الإعلامية والسياسية. ما لا يعرفه الجزائريون أيضا عن حيدوسي هو كونه أحد رموز دعاة التطبيع مع إسرائيل في الجزائر، لدرجة أن الكثيرين لا يتحرجون في التشكيك صراحة أو بالإشارة إلى أصوله.