محامو "أنيس رحماني" يحوّلون محاكمة موكّلهم إلى مرافعة ضدّ التجاوزات والدوس على القانون: "العقيد المتقاعد اسماعيل يحاول الحديث باسم الرئاسة ومؤسسة الجيش"! دفاع المتهم: "اسماعيل لا يزال يعتقد بأنه في الجزائر القديمة.. ولماذا رفض الحضور للمحكمة؟" "أنيس رحماني": "أنا هنا لأنني حرصت على تطبيق القانون واحترامه من طرف الجميع" النيابة تلتمس 10 سنوات سجنا والنطق بالحكم يوم 15 نوفمبر "الضحية جاء اليوم ليحاول الحديث باسم مؤسسة الرئاسة، وباسم المؤسسة العسكرية، رغم أن وزارة الدفاع لم تتأسس أصلا كطرف في القضية"، بهذه العبارات أنهى دفاع محمد مقدم المعروف إعلاميا باسم "أنيس رحماني"، مرافعته عنه، وذلك خلال محاكمة المدير العام لمجمّع "النهار"، في قضيته ضدّ ناصر عتو، المعروف باسم "العقيد اسماعيل"، الذي كان بمثابة الذراع الأيمن للواء المتقاعد، عثمان طرطاڤ. وقد انطلقت محاكمة "أنيس رحماني" بعدما تقرر إجراؤها بتقنية "السكايب"، حيث لم يتم إحضار المتهم للمثول أمام محكمة بئر مراد رايس لظروف متعلقة بتفشي وباء "كورونا". ودافع "أنيس رحماني" أمام المحكمة عن نفسه، من التهم التي وجهت له، والمتعلقة بجنحة إهانة قائد أثناء تأدية مهامه، وجنحة القذف ضدّ الجيش الوطني الشعبي وإهانة هيئة نظامية، إضافة إلى جنح القذف والمساس بالحرمة الخاصة للأشخاص بتسجيل ونقل المكالمات بغير إذن صاحبها، وعرض لأنظار الجمهور بغرض الدعاية، ومنشورات أو نشرات من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية، والعمل بأيّ وسيلة كانت على المساس بسلامة وحدة الوطن. "أنيس رحماني" يطلب إعادة بثّ التسجيل وفي بداية المحاكمة التي غاب عنها "العقيد اسماعيل"، ألحّ مدير مجمّع "النهار" ومحاموه، على ضرورة سماع التسجيل الصوتي محل الشكوى، كون الشاكي الذي غاب عن جلسة المحاكمة، اتهمه بالمساس بالوحدة الوطنية، وهو ما نفاه "أنيس رحماني" جملة وتفصيلا، وأكد لقاضي المحكمة، بأنه لم ولن يتوانى في الدفاع عن الوطن ومؤسساته منذ بداية الإرهاب الذي أراق دماء الجزائريين. بعد ذلك، قدّم أعضاء هيئة الدفاع عن "أنيس رحماني" دفعا شكليا، يقضي برفض قبول تأسيس الطرف المدني، لكون وزارة الدفاع لم تقدّم أيّ شكوى، كما قدّموا دَفعا ثانيا يقضي بانقضاء الدعوى العمومية بالتقادم، غير أن القاضي أمرت بترك الدفع الشكلي للنظر من طرف النيابة، وأكدت على أن المتهم ليس متابعا بحكم مهنته كصحافي، بل متابعا بصفته شخصا طبيعيا. ومنحت القاضي التي ترأست جلسة المحاكمة الكلمة للزميل "أنيس رحماني" من أجل الردّ على التهم المتابع فيها، وكان ردّه:"أنكر التهم، وقبل مناقشة التهم، أذكر الحادثة يوم 8 أكتوبر 2018، اتصل بي المدعو اسماعيل بخصوص المقال الذي نشر في موقع alger 24 بالفرنسية". وأشار مدير عام مجمّع "النهار"، إلى أن علاقته بالعقيد المتقاعد "اسماعيل"، تعود إلى عام 1997، وأن الأخير طلب منه حذف المقال قائلا بالحرف الواحد "رونديلي سارفيس ونحي المقال"، مضيفا بأنه رفض الإذعان لطلباته، لأنه لا توجد فيه أيّ إساءة لأيّ مؤسسة من مؤسسات الدولة. "طلبت من العقيد اسماعيل التعامل معي بالقانون" وفي صباح اليوم الموالي، يقول "أنيس رحماني"، أعاد "العقيد اسماعيل" الاتصال به عبر الهاتف، ليكرر على مسامعه طلبه، والذي قوبل بالرفض، كما طلب منه إرسال الصحافي محرّر المقال، ليردّ عليه "أنيس رحماني" بالرفض أيضا، وراح يطلب منه التعامل معه بصفة قانونية، وذلك عن طريق إرسال استدعاء رسمي. وأضاف مدير عام مجمّع "النهار" قائلا:"جاءني اسماعيل إلى المكتب وقال لي الشاف ما عجبوش المقال لازم تنحوه، ورفضت ذلك، وقلت له يجب أن يكون هناك استدعاء رسمي من أجل سماع الصحافي، لديّ مسؤولية مهنية على الصحافيين". وشدّد مدير عام مجمّع "النهار"، على أن تسجيل المكالمة و"الفيديو" الذي يظهر عملية اعتقال الصحافي، كان عبارة عن نداء أراد توجيهه للسلطات العليا في الدولة وللعدالة، لوقف الخروقات القانونية التي ارتكبها "العقيد اسماعيل"، وأضاف:"حين تكلمت معه، قلت له هل فيه إساءة في المقال؟، وتفاجأت بأن الملف فارغ، وأوضح لكم بأنه هناك سببين دفعاني إلى تسجيل المكالمة، فقد كانت هناك رغبات شخصية من عند المدعو اسماعيل، والسبب الثاني، هو أن اسماعيل لم يعطني مبررا واحدا لطلبه حذف المقال". ويضيف الزميل "أنيس رحماني":كما أن 96 من المئة في المكالمة، كان هو كلامي أنا، فقد تكلمت أكثر منه وكنت أطالبه في التسجيل باللجوء إلى العدالة وتحديدا النيابة، ولم أطلب شيئا آخر". وقال "أنيس رحماني" إن لجوءه إلى تسجيل "العقيد اسماعيل"، كان بهدف حماية نفسه لا غير، مضيفا بالقول:"لو أنه تعامل معي في إطار قانوني، فلم أكن لألجأ إلى البحث عن وسيلة أحمي بها نفسي". ولدى ردّه على سؤال القاضي حول أسباب بثّ المكالمة الهاتفية، قال "أنيس رحماني":"سجّلت المكالمة، لكنني لم أستخدمها حتى لليوم الثاني، بعد عملية اعتقال زميل صحافي أمام مقر المجمّع، خاصة وأنه هدّدني باعتقاله"، وتساءل "هل يعقل أن يقوم أحد يعمل في إطار القانون بعمل مثل هذا؟، سجّلته لأنه كان مخالفا للقانون، وكان حريا به احترام القانون!". وأضاف مدير عام "النهار":"لم أقم ببثّ المكالمة إلا بعد نصف ساعة من اعتقال الزميل، وهذا كان بمثابة نداء للسلطات العليا، والدليل بعد ربع ساعة من بثّ المكالمة، تمّ الإفراج عنه، حينها قال لي الصحافي إنه خضع لعملية استنطاق من دون أي قرار أو سند قانوني.. أنا كنت في وضعية معقّدة وتحمّلت مسؤولياتي". وشدّد "أنيس رحماني" على وجوب التفريق بين شخص "العقيد اسماعيل" الذي ارتكب تجاوزات، وبين المؤسسة العسكرية، موضحا بأن "عناصر تعريف الهوية في المكالمة الهاتفية لم يتم بثّها". بعد ذلك، عاد مدير عام مجمّع "النهار" إلى المطالبة بعرض مضامين التسجيل الصوتي خلال المحاكمة، وقال:"سيّدتي الرئيسة، هذا القرص الذي فيه التسجيل الصوتي، هو الذي يثبت براءتي، أنا كنت أطالب الضحية باحترام النيابة العامة"، نافيا التهم الموجهة إليه، مضيفا:"توبعت بتهمة المساس بوحدة الوطن، عندما قرأت قرار الإحالة بخصوص هذه التهمة وهي مرتبطة بالصحافي اسماعيل جربال، المقال في الموقع الإلكتروني هو السبب الذي أدّى إلى تحريك الشكوى"، موضحا:"لا أقبل أي مقال ينشر ضدّ الجيش، وما من جزائري ضدّ الجيش، وأنا أحترم الجيش، وهناك تصريحات خاطئة نسبت لي". وفي رده على أسئلة وكيل الجمهورية حول الترخيص بتسجيل المكالمة الهاتفية، رد "أنيس رحماني:"أنا صحافي معتمد، وكل ما أقوم به في إطار القانون والترخيص جلبته من السلطات العمومية"، وأضاف:"أنا صحافي أُشرف على قناة محل اعتماد ومرخّص لها وهذا حق دستوري، كنت أتكلم عن توثيق كلامي وأنا صحافي، وكنت رفعت شكوى لدى وكيل الجمهورية". "العقيد اسماعيل استعمل صداقته في أمور مهنية رفضتها لحماية الصحافي" وأوضح الزميل "أنيس رحماني" للقاضي، بأن العقيد السابق "اسماعيل"، اتصل به كصديق، واستعمل الصداقة في العمل المهني، قائلا:"أعلم أنه عقيد وضابط سامٍ في الأمن، لكني في أيّ جهاز بالضبط، هذه أمور تقنية"، مشيرا إلى أنه يتعامل مع أجهزة الأمن منذ عام 1998، ولا يتحرج من ذلك، لأنها تمثل مؤسسات بلده، خصوصا في تلك الفترة التي تميزت بمكافحة الإرهاب الأعمى، موضحا بأن أي صحافي لديه علاقات ومصادر مع مختلف المؤسسات. بعد ذلك، راح دفاع "أنيس رحماني" يتحدث عن سقوط التهم بالتقادم، لأنها متعلقة بقانون الصحافة، وتاريخ الوقائع يتجاوز 6 أشهر، مضيفا بأن "التحقيقات القضائية لمديرية الأمن الداخلي، كانت تخضع لسلطة النائب العام، وهو ما يؤكد بأن موكلي كان في وضع قانوني، عكس العقيد اسماعيل، الذي كان يطبّق الأوامر". النطق بالحكم يوم 15 نوفمبر وقال دفاع مدير عام "النهار"، إن موكله "لم يذكر العقيد اسماعيل بأنه يعمل في الجيش الوطني الشعبي، ولم يحدد هوية المؤسسة التي ينتمي إليها، والتي يكنّ لها كل الاحترام والتقدير، ونحن نكنّ لها أيضا كل الاحترام، لكن الأفراد إذا أخطأوا، فيجب معاقبتهم"، وأضاف الدفاع:"لا يوجد أي كلمة تمس بشرف الضحية اسماعيل"، قبل أن يقول أحد محامي الدفاع عن المتهم، إن الشاكي "العقيد اسماعيل" أُقيل من منصبه بسبب تلك الخروقات والتجاوزات في حق القانون، وهو اعترف في شكواه بذلك أمام وكيل الجمهورية. وفي نهاية المحاكمة، أعلنت رئيسة الجلسة عن برمجة النطق بالحكم في قضية الرئيس المدير العام لمجمّع "النهار"، الزميل أنيس رحماني، يوم 15 نوفمبر المقبل. وقد التمست نيابة محكمة بئر مراد رايس في العاصمة، عقوبة 10 سنوات سجنا و100 ألف دينار غرامة في حق الزميل "أنيس رحماني".