انتشرت بشكل ملفت بعد "كورونا فريدة حدادي انتشر في عدد من الأحياء الشعبية في الآونة الاخيرة، أسواق ليست كباقي الأسواق المألوفة التي يعرض فيها التجار الخضر والفواكه أو بضاعة جديدة، وإنّما أسواق قريبة من الفوضوية، بها أوان وملابس قديمة، وقطع غيار وخردوات، بعضها غير صالحة تماما، وأخرى تنقص منها قطع. لكن يبدو أنّ لها زبائنها، يقفون أمامها مطولا، يتفحصونها، ويتأملون تفاصيلها. وتبدو لهم كأنها ركن من أطلال منزل قديم، تبعثرت محتوياته من كتب، وملابس، وأوان وأحذية، وألعاب أطفال، ومنها ما هو مهترئ. تعدّدت الأسواق التي انتشرت بشكل ملفت للانتباه. فبعد أقدم أسواق الخردوات المعروفة في الجزائر كسوقي العقيبة وواد كنيس ببلكور، أصبح هناك أسواق مماثلة هنا وهناك، منها اليومية ومنها الموسمية، ظهرت، بشكل خاص، بعد جائحة كورونا؛ على غرار سوق ميسوني، وساحة الشهداء، وباب الوادي، التي تشهد حركة كبيرة على مدار الأسبوع. نساء ورجال يتوافدون عليها للتسوّق. محلات لبيع الملابس الجاهزة، والمجوهرات، والأكسيسوارات، والأواني، والألعاب وغيرها. ويمكن إيجاد كل ما يبحث عنه المتسوق. حركة دفعت بالكثير من التجار إلى الاستثمار التجاري هناك؛ محلات، ومساحات كبرى، وبازارات، وأكشاك، كلها في منافسة شديدة لعرض منتجات مختلفة لاستمالة الزبون. ولم تعد المساحات تكفي عدد المتوافدين على تلك الأسواق، وهو ما دفع بتجار من نوع آخر، إلى استغلال الطرقات والأرصفة لعرض منتجاتهم، لا يهمّ وضعيتهم، بل يكفي بالنسبة لهم، طاولة صغيرة، أو حتى قطعة من الكارتون، أو حقيبة لعرض ما لديهم، وخلق فوضى، إلا أنها تبقى مقصد الكثيرين؛ بحثا عن قطع بأسعار منخفضة. وظهر، من جهة أخرى، نوع آخر من التجارة، وهي تجارة الخردوات بأتم معنى الكلمة. يعرض البعض قطعا مترهلة تماما، قريبة من خردة لا تصلح أبدا. لكنّ التاجر، دائما، يقول إن تلك القطع يمكن إعادة استغلالها لإصلاح قطع أخرى بالبيت، أو استعمالها للفترة القليلة المتبقية من صلاحيتها. وبميسوني المحاذي لأشهَر الشوارع بالعاصمة ديدوش مراد، وبجنب المستشفى الجامعي مصطفى باشا، ظهر رصيف طويل عريض لسوق الخردوات، يحط التجار هناك رحالهم منذ الساعة الثامنة صباحا إلى غاية الخامسة مساء. كل يوم بضاعة جديدة حتى وإن كانت تبدو غير صالحة، إلا أنّه قد يُحدث عليها نوعا من المزايدة بين زبونين. هذا ما وقفت عليه "الراية الجزائرية " عند تجوالها بتلك السوق بقلب العاصمة؛ أوان، وصور، وأحذية، وقطع من الألبسة التقليدية النسوية، ومقلاة محترقة، وقدر دون يد، ومزهرية فقدت قطعة منها، وهاتف نقال، وأقلام، وسماعات، وكتب، وأوان نحاسية، وساعات وغيرها من القطع، حتى يتخيل لك أنك تتجول في متحف قديم في الهواء الطلق، بعضها يعود إلى "موضة" ديكور قديمة جدا. تُعرض على أمل إيجاد أصحابها، والراغبين في إعطائها حياة أخرى، وفرصة ثانية داخل البيت. اقتربنا من عدد من الباعة هناك، الذين أكّدوا في حديثهم، أنّ الحاجة هي التي تدفع بهم إلى بيع حاجياتهم، كما تدفعهم الأزمة المالية التي تعيشها أسرتهم، إلى استغلال ما لديهم من قطع بالبيت لا يحتاجونها، لإعادة بيعها بأسعار بخسة جدا قد لا تساوي، أحيانا، واحدا من المائة من سعرها، وهي جديدة. ولا سعر محدد لتلك السلع عادة، هذا ما أكده خالد، أحد الباعة الأوفياء بالمنطقة، الذي أشار إلى أنّ تواجده بالسوق بدأ بعد أزمة كورونا، وحاجته إلى سد دين كان عليه؛ حيث كان يعرض بعض الأدوات المنزلية التي لم تعد صالحة للاستعمال، وربح ولو دنانير قليلة، موضحا أنّه صار " محترفا "، فأصبح يتاجر في ذلك؛ إذ يقتني قطعا قديمة من هنا وهناك، ويعيد عرضها على الزبائن، مؤكّدا أن الأسعار يحددها الزبون أحيانا وليس التاجر. والمفاوضات مرحب بها؛ فالهدف هو صرف تلك البضاعة، والتراحم مع مشتريها؛ لأن من يقتني تلك القطع غالبا ما يكون شخصا يعاني ضيقا ماليا كذلك، وقد يواجه صعوبة في اقتناء قطع جديدة منها. كنوز مخفية هناك قد يكون من حظ البعض العثور على قطع ممتازة، قريبة من الأنتيك أو القطع العتيقة، هذا ما أكّده لنا رياض، أحد محبي هذا النوع من الأسواق، والذي يصف نفسه بصياد الكنوز؛ قال إنّ الإقبال على هذا النوع من الأسواق لا يعني دائما الحاجة، أو الضيق المالي، وحتى بعض الباعة يحترفونه، ويجعلونه نوعا من الهواية، بعيدا عن الصعوبات المالية، موضحا أنه كلما يكون متفرغا يقوم بجولة بين عدد من الأسواق بالعاصمة، والعقيبة، والحراش، وبودواو، ودرقانة، وغيرها من الأسواق الشعبية التي تعرض نوعا من التجارة كالشيفون والخردوات. وقال المتحدّث: " يمكن إيجاد قطع ممتازة أحيانا، لم يعد البعض يرغب فيها من باب التجديد، أو البحث عن تفريغ مساحات بالبيت، لتجد بعض القطع الأنتيك من النحاس والأواني، وحتى اللوحات والقطع الفضية بأسعار مغرية، يبحث عنها بعض محبيها؛ لإعادة الحياة لها ثانية، وتزيين البيت، أو إعادة بيعها مرة أخرى. وأضاف أن هذا النوع من الأسواق موجود بمختلف دول العالم، وله زبائن معينون ليسوا من المحتاجين. وما تحتاجه، فقط، هو التنظيم، والتأطير؛ حتى لا يكون مثل الأسواق الفوضوية.