مرّ الأدب الجزائري بين الفترة الممتدة من الثورة التحريرية إلى خمسين عاما بعد نيل الاستقلال بمراحل عديدة، واتصف بسمات وخصائص مختلفة، طبعت نوعيه المكتوبين باللغتين العربية والفرنسية، مسجلا اختلافات تطورهما، ومبينا الشرخ الكامن بين الجانبين، والمستمر إلى غاية يومنا الحالي بفعل تأثيرات استعمارية لم يتخلص المجال الأدبي والثقافي الوطني من تبعاتها بعد. بورايو: «بعد 50 عاما بقيت نخبتنا متشظية غير فارضة لنفسها» ذكر الباحث عبد «الحميد بورايو»، أن الأدب الجزائري مر بمراحل أثرت عليه وطبعت بصماتها على مظهره وجوهره، حيث ارتبط موضوعه بفترة الثورة التحريرية، محاولا التأسيس لأشكاله العربية، من قصة قصيرة، قصيدة شعرية.. وغيرها من المظاهر التجديدية التي ساهم أمثال سعد الله، شريط، خمار.. في ترسيخها عبر التطرق لمواضيع عن الثورة متخلصين من قيود الشعر ومنطلقين إلى بعض مظاهر الشعر الحر. وعلى صعيد الرواية المكتوبة باللغة العربية يضيف المتحدث، بأنها لم تتعد كونها محاولات لكتابة القصة الطويلة على يد «رضا حوحو»، ولم تتطور إلى شكلها الروائي إلا بعد الاستقلال. أما عن نظيرتها المكتوبة باللغة الفرنسية، فعاشت نقلة كبيرة نهاية القرن الماضي، حيث عبرت عن الحركة الوطنية بكل تفاصيلها محتضنة الثورة التحريرية بشكل كليّ. وأرجع بورايو تأخر الرواية العربية إلى أسباب استعمارية، لتبدأ بوادرها في الظهور على يد بن هدوقة ووطار، حيث تحدثت عن المجتمع، الذي عانى خلال فترة ما بعد الثورة نوعا من الإحباط الاجتماعي والسياسي، وبالتالي استند مؤلفوها على الثورة كموضوع لمراجعة الوضع والانطلاق نحو نقده، حيث تغير تناوله من تمجيد ما كان إلى الارتكاز عليه لنقد ما يعاش، ليخرج الأدب من بوتقة المحافظة التي فرضت عليه إلى مجالات المغامرة. وأشار المتحدث إلى جانب أدبي لا يتناوله المؤرخون كثيرا في كتاباتهم، وهو الأدب الشفوي، الذي تكرس نتيجة حركية اللهجات، والإنتاج الغزير الذي خلفته أحداث الثورة، وقام الشاعر من خلاله بدور المؤرخ، كما برزت البصمة الأنثوية التي كانت حكرا على فضاءات خاصة كالأعراس.. لتمضي المرأة قصائدها الثورية باسمها، وبالتالي يرى أنها حركة تجديدية، حيث احتضنت المجتمعات الشعبية القصة البطولية للثورة ولعبت مخيلتها دورا هاما في التعبير عنها. وحول الإنجازات والخصائص الأدبية في جزائر الخمسين سنة استقلال، قال بورايو أنها تعرف تفاوتا، حيث فرضت الرواية الفرنسية نفسها وسمعتها عالميا، أما المكتوبة باللغة العربية فتطورت على المستويين الوطني والعربي فقط. وحول النقائص التي يعانيها المجال الأدبي، أشار المتحدث إلى تأطير الإنتاج الثقافي والعمل على إبرازه الذي يعرف عجزا نوعيا، وتطرق إلى قضية النشر التي طرحت نفسها بإلحاح في السنوات الأخيرة، إلى جانب تشظي النخبة الثقافية التي لم تستطع التقارب وفرض نفسها، مخلفة شرخا دائما بين معربيها ومفرنسيها، تغذيه الحسابات الشخصية الذاتية المعرقلة، إضافة إلى فشل برامج التعليم في خلق قارئ جزائري، غير أنها كمشاكل مجتمعة لا تنفي من وجهة نظر بورايو ما أنتجته الخمسين سنة الماضية من إنتاج غزير يلبي الاحتياجات، وإنجازات لأقلام وطنية على المستوى المغاربي والعربي طامحة في الأكثر دوما. مريبعي: «وصف فترة الاستقلال بالصحراء القاحلة أدبيا جناية سافرة» أكد الباحث «شريف مريبعي»، أن الأدب الجزائري أنتج خلال 50 سنة أسماء وقامات كبيرة، خاصة في مجال الرواية، فبغض النظر عن جيل الرواد من أمثال، مولود فرعون، مولود معمري، مالك حداد.. نجد واسيني الأعرج، جيلالي خلاص، رشيد بوجدرة، إلى جانب المجال الشعري، قائلا أن وصف فترة ما بعد الاستقلال بالصحراء القاحلة من حيث الإنتاج، تجنيا واضحا وسافرا، لأنها تحمل الكثير من الجديد الجيد. وأضاف، المتحدث أن الفن الروائي المكتوب باللغة الفرنسية عرف ازدهارا قبل الاستقلال نتيجة اعتماد مبدعيها على مرجعية المدرسة الكولونيالية في الكتابة، في حين انحصرت المكتوبة باللغة العربية في مجموعة من المحاولات البسيطة الساذجة، التي لم تعرف أي تطور إلى غاية سنوات السبعينات، حيث شهدت قفزة خلفها الحراك السياسي والتحولات الاجتماعية والثقافية على الساحة الوطنية، رادها كل من بن هدوقة ووطار. وأشار ربيعي، إلى انحصار الشعر في قوقعة المناسباتية منذ سنوات ال1945 إلى تاريخ اندلاع الثورة، عبرت من خلاله القصيدة الواحدة عن قضايا متعددة من بينها معاناة الفرد والبلاد تحت نير الاستعمار والدعوة لاستنهاض الهمم لدرجة تنسي الشاعر ذاته وشخصيته التي تذوب في الذات الاجتماعية، غير أن الاستقلال عاد على المجال الشعري بالتطور الكبير الذي خلف أسماء شابة على الساحة من أمثال: عبد العالي رزاقي، أحمد حمدي، شوقي بحري.. حملوا في جعبتهم الجيد والضعيف من حيث الإبداع والجمال الشكلي، وخرجوا به من الخطابية والمباشرة إلى أساليب ولغة مشحونة بالعاطفة، مستمدين ثقافتهم من الشعر العربي المعاصر ورواده من أمثال نازك الملائكة، بدر شاكر السياب، ومحمود درويش.