سألته: ما الصيام عندك؟ قال: كف البطن عن الطعام والشراب والفرج عن قضاء الشهوة. قلت: هذا أهون الصيام عند السلف. قال: فكف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام. قلت: ونسيت القلب؟ قال: وهل يصوم القلب؟ قلت: يصوم أعظم صيام. قال: اشرح لي ذلك. قلت: صيام القلب بالإعراض عن الهمم الدنيئة والأفكار الدنيوية، وبكفه عما سوى الله بالكلية. قال: وكيف يكون الفطر من هذا الصوم؟ قلت: يكون بالفكر فيما سوى الله والدار الآخرة، وانشغال القلب بالدنيا إلا دنيا تراد للآخرة. قال: وهل لذلك أثر من الكتاب والسنة؟ قلت: قولة تعالى: (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) الشعراء، فعلق النجاة يوم القيامة على سلامة القلوب، وإذا سلمت القلوب سلمت الجوارح، واستقامت على طاعة الله، واجتنبت معصيته ونواهي. وقال النبي صلى الله علية وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد، ألا وهي القلب) (متفق عليه). فأساس الصلاح والفساد هو صلاح القلوب وفسادها ولذلك كان إصلاح القلوب وتهذيبها وتطهيرها من أعظم أعمال الطاعة التي غفل عنها كثير من الناس . قال أبو تراب النخشبي: ليس من العبادات شيء أنفع من إصلاح خواطر القلوب. وقال أحمد بن خضرويه: القلوب أوعية، فإذا امتلأت من الحق، أظهرت زيادة أنوارها على الجوارح، وإذا امتلأت من الباطل أظهرت زيادة ظلمتها على الجوارح. صفة القلب الصائم والقلب الصائم: قلب متحرر من حب الدنيا والتعلق بشهواتها وملذاتها، طلباً للنعيم الأعلى والراحة الدائمة. قال رابعة: شغلوا قلوبهم بحب الدنيا عن الله عز وجل، ولو تركوها لجالت في الملكوت، ثم رجعت إليهم بطرائف الفوائد. والقلب الصائم: قلب مشغول بالفكر في الآخرة، والقدوم على الله عز وجل. قال حادث بن أسد: بلية العبد تعطيل القلب عن فكرة في الآخرة، حينئذ تحدث الغفلة في القلب. والقلب الصائم: قلب سالم من الأحقاد والضغائن لا يضمر لأحد من المسلمين غلاً ولا شراً ولا حسداً بل يعفو ويصفح ويغفر ويتسامح، ويحتمل أذى الناس وجهلهم. وقد سئل إبراهيم بن الحسن عن سلامة القلب فقال: "العزلة،، والصمت وترك استماع خوض الناس ولا يعقد القلب على ذنب، ويهب لمن ظلمه حقه". والقلب الصائم: قلب ساكن مخبت متواضع ليس فيه شيء من الكبر والغرور والعلو في الأرض. قال النبي صلى الله علية وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" (رواه مسلم). والقلب الصائم: قلب مخلص لا يريد غير وجه الله، ولا يطلب إلا رضى الله، ولا يتلذذ بغير محبة الله وذكره وشكره وحسن عبادته. فأين أصحاب هذه القلوب النقية؟ .. وأين أرباب تلك الهمم العليّة؟ .. ذهبوا والله فهل ترى لهم بقية؟ علاج القلوب وإذا مرض القلب توجب علاجه ومداوته حتى يعود إلى حال الصحة والقوة وعلاج القلوب يكون بأمور منها: ترك الذنوب: ففي الحديث قال رسول الله صلى الله علية وسلم: "إن المؤمن إذا أذنب، كانت نكتة سوداء في قلبة، فإن تاب ونزع واستغفر صقُل قلبه، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذي ذكر الله عز وجل في كتابه (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)" (المطففين) (رواه الترمذي وقال حسن صحيح). وقال يحيى بن معاذ سقم الجسد بالأوجاع وسقم القلوب بالذنوب، فكما لا يجد الجسد لذة الطعام عند سقمه لا يجد القلب حلاوة العبادة مع الذنوب. رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها. وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها. رحمة الخلق فقد شكا رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال له "امسح رأس اليتيم وأطعم المساكين" (رواه أحمد وحسنه الألباني)، وفي رواية قال: "أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه وأطعمه من طعامك، يلن قلبك وتدرك حاجتك". (رواه الطبراني) ذكر الله قال تعالى: (الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم) الحج. وقال رجل للحسن: يا أبا سعيد! أشكو إليك قسوة في قلبي! قال: أدْنِه من الذكر. الدعاء: فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم مصرف القلوب اصرف قلوبنا على طاعتك". رواة مسلم، وكان يقول "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" رواه الترمذي.