يواجه العمال في مدينة أدرار الجنوبية، مصيرا مجهولا للعام الثاني على التوالي، وسط صراع مزمن مع إدارة مجموعة صينية كانت تستخدمهم في تشغيل مصفاة نفطية ضخمة هناك، إلاّ أنّ تصرفات الجانب الصيني وعدم تعاطي السلطات إيجابا مع الوضع جعل أفق هؤلاء غامضا. وفي استطلاع ميداني “للسلام”، أكّد ممثلو 240 عامل بالمصفاة المذكورة أنّ المتعامل الصيني “سي أن بي سي” داس على القوانين الجزائرية ومسّ كرامة المستخدمين الجزائريين بممارسات غير مشروعة في مصفاة أدرار، وسط برودة غريب من السلطات والمجمّع النفطي سوناطراك. ويقول محمد عزيزاوي، الناطق الرسمي للمضربين، إنّ مصفاة أدرار دأبت على إنتاج دوري بحدود ستمائة ألف طن من الوقود (بنزين – مازوت وغاز منزلي)، وجرى الاتفاق لدى افتتاح هذه المصفاة قبل أربع سنوات، على تكفل الجانب الصيني بأعباء العمال الجزائريين ووفائه بحقوقهم، إضافة إلى رسكلتهم لتمكينهم من تسيير المصفاة بشكل تام لاحقا. إلاّ أنّ الأمور لم تسر كما يشتهي العمال، مثلما يؤكد مولاي علي اسماعيل، أحد قادة نقابة المصفاة، ما جعل شرارة الحركة الاحتجاجية تشتعل في العشرين مارس 2011، ولا تزال مستمرة إلى غاية كتابة هذه السطور دونما استجابة للائحة المطلبية من المعنيين، علما أنّ الشريك الصيني يمتلك 70 بالمائة من أسهم المصفاة بمقابل 30 بالمائة لمجمع سوناطراك. ويركّز محمد عزيزاوي، ل«السلام”، على أنّ إدارة “سي أن بي سي” ضربت عرض الحائط قوانين العمل المحلية السارية المفعول، رغم أنّها مُلزمة بتنفيذها بحكم نشاطها على الأراضي الجزائرية. ويبرز عزيزاوي امتناع المجموعة الصينية عن اقرار الاتفاقية الجماعية وإلزامها المستخدمين الجزائريين بالامتثال للبنود نفسها التي تسيّر العمال الصينيين، فضلا عن ممارستها ما يسميه النقابي الجزائري صنوفا من “الإجحاف” و«المماطلة”، وإطلاق مزاعم مغلوطة من قبيل “عدم جودة النفط المنتج” و«التسبب في أزمة وقود”. ويُعدّد المتحدث باسم المضربين ألوانا من التجاوزات كعدم احترام الجانب الصيني، سلّم الرواتب ولا مبالاته بحقوق العمل، ما جعل مئات العمال الجزائريين ينتظرون ترسيمهم كموظفين رسميين رغم استهلاكهم أربع سنوات في مناصبهم، بجانب عدم استفادتهم من خدمات التأمين على نحو جعل العشرات ممن كانوا عرضة لحوادث عمل، يهرولون بإمكاناتهم الخاصة لتوفير مستلزمات العلاج. وبشأن تعاطي إدارة مجمّع سوناطراك مع الملف باعتباره شريكا في المصفاة المذكورة، يلفت عزيزاوي إلى أنّه على منوال الصمت الذي لاذت به منذ أعوام طويلة، حضر ممثلها بضع مرات إلى المكان بشكل “هزلي” على حد تعبيره، حيث اكتفى بتقديم وعود لا ترتقي إلى مستوى الحلول الواقعية. ويستدل محدثنا بكون المسؤول إياه تعامى عن كل المشكلات، وتجاهل مطالبات المُضربين بتدخل فوري لإدارة سوناطراك وادماجهم في الشركة البترولية الجزائرية، على أن تصبح الأخيرة الوصي الوحيد على المصفاة. وإزاء انسداد قنوات الحوار وقيام العمال المضربين بالاعتصام أمام مقر شركة “سي أن بي سي” بأدرار، أقدمت إدارة المتعامل الصيني على الزجّ بالمستخدمين الغاضبين في عطلة مفتوحة منذ 21 أفريل 2011، وهو رد فعل مُبهم لم يرافقه أي توضيح لممثلي العمال أو لمجموعة سوناطراك حول مؤدى هذه العطلة المفتوحة وتداعياتها على المستخدمين وما إلى ذلك. ورغم نقل عزيزاوي على لسان مسؤولي سوناطراك، أنّ القرار الذي اتخذه الصينيون أحادي ولاغ في آن واحد، إلاّ أنّ القائمين على شؤون “سي أن بي سي” ذهبوا إلى أبعد من ذلك، باستخدامهم قوة عمومية تألفت من مائة دركي لطرد العمال المضربين من مقر النقابة والسكنات الوظيفية التي كانوا يشغلونها. ويحيل “مولاي علي اسماعيل ومحمد عزيزاوي على أنّ الطرد جرى بموجب قرار قضائي استعجالي اتخذته إحدى المحاكم المحلية، مع أنّ وفدا عن مجمّع سوناطراك زار المنطقة قبل أشهر، وشدّد على انتفاء “قانونية” قرار العطلة المفتوحة، لكنّ الطرف الصيني لم يبالي، وجعل مصائر 240 عامل بينهم مائة كادر جامعي عُرضة للمجهول. وفيما لم يتسنّ الحصول على توضيحات من إدارة “سي أن بي سي” بدعوى غياب مديرها خو خي خونغ، تماما مثل إحجام إدارة سوناطراك عن إعطاء أي تعليق، يواصل المُضربون حاليا احتجاجاتهم، حيث نصّبوا خيمة هناك وسط الشارع، ويفيد عزيزاوي أنّ زملاءه اتصلوا بالوالي لكنه صرّح أنّ القضية أكبر منه، في حين لم يكن للمراسلات التي بُعثت إلى جميع الوزارات أي رجع صدى. وأمام استهلاكهم لكثير من الأوراق، يخطط عمال مصفاة أدرار وغالبيتهم من أبناء الجنوب لمعاودة الصعود إلى عاصمة البلاد، وتنظيم وقفات احتجاجية هناك أمام مقار الشركة الصينية وكذا مجموعة سوناطراك، إضافة إلى مقر وزارة الطاقة والمناجم، لإيصال أصواتهم طالما أنّ الأشياء لا تزال محتبسة وتلقي العمال رواتب غير مكتملة. ويعلن مولاي علي اسماعيل: “نريد مقابلة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وإبلاغه بحتمية إدماج العمال تحت غطاء سوناطراك، فضلا عن استرجاع كرامة العمال والكوادر وتسوية حقوقهم، والتحقيق في استعمال القوة ضدّ العمال، ناهيك عن محاسبة المسؤولين وفضح المتآمرين على الجزائر”. ويتصور مراقبون للوضع، أنّ المشكلة تمثل واحدة من عشرات المشاكل التي تفرزها اتفاقات شراكات جزائرية أجنبية لم تبت بشكل دقيق وواضح في حيثيات هذه الاتفاقات من زاوية حقوق العمال الجزائريين، ووجد هؤلاء – في حالة مستخدمي مصفاة أدرار – أنفسهم تحت رحمة الجانب الصيني. وينبّه ناشطون إلى أنّ الجزائر لا تحتاج إلى متاعب إضافية تولدّها الحالات المُشار إليها، لأنّ غضب العمال قد يؤدي الى اشتباكات وما يترتب عن ذلك من تفاعلات. ولإخراج مستخدمي مصفاة أدرار من النفق الذي يعيشونه، يدعو نقابيون إلى مراجعة الجانب الاجتماعي للاتفاق، إذ لا بد من تفعيل بنود هذا الجانب في كافة اتفاقات الشراكة الجزائرية الأجنبية، حتى لا يستفحل طاعون يهدد في حال عدم تطبيق القوانين كما هي، إلى ما لا يُحمد عقباه. ووسط أحاديث غير مؤكدة عن ضغوط تمارسها سوناطراك على شريكها الصيني، وتناقل أنباء عن زيارة وفد من سوناطراك للمنطقة هذا الأحد، يقول مصطفى زقلاوي، النقابي في مصفاة أدرار أنّه لا يدري الى أين ستؤول الأمور مع احتمال بقاء الوضع عالقا لأشهر قادمة، بينما يتساءل مولاي علي إسماعيل: “هل حق الإضراب ألغي في الجزائر”.