في السنة الثامنة من الهجرة نصر الله عبده ونبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على كفار قريش، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم مكةالمكرمة فاتحًا منتصرًا، وأمام الكعبة المشرفة وقف جميع أهل "مكة"، وقد امتلأت قلوبهم رعبًا وهلعًا، وهم يفكرون في حيرة وقلق فيما سيفعله معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن تمكن منهم، ونصره الله عليهم، وهم الذين آذوه، وأهالوا التراب على رأسه الشريف وهو ساجد لربه، وهم الذين حاصروه في شعب أبي طالب ثلاث سنين، حتى أكل هو ومن معه ورق الشجر، بل وتآمروا عليه بالقتل صلى الله عليه وسلم، وعذبوا أصحابه أشد العذاب، وسلبوا أموالهم وديارهم وأجلوهم عن بلادهم، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قابل كل تلك الإساءات بالعفو والصفح والحلم قائلاً: "يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم ؟ قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال صلى الله عليه وسلم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء ". ذات يوم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير مع خادمه "أنس بن مالك"، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس بردا نجرانيا يعني رداء كان يلتحف به، ونجران بلد بين الحجاز واليمن، وكان طرف هذا البرد غليظا جدًا، فأقبل ناحية النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي من البدو فجذبه من ردائه جذبًا شديدًا، فتأثر عاتق النبي صلى الله عليه وسلم، (المكان الذي يقع ما بين المنكب والعنق) من شدة الجذبة، ثم قال له في غلظة وسوء أدب: يا محمد أعطني من مال الله الذي عندك، فتبسم له النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في حلم وعفو ورحمة، ثم أمر له ببعض المال. خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ناحية بلاد "نجد" من أرض الحجاز، وفى طريق عودته صلى الله عليه وسلم من تلك الغزوة مر بوادِ به شجر كثير الشوك، في وقت الظهيرة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش بالتوقف في هذا المكان لينالوا قسطًا من الراحة، فنام الجيش، ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت ظل شجرة كثيرة الأوراق وقد علق بها سيفه، وبعد فترة نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين فتجمعوا حوله صلى الله عليه وسلم، فإذا برجل أعرابي يجلس أمامه فقال رسول الله صلى عليه وسلم: إن هذا الرجل أخذ سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وسيفي في يده، فقال لي: من يمنعك منى ؟! (أي من يمنعني من قتلك الآن)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (في ثبات عظيم وثقة وإيمان بالله): الله، فارتعد الأعرابي بشدة، ووقع السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له: من يمنعك منى؟ فقال الرجل لا أحد، ولم يقابل النبي الكريم إساءة هذا الأعرابي له بمثلها، بل صلى الله عليه وسلم عفا عنه فأسلم الرجل، وعاد إلى قومه، وأخبرهم بخلق النبي، وجميل عفوه وصفحه فأسلم معه خلق كثير.