يعد غياب الوازع الديني وضعف الإيمان وعجز الطب في عديد الحالات، أسباب مباشرة أدت إلى انتشار خطير وملفت لظاهرة العلاج بالرقية الشرعية، وهو أمر مستحب وجميل إذا ما توفرت في الرقية والراقي شروط الممارسة الصحيحة من حفظ للقرآن الكريم ،والطهارة وتجنب جني المال عن طريق وضع تسعيرات محددة ومتغيرة حسب مكانة وجيب الزبون، وعدم اللجوء إلى أساليب الشعوذة بالبخور وذكر "بلزرق" و"بلحمر" وما إلى ذلك من شياطين الإنس قبل الجن.. لكن الواقع المعيش يثبت عكس ذلك، فظهرت جحافل من الرقاة يعملون باسم الدين ويتاجرون بآيات الله من الذكر الحكيم، وهم لا يفقهون شيئا في تعاليم الشريعة ولا يحفظون حتى حزبا واحدا من القرآن.. فتراهم يمارسون الرقية بأبشع الصور سرعان ما تتحول إلى شعوذة وسحر لعين، وما يواكبها من تصرفات وسلوكات تصل أحيانا حد التخذير والاغتصاب والعبث بشرف العائلات التي اضطرت نساؤها عن جهل وضلال، اللجوء لمثل هؤلاء المنبوذين الذين استغلوا سذاجة وبساطة فئات يائسة للنصب عليها وتجريدها من مالها وشرفها في العديد من الأحيان. أطباء وجامعيون زبائن لدى جهلة أميين من المفارقات الغريبة والعجيبة في آن واحد، أن تجد من يقصد هذه الفئة من المحتالين والبزناسية بالقرآن والدين، أشخاصا مثقفين منهم الأطباء وذوو الشهادات الجامعية يهرولون للعلاج بالرقية التي أصبحت غير شرعية، عندما يتلاعب بها أشخاص جهلة جنب ورجس ودنس يكسوهم من الرأس إلى أخمس القدمين، لا يعرفون حتى التمييز بين الفاتحة والإخلاص وتراهم يقبلون على التفوه بالكلام والطلاسم الغامضة في ديكور مرعب تصنعه الأضواء الخافتة وكوانين الجمر والبخور، يوهمون الزبائن بأن ساعة الفرج على الأبواب والسرعة في تحقيق الأحلام الزائفة تقاس بمدى سخاء الزبون وعطائه.. والعجب أن تجد من بين زبائن الرقاة المزيفين نساء ذوات مال وجمال اعتقدن أن قطار الزواج قد فاتهن فيلجأن إلى هؤلاء الشياطين، لإيجاد فارس الأحلام القادم على جواد أبيض، فتنفق بسخاء مقابل كلام معسول وحلم قد يتحقق "صدفة" وقد لا يتحقق أبدا، وغالبا ما توهم المرأة الجميلة المثيرة بأنها مربوطة أو بها سحر لا يفسخ إلا بتسليم نفسها إلى الراقي المزعوم، ومع الأسف كثير منهن يستسلمن لنزوات شيطان الإنس بعد أن يتم تنويمهن بالكلام المعسول والمصير الموعود، لتستفيق أخيرا على أبشع صور الاستغلال والنصب. شأنهن شأن إطارات ودكاترة يقصدون المشعوذين "تحت غطاء العلاج بالرقية الشرعية"، طمعا في جاه أو منصب أو الاحتفاظ بالمكسب المحقق، فيتم استغلالهم بأبشع الصور فتراهم ينفقون الملايير في سبيل أن يسمعوا كلمة "مستقبلك زاهر" ستكون كذا وكذا وذو شأن كبير ومسؤول عظيم لا يحركك أيا كان، وطبعا يصدقون النفاق والكذب والعيش في وهم والتلذذ بما يسمعونه من أحلام، فلو صدق هؤلاء لأصبح كل الجزائريين وزراء ومسؤولين كبارا، ولتحول الفقراء إلى مليارديرات العالم ولأصبح الجهلاء فقهاء وعلماء لكن "كذب المنجمون ولو صدقوا". الظاهرة خطيرة.. وعواقبها أخطر يجمع الفقهاء من علماء الدين ورجال القانون، على خطورة الظاهرة واستفحال انتشارها ينبئ بالأسوأ لأمة من المفروض أن يكون الإيمان سلاحها والاقتناع بالقضاء والقدر، والاحتكام إلى النصيب وما كتبه الله من أهم الوسائل مناعة تكسب المرء الرضى بما قسمه الله له، والقناعة بما هو عليه وأن يتخذ من العمل والنية الصادقة سبيلا لتحقيق طموحه، لكن اللجوء لمثل هؤلاء الشراذم هو في حد ذاته جريمة يعاقب عليها قانون الشرع والوضع، وعلى جميع الفاعلين التصدي لمثل هؤلاء بالنصح قصد الوقاية ثم الردع، وعلى مدارسنا ومراكزنا ومساجدنا أن تلعب دورها الحيوي في مكافحة مثل هذه الآفات الخطيرة، التي تعصف بالمجتمعات نحو الضلالة والمجهول وعلى المصالح الأمنية بدورها أن تلعب الدور الريادي في مكافحة هذه الجرائم التي ترتكب جهارا نهارا باسم الدين وكتاب الله، وذلك بالتعامل بشدة مع هؤلاء للحد من استفحال أنشطتهم الاحتيالية ولا تنتظر شكوى المواطن حتى تتحرك وذلك تجنيبا للمجتمع من مثل هذه الآفات التي يجب محاربتها بكل صرامة وشدة، وعلى السلطات القضائية عدم التساهل أو التسامح معهم حتى يكونوا عبرة لمن يعتبر.