شهدت سنة 2012 التي نقف اليوم على عتبات توديع آخر ساعاتها، نشاطات كثيرة على الصعيد الثقافي، بدء من تجديد الثقة في وزيرة القطاع خليدة تومي، لمواصلة تسيير مؤسساته، وصولا إلى تنظيم عديد الأنشطة التي انضوت تحت العنوان الموحد داخل وخارج الوطن “الاحتفالات بالذكرى الخمسين للاستقلال الوطني”، كان آخرها الصالون الوطني للكتاب، وقد تداخلت تعابير مختلفة ميزت ملامح الوجه الثقافي لسنة نهمّ بتوديعها، حيث تباينت المشاعر بين مستفيد منها يتمنى أن تزوده ببركات توفيقها للعام المقبل، وخائب آمال يعد ثوانيها الأخيرة لاستقبال أيام أفضل . أسالت أحداث العام 2012 الكثير من الحبر على الصفحات الثقافية، وشغلت العديد من الأصوات خاصة ما تعلق بافتتاح احتفالات خمسينية الاستقلال، الحامل عنوان “أبطال القدر” والذي أشرف عليه الكوريغراف اللبناني، عبد الحليم كركلا، حيث أعاب عليه المطلعون على المشهد الفني اعتماده الروح اللبنانية في ترجمة مسيرة نصف قرن من الانجازات الجزائرية، لتأتي دعوة ولاية عنابة المغنية، إليسا، لإحياء حفلها الخاص بهذه المناسبة بمثابة الهزة التي ماجت بالشارع الجزائري إذ اعتبرها إساءة للتظاهرة ككل بما تحمله من تمجيد لروح الثورة وشهدائها، وبطولات شعبها في تجاوز محنه المختلفة وتحديها بانجازات صُورت على أنها شبه خارقة. سوء التسيير والتنظيم شبح لاحق الإدارات سنة كاملة لم يتوقف سوء تسيير وتقدير الإدارات الثقافية على مستوى وطننا الممتد الحدود في إفساد النسق العام لهذه التظاهرة الوطنية –حسب جل ما كتبه المطلعون- عند هذا الحد، إذ عرفت معظم النشاطات التي نظمت في إطارها عديد السقطات، على غرار احتفالية التلفزيون بخمسينية استعادة سيادته، أين تم الاعتماد على خريجي برنامج ألحان وشباب لإعادة أغاني فنانين ما يزالون على قيد الحياة دون الالتفات إليهم حتى بدعوة صغيرة. ولم يخل العام الذي نعد آخر فتراته اليوم، من النشاطات السينمائية والمسرحية..حيث برمجت على المستوى المسرحي عديد الأسابيع الثقافية والأيام المسرحية إلى جانب المهرجان المحترف والدولي، اللذين لاحت من خلالهما ظلال المسرح الثوري والتزامه والثورات العربية التي زاحمت تخليد الخمسينية، ومثلها رصدت السينما حصاد نصف قرن من الانتاجات الوطنية المميزة والمتوجة بأهم الجوائز عالميا. كما نتج عن تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية التي غيرت هدوءا ميز المنطقة لعقود، تشييد عدد من المنشآت الثقافية لا يمكن إنكارها حيث استفادت تلمسان من خمس متاحف على غرار قصر الثقافة بإمامة، مسرح الهواء الطلق، قاعة سينما، المكتبة، ومركز الدراسات الأندلسية، تستغلها الولاية اليوم في نشاطاتها اليومية، كما تم إنجاز أعمال سينمائية ووثائقية عديدة على غرار تلك التي وصفت التاريخ التلمساني بأعلامه وآثاره العلمية والدينية، أما الخمسينية فأنشأت الأفلام الراصدة للتاريخ الوطني بشقيه الثوري والحديث مثل “زبانة” لمخرجه سعيد ولد خليفة، “يما”، و«التائب” لمرزاق علواش، و«عطور الجزائر” لرشيد عكور..وغيرها من الأعمال التي رصدت لها الوزارات المعنية ميزانية جد ضخمة. مواعيد للخمسينية تتوج فيها البلدان العربية جاء مهرجان وهران للفيلم العربي آخر المواعيد السينمائية للعام 2012 وقد عانى هو الآخر من الانتقادات خاصة على المستوى التنظيمي، أما جائزته الأولى “الوهر الذهبي” فعادت إلى الفيلم المصري “الخروج للنهار” لمخرجته هالة لطفي، أما جائزة الفيلم القصير فافتكها الشاب أمين سيدي بومدين عن فيلمه”الجزيرة”. ومن جانب آخر لم يستبعد الكتاب من الأجندة الثقافية العامة للعام الماضي، حيث تم الاهتمام بإبراز عناوين مختلفة منه خلال التظاهرات المذكورة، كما نظم الصالون الدولي للكتاب الذي عرفت طبعته الأخيرة الكثير من الإيجابيات والسلبيات، ليسجل الصالون الوطني عزوفا شبه عام لمشاركة دور النشر الوطنية في طبعته التي اختتمت فعالياتها أول أمس. وإلى جانب الكثير من السهرات الفنية والمهرجانات المحلية.. نذكر أنه من بين المشاريع التي استفاد منها القطاع الثقافي خلال 2012 دار الأوبرا التي وضع حجر أساس مشروعها في أولاد فايت خلال شهر نوفمبر الماضي، حيث سينجزه مجمع الانجازات ببيكين وفق المواصفات الجزائرية. ورود تذوي وشموع يطفئها القدر أبت سنة ال2012 الانقضاء دون أن تترك أثر انكساراتها وأحزانها على جبين ذكريات سنعود إليها كلما حن القلب ورق لأسماء جسدت الفن الجزائري في أذهاننا، حيث تركت آثار زخم كبير من الانطباعات حول أحداث ثقافية متنوعة. كتب على العام 2012 أن يكون مناسبة أليمة لدى الكثيرين نتيجة فقدان الساحة الفنية الوطنية لأعمدة وأسماء كبيرة، فارقت الحياة لتحفر إبداعاتها في الذاكرة، نتيجة مساهمتها في إثراء المشهد الثقافي، وعملها على إعطاء الجزائر أجمل صورة عبر المحافل الدولية. جاء موت محمد فارح، حارس “لغتنا الجميلة” آخر فجائع ال 2012 حيث خلف رحيله يوم ال4 من ديسمبر الجاري إثر وعكة صحية، أثرا بليغا لدى محبيه خاصة وأن حالته الصحية -على حد تصريح نجله- تدهورت بعد الصدمة التي تلقاها إثر توقيف بث حصته “لغتنا الجميلة” على القناة الإذاعية الأولى، فارقنا فارح بعد أن غرس فينا حب لغة طالما دافع عن جماليتها وعن آدابها وقواعدها، فهو من الأوائل الذين اهتموا بقيمة اللغة العربية وتراثها. وقبل فارح كتب لهذه السنة أن تكون ذكرى وداع وردة لطالما فاح عبقها عبر فضاء الفن العربي الأصيل، فنانة ارتبط اسم بلدها باسمها طوال مسيرتها الفنية الحافلة لتلقب بوردة الجزائرية وردة نبتت من صلب أرض أحبتها وعادت لتوارى في تربة نفس الأرض لتكون مقبرة العالية مستقرها الأخير، في جو جنائزي مهيب ووري جثمان أميرة الطرب العربي يوم 18 من شهر ماي المنصرم، صاحبة السجل الوافر من الأغاني الطربية الأصيلة غنت للحب، للتسامح، للكرامة، وغنت للوطن..لتختم مشوارها الحافل بأغنية نوصيكم يا أولادي عن عمر ناهز 73 سنة. تكريم حافل لمن تحملوا أشواك الفن في صمت كتب للموسيقار محمد بوليفة مفارقة الحياة والاستقرار بين أحضان الثرى في السابع من أكتوبر المنصرم، حيث رحل صاحب المقام الرفيع الذي لم يدركه الكثيرون إلا بعد وفاته، تاركا أثرا حسنا في كل نفس عرفته، مات من استطاع تمثيل الفن الجزائري أحسن تمثيل في المنابر العربية والدولية، بوليفة الذي خاض تجربة مميزة في العراق، أبهر من خلالها العراقيين بتحكمه في آلة العود، اختار لنفسه العيش متواضعا عفيفا، بعيدا عن الأضواء. كما قدر للممثل رشيد فارس مفارقة الحياة في 25 جوان إثر تعرضه لسكتة قلبية عن عمر يناهز 59 عاما، الفقيد استطاع تسجيل اسم له في سماء السينما الجزائرية إلى جانب كبار ممثلي السينما والمسرح مثل سيد أحمد أقومي، أحمد بن عيسى، صونيا وآخرين، ودع الفن ولكن الفن أبى توديعه فمشاركته في أعمال عديدة ناجحة تحول دون نسيانه، منها “موريتوري” للمخرج عكاشة تويتة، “تي آنيا” لسعيد ولد خليفة، “الكلانديستان” لبن عمار بختي، “وراء المرآة” لنادية شرابي، وكان آخر ظهور لرشيد فارس في فيلم “مصطفى بن بولعيد” لمخرجه أحمد راشدي. وأطفأ الموت شمعة أخرى من شموع الجزائر بوفاة الشاعر مالك بوذيبة في أفريل المنصرم، عن عمر ناهز 44 عاما ليوارى الثرى بمسقط رأسه ببين الويدان ولاية سكيكدة، شاعر عاش في صمت وكتب في صمت ومات في صمت كذلك، فهو من الأدباء الذين سخوا بعطائهم للأدب دون أن ينتظروا أدنى مقابل. ويعد شهر فيفري ذكرى أليمة أخرى بالنسبة لكل من أحب الفنان القدير كمال كربوز، الذي فارق الحياة بعد مسيرة فنية طويلة شهدت على عطائه الفني المميز، فبرحيله فقدت الساحة الفنية الوطنية رمزا من رموز التمثيل في الجزائر، ابن قسنطينة خلف وراءه مشوارا حافلا بالعطاء الفني على مستوى التمثيل والإخراج، احتك بالمجتمع الجزائري فعكس حياته بهزلها ومرها انطلاقا من الحصة الفكاهية “أعصاب وأوتار”، والمسلسل التلفزيوني “عمر من الخدمة لدار”، “علة وعايلة”، “على الخط”، إلى جانب أفلام “ريح تور”، “كبش العيد” والأعمال المسرحية “مزغنة 95”، أعمال متميزة ومسيرة فنية معطاءة تركها الفنان ليبقى حيا دوما في الذاكرة.